< فهرست دروس

الأستاذ الشیخ سامر عبید

القواعد الفقهية

42/07/17

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: القواعد الفقهية/ مقدمات عامّة في القواعد الفقهية/ المقدمة الرابعة: في هندسة القواعد و ترتيبها (النظرية الثالثة).

1- -هناك مجموعة من المقدمات التي يجب البحث فيها قبل الشروع في البحث عن القواعد الفقهية، وهي:

المقدمة الأولى: ما المقصود من القاعدة؟

المقدمة الثانية: ما الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية؟

المقدمة الثالثة: ما هي مصادر القواعد الفقهية؟

المقدمة الرابعة: في تقسيم القواعد الفقهية وترتيبها بشكلٍ منطقي وهندسي بحيث تتناسب مع البحث في الأبواب الفقهية دون تداخلٍ بينها.

لازال الكلام في مجموعة من المقدمات التي يجب البحث فيها قبل الشروع في البحث عن القواعد الفقهية، وصلنا إلى:

2- -المقدمة الرابعة: في هندسة القواعد الفقهية و ترتيبها:

-بادر جماعةٌ من الفقهاء إلى تقديم تقسيمٍ فنيٍ للقواعد الفقهية؛ ليسهل التعرّف عليها و على انتمائها، و فيما يلي سنستعرض بعض هذه النظريات: وصلنا إلى النظرية الثالثة:

-النظرية الثالثة: نظرية المحقق الصدر (قده)، و هي ما ذكره المحقق الصدر (قده) عند استعراضه للفرق بين القاعدة الأصولية و القاعدة الفقهية، حيث قسّم القواعد الفقهية إلى خمسة أقسام، و هي:

-القسم الأول: ما ليس قاعدة بالمعنى الفني للقاعدة، كقاعدة (لا ضرر)، فإنّ المعنى الفني للقاعدة يتقوّم بأن تكون القاعدة أمراً كلّياً ذات نكتة ثبوتية واحدة، بحيث ترجع إلى حقيقة واحدة، فإن كانت القاعدة من المجعولات التشريعية، كحجّية خبر الثّقة أو قاعدة الضمان باليد، فوحدتها بوحدة الجعل الموجود لها تشريعاً، و إن كانت القاعدة من غير المجعولات، كقاعدة الملازمة بين وجوب الشيء و وجوب مقدمته، فوحدتها بوحدة تقريرها الثبوتي بوصفها حقيقة واحدة في نفس الأمر.

و أمّا مفاد (لا ضرر) فليس إلاّ مجموعة من التشريعات العدمية جمعت في عبارةٍ واحدةٍ، فقصر وجوب الوضوء على غير حالة الضرر، و قصر وجوب الصوم على غير حالة الضرر ليسا مجعولين بجعلٍ واحدٍ، و ثابتين بتقررٍ واحد، بل الأول ثابتٌ بتقييد جعل وجوب الوضوء بغير حالة الضرر، و الثاني ثابت بتقييد جعل وجوب الصوم بغير حالة الضرر، غاية الأمر أنّ الشارع جمع بين هذه التشريعات العدمية بجعولها في مبرزٍ واحد، و في مثل ذلك لا تصدق القاعدة؛ إذ لا يوجد أمرٌ كلّي وحداني يكون دخيلاً في إثبات كلّ واحدٍ من هذه التشريعات، بل هي جميعاً تثبت في عرضٍ واحد بدليلٍ واحد، فهذا من قبيل أن يقال: كلّ حكمٍ يثبت للرجل في المعاملات فهو ثابتٌ للمرآة، فإنّ هذا ليس قاعدة، بل تجميع لجعول و أحكام متعددة تحت عنوان ثانوي، و إبرازها بهذا العنوان.

-بعبارةٍ أخرى: القاعدة الفقهية بشكلها الفنّي يجب أن ترجع إلى أمرين:

-الأمر الأول: أن تكون كلّية، وإلاّ الأمر الشخصي أو الفردي لا يصدق عليه عنوان القاعدة، بل يصلح للمسألة؛ لأنّها ترجع إلى أمرٍ جزئي.

-الأمر الثاني: أن تكون ناشئةً عن وحدةٍ ثبوتيةٍ، بحيث تشترك كلّ مصاديقها في تلك النكتة الثبوتية الواحدة، ويمثّل (قده): عندما نقول (حجّية خبر الواحد) هي قاعدةٌ أصولية، وهي ليست قاعدةً فقهية، فكلّ خبر واحدٍ إذا تمّت شروط حجّيته ثبتت حجّيته، فهنا تعبّر عن الكلّية، و أيضاً تعبّر عن وجود وحدةٍ ثبوتية، إذ أنّ مفهوم الحجّية (المنجزية و المعذرية) هذا شيءٌ واحد، ويوجد في كلّ مصاديق الخبر الواحد، خبر زرارة منجّزٌ ومعذّرٌ، وخبر محمد بن مسلم منجّزٌ و معذّرٌ... قوام القاعدة أيّاً كانت، بوجود هذه الوحدة:

مرّة تكتسب من التشريع (الوحدة بالجعل التشريعي): أي الشارع جعل جعلاً واحداً، تشترك فيه كلّ الأخبار، فوحدتها الثبوتية وحدةٌ جعليةٌ تشريعية.

ومرّة أخرى تكتسب وحدتها الثبوتية من العقل، فالعقل هو الذي يبرر وحدتها، مثل: (قاعدة الملازمة بين وجوب الشيء و وجوب مقدماته)، فهذه ملازماتٌ عقليةٌ في واقع ثبوت هذه الملازمة، لا يجعل العقل هذه الملازمة لخصوص مقدّمة الصّلاة أو لمقدّمة الحجّ، لا؛ و إنّما يجعل جعلاً واحداً يجري في كلّ مصاديقه نسمّيها (وحدة ثبوتية واقعية)، منشأ هذه الوحدة الثبوتية لا يهمّ، المهمّ لا تسمى القاعدة قاعدة إلاّ بوجود وحدةٍ ثبوتيةٍ تعبّر عن حقيقةٍ واحدةٍ ساريةٍ في كلّ المصاديق، أي لا يوجد جعولات متعدّدة، يمثّل (رحمه الله) لهذا القسم بقاعدة (لا ضرر)، و أنتم تعرفون أنّ قاعدة (لا ضرر) عموم فوقاني([1] )، حكمٌ على كلّ الأدلّة في الأحكام الأولية، فما من حكمٍ إلاّ و تحكمه قاعدة (لا ضرر)، و إن كانت كلّية؛ لأنّها تسري وحاكمة على كلّ أدلّة الأحكام الأولية، ولكن لا تعبّر عن وحدةٍ ثبوتية، أي الركن الثاني مفقود؛ لأنّه في كلّ تشريعٍ أولي، يقيد من قبل الشارع الحكم بعدم الضرر، ففي كلّ موردٍ يتدخّل الشارع لتقييد إطلاق الأدلّة، جمّع الشارع كلّ هذه التقييدات كلّها، وعبّر عنها بمبرزٍ واحد (لا ضرر ولا ضرار)، فهل المقصود منه اللفظ أو المعنى؟ ولا يوجد حالة ثالثة، إمّا نقعّد اللفظ، حتماً لا يراد تقعيد اللفظ؛ لأنّها كشف عن معنى فحتماً نريد تقعيد المعنى، و إنصافاً هذا القسم شيءٌ جديد بحسب تتبعي القاصر، لم أرى من أظهر هذه النكتة، إنّ هناك تقعيدٌ فنّيٌ حقيقيٌ، وهناك تقعيدٌ مجازيٌ، والسيد (قده) أبدع في اكتشافها.

قسمٌ من القواعد الفقهية تسمّى قاعدة بالمعنى المجازي؛ لأنّها لا تعبّر عن وحدةٍ ثبوتيةٍ تكشف عن حقيقةٍ واحدةٍ في كلّ المصاديق.

-القسم الثاني: ما يكون بنفسه حكماً واقعياً كلّياً مجعولاً بجعلٍ واحد، كقاعدة (ما يُضمن) الراجعة إلى الضمان باليد، و هذا يصدق عليه القاعدة بالمعنى الفني لوحدته الثبوتية جعلاً و كلّيته، غير أنّها لا يمكن أن تقع في طريق إثبات جعلٍ شرعي؛ لأنّها هي بنفسها الجعل الصادر من الشارع، و إنّما تقع في طريق تطبيقات وتخصيصات هذا الجعل.

-بعبارةٍ أخرى: هناك قواعدٌ فقهية تعبّر عن حكمٍ واقعي، كقاعدة (ما يضمن بصحيحه يضمن بفاسده) هذه القاعدة لا تستهدف إيجاد حكمٍ ظاهري؛ لأنّ مورد الحكم الظاهري: هو ما يؤخذ في موضوعه الشكّ في حكمٍ شرعي مسبق، وهنا لا شكّ (تأسيس)، نريد أن نكشف أنّها هي حكمٌ واقعي للعقد الصحيح الذي في فاسده ضمان، عندما نأتي إلى هذه القاعدة نطبّقها في البيع، لا أن نستنتج منها، هكذا يقول فقهائنا عندما نطبّقها على البيع: هذا البيع في صحيحه ضمان ففي فاسده ضمان.

-القسم الثالث: ما يكون حكماً ظاهراً يُحرز به صغرى الحكم الشرعي، من قبيل قاعدة الفراغ و التجاوز و أصالة الصحّة، حيث يُحرز بها الحكم المترتب على هذه العناوين.

-بعبارةٍ أخرى: القواعد التي تكون حكماً ظاهرياً يحرز به صغرى الحكم الشرعي، أي:

أولاً: هي ليست حكم واقعي، مثل (أصالة الصّحة)؛ لأنّها مسبوقة بالشكّ، فبعد الفراغ من الصّلاة نشكّ (صلّيت صلاةً صحيحة، أو لا؟ ثانياً: هي حكمٌ ظاهري، وتحقق صغرى للحكم الشرعي بوجوب الصّلاة (الصّلاة واجبة، وهذه صلاة، فهي مصداق للصّلاة الواجبة)، فهي صغرى للقياس الاستنباطي.

-القسم الرابع: ما يكون حكماً ظاهرياً يمكن أن يتوصّل به إلى الحجّة على الحكم الشرعي، أي على أصل الجعل، كقاعدة الطّهارة الجارية في الشبهات الحكمية أيضاً.

-توضيح: قاعدة (الطّهارة) لها مجريان:

-الأول: مرّة تجري في الشبهات الموضوعية، وهو تكليف العامّي، أي الشكّ في طهارة الأشياء الخارجية التي يُعلم حكمها مسبقاً، لذلك يقول الفقهاء أنّ الطّهارة الجارية في الشبهات الموضوعية لا تحتاج إلى فحصٍ، يقول الإمام الخميني (قده): لو دخل شخصٌ إلى غرفةٍ ووضع يده على شيءٍ و احتمل أنّه دمٌّ، جاز له أن يمسحها بأي قالعٍ قبل إشعال الضوء، وهذه بالحقيقة نعمة.

-الثاني: و مرّة أصالة الطّهارة تكون في الشبهات الحكمية، أي تشكّ في أصل حكم الشيء في الشريعة، مثلاً: لحم الأرنب حلالٌ أم حرامٌ؟ أو مثلاً: العصير العنبي إذا غلى ولم يذهب ثلثاه طاهرٌ أم نجسٌ؟ العامّي لايستطيع أن يجري أصالة الطّهارة، هذا من اختصاصات المجتهد، وهنا يجب الفحص بما يراه دليل، وإلاّ هذه القاعدة إذا فحصنا عن المشكوك، ولم نجد ما يدلّ على النجاسة تصبح حجّة على الفقيه، فهي تعطي حكماً ظاهرياً، إذ بعد الفحص تصبح دليل على الحكم الشرعي.

-القسم الخامس: القواعد الفقهية الاستدلالية، و هي القواعد التي يقرّرها الفقيه في الفقه، و يستند إليها في استنباط الحكم الشرعي، كقاعدة ظهور الأمر بالغسل في الإرشاد إلى النجاسة التي تشبه قاعدة ظهور الأمر بشيء في وجوبه.

-بعبارةٍ أخرى: هذه القاعدة تشكلّ دليلاً على حكمٍ شرعيٍ آخر، غير الذي تبيّنه، ففي الواقع حكمان، حكمٌ قام بنفس القاعدة و بواسطته نستنبط حكم شرعي، مثل: قاعدة (الأمر بالغسل في الإرشاد إلى الحكم بالنجاسة)، دائماً الشارع عندما يأمر بغسل شيءٍ (أصاب ثوبي شيءٌ،، قال، اغسله)، إذ بحث الفقهاء، هل هو من باب التنزّه حتى تكون ثيابنا نظيفة، أو لا هو إرشادٌ إلى نجاسة ما أصاب الثوب؟ كلّ الفقهاء يقولون (الأمر بالغسل في الإرشاد إلى النجاسة).

-و الظاهر: من ذكر هذه الأقسام في بحث التمييز بين القواعد الأصولية و القواعد الفقهية في مقام الردّ على من أشكل على التعريف المدرسي لعلم الأصول؛ بشموله للقواعد الفقهية، أنّ الملحوظ فيه جانب ما يقع في طريق الاستنباط من القواعد الفقهية و ما لا يقع، و ليس ناظراً إلى ما يميّز القواعد الفقهية في نفسها، و لعلّه لأجل ذلك لا يلاحظ أساس لهذه القسمة.


[1] - لأنّها تسيطر على دلالة الدليل الأولي، الله تعالى يقول: ﴿أَقِمِ الصَّلاَةَ﴾ (الإسراء/78)، مطلقاً سواء بالاضطرار أو الضرر، ولكن تصبح الصّلاة حرام بالعنوان الفوقاني إذا تحولت إلى ضرّرية، فتسقط حينئذٍ.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo