الأستاذ الشيخ حسن الرميتي
بحث الفقه
33/02/01
بسم الله الرحمن الرحیم
الفقه \ كتاب الطهارة \ ماء المطر\ الأدلة
كان الكلام في ماء المطر وقلنا إن هناك عدة أمور وتحدثنا عن الأمر الأول
الأمر الثاني: إذا اجتمع ماء المطر في مكان ، وكان قليلا ، وغسّل فيه المتنجس ، يطهر ما دام يتقاطر عليه من السماء على المشهور بين الأعلام شهرة عظيمة ، وذهب صاحب الجواهر إلى الاكتفاء في التطهير بوجود التقاطر من السماء ، وإن لم تقع القطرات على الماء المجتمع ، وذلك لصدق ماء المطر عليه ، فيلحقه الحكم ، ولكن يشترط أن يكون الماء المجتمع في مكان متهيئا للتقاطر عليه ، فلو وضع في خابية ، وترك في بيت مثلا ، لم يكف ذلك .
قال في الجواهر: ( إن ماء المطر له حكم الجاري حال تقاطره قبل ملاقاته جسما من الأجسام ، وبعده أيضا ، لكن بشرط عدم انقطاع التقاطر من السماء ، وعدم صيرورته في مكان يصدق عليه اسم الانقطاع عن المطر عرفا ، كما لو وضع في خابية ، وترك في بيت مثلا ، بل كان متعرضا ، ومتهيئا لوقوع التقاطر عليه ، فإنّ الظاهر جريان حكم الجاري عليه بنفسه ، كما كان حال تقاطره قبل استقراره ، لا لاتصاله بالجاري أي القطرات الواقعة ... إلخ )
[1]
.
ويرد عليه: أن ماء المطر هو النازل من السماء ، فإذا انقطع التقاطر على المكان المجتمع فيه ماء المطر القليل ، وإن كان لا زال موجودا في مكان آخر ، فلا يلحقه الحكم حينئذٍ لعدم صدق اسم ماء المطر عليه فعلا ، بل كان ماء المطر ، وأما فعلا فلا .
ولا يخفى أن المأخوذ في موضوع الأدلة هو العنوان الفعلي ، فإذا قيل: ماء البئر حكمه كذا ، فالمراد الماء الموجود فيها ، لا الماء الخارج منها ، وكان فيها سابقا ، وهكذا غيره .
ومما يؤيد ما ذكرناه ، بل يؤكده أن كثيرا من الأخبار المتقدمة الواردة في انفعال الماء القليل موردها الحياض والغدران ، وهي مجتمعة من ماء المطر ، فلو كان ذلك كافيا في اعتصامها لما حكم الإمام -عليه السلام - بانفعالها بالملاقاة ،
ثم إن ما ذكرناه من اعتصام ماء المطر المجتمع في مكان حال التقاطر عليه، يلحق به المجتمع من غيره أيضا لاعتصامه باتصاله بالمادة ، وهي ماء المطر خلافا للنراقي - رحمه الله - ، حيث قال : ( وأمّا المجتمع من غيره ، فهل يتقوى به ؟ ، فيه وجهان ، الأظهر : العدم ، لاستصحاب الحكم الثابت له قبل الاتصال ، بالاطلاقات ، من تنجسه بالملاقاة ، ولعمومات تنجس القليل بورود النجاسة عليه ، الشامل أكثرها ، بل جميعها لمثل ذلك بالإطلاق ، أو العموم )
[2]
.
ويرد عليه: ما لا يخفى ، فإنّ هذا الماء القليل المتصل بالمادة يكون معتصما ، وقد ذكرنا سابقا الوجه في تقدم أدلة الماء القليل المتصل بالمادة على أدلة انفعال الماء القليل ، فراجع .
وأما مسألة الاستصحاب ، ففيه :
أوّلًا: أنه مع وجود الأمارة لا مسرح له .
وثانيًا: أنه من استصحاب الحكم الكلي ، وقد عرفت منعه .
الأمر الثالث: قال "النراقي" في "المستند" : ( إذا انقطع تقاطره ، فإن لم يبق جريانه على الأرض ، فكالواقف إجماعا ؛ وإن كان جاريا بعد ، فظاهر العمومات المتقدمة ، والاستصحاب ، عدم تنجسه وإن قلنا بتنجس القليل الجاري لا عن مادة ، مع أنه أيضا لا ينجس ، فيشمله ما دل عليه أيضا . وهو الظاهر من المنتهى ، حيث شرط في إلحاقه بالواقف مع الانقطاع الاستقرار على الأرض ، قال : "أما إذا استقر على الأرض وانقطع التقاطر ثم لاقته نجاسة اعتبر فيه ما يعتبر في الواقف ، لانتفاء العلة التي هي الجريان" ، انتهى ، وهو جيد جدًا ) .
أقول: لا يوجد فيه شيء من الجودة ، فضلا عن أن يكون جيدا جدًّا ، وذلك :
أوّلًا: لما ذكره "صاحب الحدائق" من أنه لا خلاف في أن ما يبقى من ماء المطر بعد انقطاع المطر حكمه حكم التعليل ، وإن كان جاريا .
وثانيا: وهو العمدة ، أنه مشمول لأدلة انفعال ماء القليل ، ولا يلحقه حكم الجاري ، لما عرفت من اشتراط اتصاله بالمادة ، كما أنه لا يلحقه حكم ماء المطر ، لأن المراد من اعتصام ماء المطر ما كان ذلك حال التقاطر لا يبعد الانقطاع ، فيقال لهذا الماء أنه كان ماء المطر ، وأما فعلا فلا ، والله العالم بحقائق أحكامه .
قال المصنف:
( وليس للجرية حكم بانفرادها مع التواصل، ولو اتصل الواقف بالجاري اتحدا ، مع مساواة سطحهما،أو كان الجاري أعلى لا العكس، فيكفي في العلو فوران الجاري من تحت الواقف )
( وليس للجرية حكم بانفرادها مع التواصل، ولو اتصل الواقف بالجاري اتحدا ، مع مساواة سطحهما،أو كان الجاري أعلى لا العكس، فيكفي في العلو فوران الجاري من تحت الواقف )
أما الجرية
فقد فسّرها "المحقق الثاني" - رحمه الله - في شرح القواعد بالدفعة من الماء الجاري بين حافتي النهر عند جريانه على سطح منحدر ، وفسّر بعض الشافعية والحنابلة "الجرية" بما بين حافتي النهر عرضًا ، ولا يخفى أن قيد الانحدار المأخوذ في تفسير "المحقق الثاني" ليس احترازيا عن شيء ، بل هو توضيحي.
وما ذكره الماتن - رحمه الله - ، من أنّه ( ليس للجريَة حكم بانفرادها مع التواصل ) ، هو المتفق عليه بين الأعلام ، وسرّه واضح ، إذ مع الاتصال تكون "الجرية" معتصمة ، ويكون الماء واحدًا ، فلا تنفعل بمرورها على النجاسة .
وقال بعض الشافعية والحنابلة إذا كانت النجاسة تجري مع الماء ، فما فوقها ، وما تحتها ، طاهران ، وأمَّا "الجرية" التي فيها النجاسة فحكمها كـ "الراكد" ، فإن كان أقلّ من قِلّتَين تنجست ، وإلا فلا ، وإن كانت النجاسة واقفة ، والماء يجري عليها ، فلكل جِرية حكمُ نفسِها ، فإن كانت أقلّ من قِلَّتين تنجست ، وإلا فلا ... إلخ .
والصحيح
ما عرفته ، وقال المصنف - رحمه الله - في الذكرى : ( ولا تحقق للجريان بالاستقلال في الأنهار العظيمة إجماعا ، ولا في المعتدلة عندنا ؛ للاتصال المقتضي للوحدة ؛ ويلزم منجس الجرية المارة على النجاسة في الجهات الأربع نجاسة جدول طوله فراسخ بغير تغيّر ، وهو ظاهر البطلان ) [3] ، وهو جيد ، والله العالم .
ما عرفته ، وقال المصنف - رحمه الله - في الذكرى : ( ولا تحقق للجريان بالاستقلال في الأنهار العظيمة إجماعا ، ولا في المعتدلة عندنا ؛ للاتصال المقتضي للوحدة ؛ ويلزم منجس الجرية المارة على النجاسة في الجهات الأربع نجاسة جدول طوله فراسخ بغير تغيّر ، وهو ظاهر البطلان ) [3] ، وهو جيد ، والله العالم .
وأما الواقف
فقد قال المصنف في "الذكرى" : ( وطهر القليل بمطهر الكثير ممازجا ، فلو وُصِل بكرٍّ مماسّة لم يطهُر ، للتميّز المقتضي لاختصاص كلّ بحكمه ؛ ولو كان الملاقاة بعد الاتصال ، ولو بساقية ، لم ينجس القليل مع مساواة السطحَين ، أو علوّ الكثير ، كماء الحمام ؛ ولو نبع الكثير من تحته - كالفوّارة - فامتزج طهره ، لصيرورتهما واحدًا )
[4]
، وقال في "البيان" : ( ولو اتصل الواقف القليل بالجاري واتحد سطحهما أو كان الجاري أعلى اتحد أو لو كان الواقف أعلى فلا ) ، ووافقه على ذلك جملة من الأعلام منهم "المحقق الثاني" ، ثمّ إنّ الوجه في كفاية فوران الماء كونه حينئذٍ بمنزلة العالي في كونه مستوليًا على الواقف ، ومعدودًا من أجزائه عرفا .
والإنصاف جريان الحكم ولو كان الواقف أعلى ، لأن الماء السافل مع العالي يلزمه العكس ، لأنّه إذا صدق على المجموع أنّه ماء واحد فيجب الالتزام بتقوّي كلّ منهما بالآخر كما تقدم ، وإلا فالتفصيل في غير محلّه ، إلّا اللهم أن يقال : إنّ الماء متعدد بحسب العرف ، وإنّما التزمنا بتقوي السافل بالعالي للإجماع أو للأخبار المتقدمة في ماء الحمام لا لاتحاد الماء .
وفيه
ما لا يخفى ، فإنّ الماء واحد بحسب العرف كما تقدم ، وثانيًا
لو كان الآخر كذلك التنافي مع تعبيرهم باتحاد الماءَين في صورة المساواة ، أو كون الجاري أعلى .
ما لا يخفى ، فإنّ الماء واحد بحسب العرف كما تقدم ، وثانيًا
لو كان الآخر كذلك التنافي مع تعبيرهم باتحاد الماءَين في صورة المساواة ، أو كون الجاري أعلى .
والخلاصة إلى هنا أنه لا فرق في المسألة بين مساواة سطحهما ، أو كون المجاري أعلى أم أسفل ، فإنّ الدليل واحد .
وقد تقدم تفصيل المسألة في الأمر الثاني من الأمور الستة التي ذكرناها عند قول الماتن سابقًا ( ولا ينجس إلا بتغير لونه أو طعمه أو ريحه .. إلخ ) ، فراجع .
[1] - جواهر الكلام ج 6 ص 320
[2] - مستند الشيعة ج 1 ص 30
[3] - ذكرى الشيعة ج 1 ص78
[4] - نفس المصدر