< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

36/05/07

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : فقه الصَّلاة / في لباس المصلَّي /

ثمّ إنّ جماعة من الأعلام، منهم صاحب الجواهر والسّيد الحكيم (رحمهما الله) ذكروا أنّ الرّواية وإن كانت مرسلة إلَّا أنّها حجّة مجبورة بعمل المشهور، قال المصنِّف - رحمه الله - في الذكرى (وأمّا المراسيل فإذا تأيَّدت بالشهرة صارت في قوّة المسانيد، وخصوصاً مع ثقة المرسل، وعبد الله بن مسكان من أجلّ الثقات من أصحاب الكاظم - عليه السلام - ... )[1].
وفيه : ما ذكرناه في أكثر من مناسبة من أنّ عمل مشهور المتقدّمين لا يجبر ضعف الرّواية .
وأمَّا كون ابن مسكان من أصحاب الإجماع : فقد ذكرنا في مسائل علم الرجال أنّ مراسيل أصحاب الإجماع كمراسيل غيرهم، وقد ذكرنا السرّ في ذلك، فَلْيطلب من مظانه .
ثمّ إنّه من جملة الشّواهد للجمع المذكور ما عن نوادر الرّواندي - رحمه الله - (قال عليّ - عليه السلام - في العاري : إن رآه الناس صلّى قاعداً، وإن لم يرَه النَّاس صلَّى قائماً)[2]، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال، والرّواية موجودة في كتاب الجعفريّات المعبّر عنه بالأشعثيات[3]، وقد عرفت أنّ ما في الكتاب ضعيف السند لوجود موسى بن إسماعيل، ووالده في السند، وهما مجهولان .
والخلاصة : أنّه يكفينا للجمع بين الأخبار صحيحة ابن مسكان، وبها يثبت التفصيل الذي ذهب إليه المشهور .
وممَّا ذكرنا يظهر لك عدم صحّة ما ذكره ابن إدريس - رحمه الله -، لأنّ فيه طرح الرّوايات المعتبرة، بلا موجب، ومثله في عدم الصحّة أيضاً ما ذكره السّيد المرتضى - رحمه الله - للزوم طرح الرّوايات المعتبرة بلا سبب .
وأمّا ما ذهب إليه المحقِّق - رحمه الله - من التخيير، فهو مبني على تعارض الأخبار مع عدم الترجيح في البين، ولكنَّك عرفت ما هو الإنصاف .
وأمَّا ما ذكره ابن زهرة من أنّ العريان إذا كان بحيث لا يراه أحد صلّى قائماً، وركع وسجد، وإلَّا صلّى جالساً مومياً، ووافقه صاحب الجواهر - رحمه الله -، فقد استدل لذلك ببعض الأدلَّة :
منها : الأصل .
وفيه : إن كان المراد منه الاستصحاب، أي استصحاب الرّكوع والسّجود في الصّلاة، ففيه أنَّه من استصحاب الحكم الكلّي، وقد عرفت ما فيه، وإن كان المراد به المطلّقات الدّالّة على وجوب الرّكوع والسّجود فهي مقيَّدة بصحيحة عليّ بن جعفر المتقدّمة الدّالة على بدليّة الإيماء منهما .
ومنها : الإجماع الذي ادَّعاه ابن زهرة - رحمه الله - .
وفيه : أنّ الإجماع المنقول بخبر الواحد ليس بحجّة، بل كيف ينعقد الإجماع مع ذهاب المشهور، بل المعظم إلى خلافه .
ومنها : خبر الحفيرة المتقدّمة، وهو مرسل أيوب بن نوح عن بعض أصحابه عن أبي عبد الله - عليه السلام - (قال : العاري الذي ليس له ثوب إذا وجد حفيرة دخلها، ويسجد فيها، ويركع)[4].
وفيه أوَّلاً : أنَّه ضعيف بالإرسال .
وثانياً : أنّه مختصّ بالحفيرة، ولا يصحّ التعدي منها إلى غيرها لاحتمال الخصوصيّة لها .
ومنها : أنّ الذي سوَّغ له القيام - المقتضي لانكشاف قُبُلِه - هو الأمن من المطلع، فإذا كان
الأمر كذلك فلا موجب حينئذٍ لسقوط الركوع والسجود، لاشتراك العلة بينهما .
وإن شئت فقل : إنّ السّاتر للصّلاة ساقط للعجز عن تحصيله، وإنّما الواجب رعاية السّتر في حدّ نفسه، للأمن من الناظر المحترم .
وعليه، فإذا جوَّزنا له الصَّلاة قائماً مع الأمن من الناظر المحترم فيجب عليه حينئذٍ أيضاً الرّكوع والسَّجود، ولا موجب لسقوطهما عنه .
وفيه : أنَّ هذا اجتهاد في مقابل النصّ، فإنّ الصّحيح قد دلّ على الصلاة إيماءً في هذه الصَّلاة، فلا معنًى حينئذٍ لهذا الكلام .
نعم، لولا هذا النصّ لكان مقتضي القاعدة وجوب الرّكوع والسّجود، دون الإيماء .
ومنها : موثَّقة إسحاق بن عمَّار (قال : قلت لأبي عبد الله - عليه السلام - : قومٌ قُطِعَ عليهم الطّريقُ، وأُخِذَت ثيابُهم، فبقوا عراةً، وحضرتِ الصَّلاةُ، كيف يصنعون ؟ فقال : يتقدَّمهم إمامُهم، فيجلس، ويجلسون خلفه، فيُومئ إيماءً بالرّكوع والسّجود، وهم يركعون، ويسجدون خلفه على وجوهم)[5].
وفيه : أنّه مختصّ بالصّلاة عراةً جماعة، ولا يشمل المنفرد الذي هو محلّ الكلام .
ومنها : أنَّ صحيحة عليِّ بن جعفر المتقدِّمة - التي هي العمدة في الصّلاة قائماً مع الإيماء - موهونة بعدم الأخذ بإطلاقها من حيث الأمن من المطّلِع وعدمه، مع تعيّن الجلوس في صورة عدم الأمن، كما هو المعروف، وأيضاً الصحيحة ظاهرة في لزوم التشهّد والتسليم قائماً، ولم يُعرف دليل عليه، ولا مصرَّح به .
أضف إلى ذلك : أنّه يحتمل إرادة أوّل مراتب الرّكوع من الإيماء فيه .
والجواب : أمَّا الإشكال من ناحية الإطلاق فغير وارد، لأنّه مقيَّد بصحيحة عبد الله بن مسكان المتقدِّمة المفصِّلة بين الأَمْنِ وعدمه، وأنَّه مع عدمه يصلِّي جالساً، وأمَّا ظهور الصحيحة في وجوب التشهّد والتسليم قائماً فمع التسليم بأنّها في مقام البيان من هذه الجهة فلا بأس بالقول بذلك، وَلْتكن هذه الصَّحيحة هي الدليل على ذلك .
وأمَّا احتمالُ إرادة أوّل مراتب الرّكوع من الإيماء فيه فَيَرِدُ عليه : أنَّ الإيماء بنظر العرف مغاير للرّكوع، لا سيَّما بملاحظة كونه في مقابل ما ذُكِر في صدره من إتمام الرّكوع والسّجود إن أصاب حشيشاً .
ثمّ إنّه لو فرضنا تحقّق هذا المعنى في الرّكوع في الجملة إلّا أنّه لا يتحقّق بالنسبة إلى السّجود، ضرورةَ أنَّ وضع الجبهة على الأرض من مقوِّمات مفهوم السّجود عرفاً، فالإنحناء غير الموجب لوصول الجبهة إلى الأرض أجنبيّ عن ماهية السّجود، فضلاً عن مطلق الإيماء .
والخلاصة : أنَّ الأقوى هو ما ذهب إليه المشهور، والله العالم .
وأمَّا ما حُكِي عن السّيد عميد الدّين من أنّه كان يقوِّي جلوس القائم ليُومِئ للسَّجود جالساً نظراً إلى كونه حينئذٍ أقرب إلى هيئة السّاجد فيدخل تحت قوله (صلى الله عليه وآله) : (إذا أمرتكم بشيء فاتوا منه ما استطعتم).
وفيه أوَّلاً : أنَّ هذا الحديث نبويّ ضعيف، كما عرفت في أكثر من مناسبة .
وثانياً : أنَّ الواجب حينئذٍ قدِ انتقل إلى الإيماء، فلا معنى للتكليف بالممكن من السّجود، إلَّا أن يقال : إنَّ إيجاب الإيماء إنّما هو لكونه من المراتب الميسورة للسّجود التي لا تسقط بالمعسور، لا أنّه ماهية أخرى أجنبيّة عنه قد جعله الشارع بدلاً منه تعبّداً .
وفيه أيضاً : أنَّ قاعدة عدم سقوط الميسور بالمعسور ضعيفة سنداً، إذ هو نبيّ مرسل .
وثانياً : أنَّ الإيماء عند العرف غير السّجود، إذ السّجود متقوّم عرفاً بوصول الجبهة إلى الأرض، فالانحناء غير الموجب لوصول الجبهة إلى الأرض أجنبيّ عن ماهية السّجود، فضلاً عن مطلق الإيماء .
وممَّا ذكرنا يندفع أيضاً : ما ذكره المصنِّف - رحمه الله - في الذكرى من إيجاب الانحناء فيهما بحسب الممكن، بحيث لا تبدو معه العورة، وأن يجعل السّجود أخفض محافظة على الفرق بينه وبين الركوع .
واحتمل أيضاً وضع اليدين، والركبتين، وإبهامي الرجلين، في السّجود، على الكيفيّة المعتبرة في السّجود .
ومستنده في ذلك كله - بحسب ما يظهر من عبارته - : إلى قاعدة الميسور .
وفيه : ما عرفته من الجواب السّابق عن الردّ على كلام السيّد عميد الدين - رحمه الله -، فلا حاجة للإعادة، وأما جعل الإيماء للسّجود أخفض من الرّكوع فقد ورد ذلك في خبر أبي البختري المتقدّم، وقد عرفت أنّه ضعيف .
والخلاصة : أنَّه إن لم يجد السّاتر فإنْ أَمِن الناظر المحترم صلَّى قائماً مُومياً للرّكوع والسّجود، والأحوط لزوماً الجمع بين صلاة المختار قائماً وراكعاً وساجداً، والصّلاة قائماً، مُومياً إلى الركوع والسّجود إن أمكن .
بقي الكلام في أنَّ الإيماء هل هو بالرأس، أم بالعينين ؟ .
والظاهر أنَّ المتبادر من الأمر بالإيماء بدلاً عن الرّكوع والسّجود هو الإيماء بالرأس، كما نصّ عليه غير واحد من الأعلام .
مضافاً : إلى وقوع التصريح به في حسنة زرارة المتقدّمة، حيث ورد في ذَيْلها : (إيماء برؤوسهما)، فلا يكفي الإيماء بالعينين تَغْميضاً وفَتْحاً عند التمكّن من الإيماء بالرأس، كما يظهر ذلك ممّا ورد في المريض، بناءً على اتحاد كيفية الإيماء في كلّ مقام يجب الإيماء من باب تنقيح المناط، أو كون المقام أولى من المريض، كما عن المصنِّف - رحمه الله - في الذكرى .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo