< قائمة الدروس

الموضوع: السُّجود في الصَّلاة(10)

 

ومنها: رواية إسحاق بن الفضل (أنّه سأل أبا عبد الله عليه السلام - إلى أن قال: - فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يحبّ ذلك، أن يمكن جبهته من الأرض، فأنا أحبّ لك ما كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يحبه)[1] ، وهي ضعيفة لعدم وثاقة إسحاق بن الفضل.

نعم، وثَّقه الشَّهيد الثاني رحمه الله.

ولكنَّ توثيقات المتأخِّرين مبنية على الحدس، فليست حجةً.

قوله: (والإرغام بالأنف، ولا يتعيَّن طرفه الأعلى، خلافاً للمرتضى)

المعروف بين الأعلام استحباب الإرغام بالأنف، قال المصنِّف رحمه الله في الذِّكرى: (ومنها الإرغم بالأنف، بأن يسجد على الأنف مع الأعضاء السَّبعة...)، وفي المدارك: (الإرغام: إلصاق الأنف بالرّغام، وهو التراب؛ وقد أجمع علماؤنا على أنَّه من السُّنن الأكيدة...)، وفي المنتهى: (ذهب إلى استحبابه علماؤنا أجمع...)، وقدِ ادَّعى الإجماع جماعة كثيرة.

والإنصاف: أنَّ المسألة متسالم عليها، إذ لا يوجد مخالف صريح.

فما في الهداية، والمحكي عن الفقيه والمقنع، من أنَّ الإرغام بالأنف سنَّة، فمن تركه متعمداً فلا صلاة له، ليس صريحاً في وجوب الإرغام، فلعلَّه يريد تأكُّد الاستحباب.

ويشهد لذلك: أنَّه ذكره في باب آداب الصَّلاة، فإن عدَّه في باب الآداب من جملة الآداب قرينة واضحة على إرادة الاستحباب.

وعليه، فقد خرجت المسألة عن الإجماع المصطلح عليه فليست قابلةً للنقاش، وهو العمدة في ثبوت الاستحباب.

ومع ذلك، فقدِ استدلّ ببعض الرّوايات:

منها: صحيحة حمّاد بن عيسى، حيث ورد فيها: (وسجد على ثمانية أعظم، ثمَّ عدَّها، وقال: سبع منها فرض يسجد عليها - إلى أن قال:- ووضع الأنف على الأرض سنَّة، وهو الإرغام)[2] .

ومنها: صحيحة زرارة (قال: قال أبو جعفر عليه السلام: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): السُّجود على سبعة أعظم: الجبهة واليدين والركبتين والإبهامين من الرّجلين، وترغم بأنفك إرغاماً، أمَّا الفرض فهذه السّبعة، وأمّا الإغام بالأنف فسنّة من النّبي ّ(صلى الله عليه وآله)[3] .

وقد ناقش صاحب الحدائق رحمه الله في ذلك، حيث قال: (إنّ لفظ السنّة، وإن كان من الألفاظ المشتركة بين ما يثبت وجوبه بالسنّة وبين المستحب، إلَّا أنَّه متى قوبل بالفرض ترجَّح كونه بالمعنى الأوّل، فهو، إن لم يكن بمعنى الواجب هنا، فلا أقلّ من تساوي الاحتمالين، الموجب لبطلان الاستدلال به في البين).

ثمَّ اختار الاستحباب لرواية محمَّد بن مصادف الآتية إن شاء الله تعالى.

أقول: يتعيَّن حمل لفظ السنّة هنا على الاستحباب، بقرينة التسالم بينهم على الاستحباب.

ومن جملة الرّوايات التي استدلّ بها على الاستحباب موثّقة عمّار عن جعفر عن أبيه (قال: قال عليّ عليه السلام: لا تجزي صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين)[4]

ونحوها مرسلة عبد الله بن المغيرة عمَّن سمع أبا عبد الله عليه السلام يقول: (لا صلاة لمَنْ لم يصب أنفه ما يصيب جبينه)[5] ، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال، والمراد بالجبين الجبهة، كما هو أحد إطلاقاتها لغةً.

وظاهر هاتين الرّوايتين الوجوب، وذكر جماعة من الأعلام أنّهما تحملان على الاستحباب، بقرينة رواية محمّد بن مصادف (مضارب) (قال: سمعتُ أبا عبد الله عليه السلام يقول: إنَّما السّجود على الجبهة، وليس على الأنف سجود)[6] ؛ ولكنّ الرِّواية ضعيفة، لعدم وثاقة محمَّد مصادف، ووجوده في كامل الزيارات لا ينفع، لعدم كونه من المشايخ المباشرين لابن قولويه.

_____________

والإنصاف: أنّهما تحملان على الاستحباب، أي نفي الإجزاء الكامل، وذلك للتسالم بين الأعلام، كما عرفت.

ومع ذلك فإنّ الأحوط وجوباً الإرغام بالأنف لشدّة التأكيد على فعله، وعدم تركه، والله العالم.

ثمَّ إنَّه بقي عندنا أمران:

الأوَّل: هل تتوقّف تأدية السنّة على وضع طرف الأنف الأعلى، وهو مما يلي الحاجبين على الأرض، كما عن السّيد المرتضى وابن إدريس (رحمهما الله)، أو على وضع طرف الأسفل، كما عن ابن الجنيد ، أو بوضع شيء من الأنف مطلقاً على الأرض، كما عن الأكثر؟

هذا، وقد يستدلّ لقول السّيد المرتضى رحمه الله وابن إدريس رحمه الله برواية عبد الله بن الفضل عن أبيه - في حديث- ( أنَّه دخل على أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام قال: فإذا أنا بغلام أسود بيده مقصّ، يأخذ اللحم من جبينه، وعِرْنِين أنفه من كثرة سجوده)[7] ، والعرنين طرف الأنف الأعلى.

والظّاهر أنّ الأخذ منه لكونه بكثرة السُّجود عليه قد مات لحمه.

وفيه أوَّلاً: أنَّها ضعيفة بجهالة محمَّد بن الحسن المدني، وعدم وثاقة عبد الله بن الفضل وأبيه.

وثانياً: أنّ القرض من عرنين أنفه لا يدلّ على تعينه.

وأمَّا ما ذهب إليه ابن الجنيد رحمه الله فقد يقال: إنَّه المتبادر من المطلقات، حيث إنّ المنصرف منها إرادة وضع طرف الأنف الأسفل الذي من شأنه الوصول إلى الأرض حين السُّجود.

ولكنّ الإنصاف: أنّ هذا الانصراف بدوي خارجي، منشؤه غلبة الوجود.

وعليه، فيتعيَّن القول الثالث، ويدلّ عليه إطلاق الأدلّة، باعتبار أنّ إطلاق الأنف يقتضي عدم الفرق بين أجزائه، والله العالم.

الثاني: المعروف بين الأعلام أن الإرغام بالأنف هو وضعه على الرَّغم - بفتح الراء- وهو التراب.

وقد صرَّح جماعة من الأعلام بأنّ السنّة تتأدّى بوضع الأنف على مطلق ما يصحّ السُّجود عليه، فعن الشّهيد الثاني رحمه الله في الرّوض قال: (الإرغام بالأنف هو إلصاقه بالرَّغام وهو التراب؛ والمراد هنا السُّجود عليه، ووضعه على ما يصحّ السُّجود عليه...).

وقال في المسالك: (الإرغام بالأنف: هو السُّجود عليه، مأخوذ من الرَّغام -بفتح الراء- وهو التراب، وتتأدّى السنّة بوضعه على ما يصحّ السُّجود عليه، وإن كان التراب أفضل).

أقول: يشهد لذلك إطلاق موثّقة عمّار المتقدّمة (لا تجزئ صلاة لا يصيب الأنف ما يصيب الجبين)[8] ؛ وحملها على إرادة خصوص التراب بعيد جدًّا.

ويشهد لذلك أيضاً: معهوديّة الخُمْرَة في عصر النّبي (صلى الله عليه وآله)، والأئمة عليهم السلام، وهي سجادة صغيرة، معمولة من سعف النخل.

وقد دلَّت النصوص على مواظبتهم عليهم السلام على السُّجود عليها، فيكشف ذلك عن أنَّ السنَّة كانت تتأدَّى به، وإلَّا يلزمهم مواظبتهم على ترك هذه السنَّة، وهو غير محتمل.

_____________

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo