< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/04/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القواطع(1)*

*وأمّا الأمر الثاني:* فالمعروف بين الأعلام أيضاً بطلان الصَّلاة فيما لو صدر الحدث سهواً، وحُكي عن الشَّيخ في الخلاف والمبسوط والسَّيد المرتضى في المصباح: أنَّه يتوضّأ ويبني، ولكن لم يعلم صحَّة النسبة إليهما.

*ولذا يمكن القول:* بحصول التسالم بينهم أيضاً على البطلان، كالعمد.

ومن هنا قال صاحب الجواهر (رحمه الله): *(ولم أجده -أي القول بالبناء مع التوضّؤ- لأحد من الأصحاب...).*

*أقول:* بل يظهر من الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف أنَّه غير مخالف، قال فيه: *(أنَّ مَنْ سبقه الحدث من بولٍ أو ريحٍ، أو غير ذلك، لأصحابنا فيه روايتان، إحداهما -وهو الأحوط- أنَّه يبطل صلاته...).*

وهو ظاهر في أنَّه غير مخالف، خصوصاً، وقد قال في الخلاف -بعد أن حكى خلاف العامّة-: *(دليلنا -وذكر نصوص المشهور، والرِّواية المخالفة، ثمَّ قال:- والذي أعمل عليه، وأفتي به الرِّواية الأولى...)،* الرِّواية الدَّالة على البطلان.

*أضف إلى ذلك:* أنَّ كلامه فيمَنْ سبقه الحدث، لا السَّهو.

ومن هنا قال المحقَّق الهمداني (رحمه الله) في المصباح: *(ولا يبعد أن يكون المراد بالسَّهو في هذا المقام ما يقابل العمد، أي الخارج بلا اختيار، لا السَّهو عن كونه في الصَّلاة مع اختياريَّة الحدث...).*

*والخلاصة:* أنَّ صدور الحدث أثناء الصَّلاة سهواً -أي ساهياً عن كونه في الصَّلاة، مع كون الحدث عمداً وباختياره- مبطل للصَّلاة، كالأمر الأوَّل، والدَّليل هو الدليل، والله العالم .

*الأمر الثالث:* المعروف بين الأعلام هو بطلان الصَّلاة فيما لو صدر الحدث أثناء الصَّلاة اضطراراً، وهو ما يعبّر عنه بسبقه الحدث.

وقد عرفت عبارة الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف، ونحوها عبارته في المبسوط، وعبارة السَّيد (رحمه الله) في المصباح، وقد ذكرنا أنَّه لا يظهر منهما المخالفة، فيظهر أنَّ هناك تسالما على البطلان.

وأمَّا ما حُكي عن الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) فسيأتي -إن شاء الله-.

*ويدل على ذلك* أيضاً بعض الرِّوايات:

*منها:* موثَّقة عمَّار عن أبي عبد الله (عليه السلام) *(قال: سُئِل عن الرَّجل يكون في صلاته، فيخرج منه حبّ القرع، كيف يصنع؟ قال: إن كان خرج نظيفاً من العذرة فليس عليه شيء، ولم ينقض وضوءه، وإن خرج متلطخاً بالعذرة فعليه أن يعيد الوضوء، وإن كان في صلاته قطع الصَّلاة وأعاد الوضوء والصَّلاة)([1] )،* وهي واضحة، لأنَّ الخروج مع التلطّخ بالعذرة غير اختياري.

*ومنها:* صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) *(قال: سألتُه عن الرَّجل يكون في صلاة، فيعلم أنَّ ريحاً قد خرجت، فلا يجد ريحها، ولا يسمع صوتها، قال: يعيد الوضوء والصَّلاة، ولا يعتدّ بشيء ممَّا صلَّى إذا علم ذلك تعييناً)([2] )،* ورواها الحميري في قرب الإسناد، ولكنَّها بطريق قرب الإسناد ضعيفة بعبد الله بن الحسن، فإنَّه مهمل.

*ومنها:* موثَّقة أبي بكر الحضرمي عن أبي جعفر (عليه السلام) وأبي عبد الله (عليه السلام) *(أنَّهما كانا يقولان: لا يقطع الصَّلاة إلَّا أربعة: الخلاء والبول والرِّيح والصَّوت)([3] )،* وأبو بكر الحضرمي ممدوح، ومنصور بن يونس الواقع في السَّند ثقة وواقفي.

*ومنها:* رواية أبي الصُّباح الكناني عن أبي عبد الله (عليه السلام) *(قال: سألتُه عن الرَّجل يخفق، وهو في الصَّلاة، فقال: إن كان لا يحفظ حدثاً منه إن كان فعليه الوضوء وإعادة الصَّلاة، وإن كان يستيقن أنَّه لم يحدث فليس عليه وضوء، ولا إعادة)([4] ).*

والظَّاهر منها هو التفصيل بين النوم الغالب فيكون حدثاً، وعدمه فلا يكون.

*وعليه،* فيكون المراد من قوله: *(وإن كان يستيقن...)* هو كونه بحيث يدرك أنَّه لم يكن النوم مستولياً على قلبه ومُذْهِباً لشعوره.

*__________*

 

ولكنَّها ضعيفة لتردد محمَّد بن الفضيل الرَّاوي عن أبي الصَّباح الكناني بين كونه الأزدي الضَّعيف أو النهدي الثقة.

*ومنها:* رواية الحسين بن حمَّاد عن أبي عبد الله (عليه السلام) *(قال: إذا أحسَّ الرَّجل أنَّ بثوبه بللاً وهو يصلِّي، فيأخذ ذَكَره بطرف ثوبه فليمسّه بفخذه، وإن كان بلالاً يعرف فَلْيتوضَّأ وَلْيُعد الصَّلاة، وإن لم يكن بللاً فذلك من الشَّيطان)([5] )،* وهي ضعيفة بعدم وثاقة الحسين بن حمَّاد.

وأمَّا عبد الكريم الرَّاوي عنه فهو الملقَّب بكرام، وهو ثقة.

*ويؤيِّده أيضاً* النصوص الواردة بأنَّ الإمام المحدِث يأمر من يستنيب عنه، مع أنَّه لو جاز الوضوء والبناء على ما تقدَّم لذكر في شيء من تلك النصوص، ضرورة سبق خطوره في الذِّهن بعد فرض مشروعيته.

مع أنَّه لا يوجد من هذا القبيل في تلك النصوص، ففي صحيحة سليمان بن خالد *(قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجل يؤمّ القوم فيحْدِث، ويقدِّم رجلاً قد سبق بركعة، كيف يصنع؟ قال: لا يقدم رجلاً قد سبق بركعة، ولكن يأخذ بيد غيره فيقدِّمه)([6] * وكذا غيرها من النصوص .

*واستدلّ للقول* بالبطلان بروايتين:

*الأُولى:* صحيحة الفضيل بن يسار *(قال: قلتُ لأبي جعفر (عليه السلام): أكون في الصَّلاة، فأجد غمزاً في بطني أو أذى أو ضرباناً، فقال: انصرف، ثمَّ توضّأ، وابنِ على ما مضى من صلاتك، ما لم تنقضّ الصَّلاة بالكلام متعمّداً، وإن تكلّمت ناسياً فلا شيء عليك، فهو بمنزلة من تكلَّم في الصَّلاة ناسياً، قلتُ: وإن قلب وجهه عن القبلة؟ قال: نعم، وإن قلب وجهه عن القبلة)([7] ).*

*وجه الاستدلال* بها -على ما ذكره السَّيد المرتضى (رحمه الله)-: هو أنَّه لو لم يكن الأذى والغمز، ناقضاً للصَّلاة لم يأمره بالانصراف.

والظَّاهر أنَّ مراده أنَّ التعبير بهما كناية عن خروج الحدث بلا اختيار، ولكن سيأتي -إن شاء الله تعالى- الجواب عنها بعد ذكر الرِّواية الثانية.

*وأمَّا الرِّواية الثانية:* فهي رواية أبي سعيد القماط *(قال: سمعتُ رجلاً يسأل أبا عبد الله (عليه السلام) عن رجلٍ وجد غمزاً في بطنه أو أذًى أو عصراً من البول، وهو في صلاة المكتوبة في الرّكعة الأُولى أو الثانية أو الثالثة أو الرّابعة، فقال: إذا أصاب شيئاً من ذلك فلا بأس بأن يخرج لحاجة تلك، فيتوضّأ، ثمَّ ينصرف إلى مصلّاه الذي كان يصلِّي فيه، فيبني على صلاته من الموضع الذي خرج منه لحاجته ما لم تنقض الصَّلاة بالكلام، قال: قلتُ: وإنِ التفت يميناً أو شمالاً أو ولّى عن القبلة، قال: نعم، كلّ ذلك واسع إنَّما هو بمنزلة رجل ٍسها فانصرف في ركعة أو ركعتين أو ثلاثة من المكتوبة فإنَّما عليه أن يبني على صلاته، ثمَّ ذكر سهو النّبيّ (صلى الله عليه وآله))[8] ،* وهي ضعيفة بجهالة موسى بن عمر بن يزيد، وبابن سنان، فإنَّ الظَّاهر أنَّه محمَّد الضّعيف، وأمَّا أبو سعيد القمّاط فهو كنية لاثنين، خالد بن سعيد الثقة، وصالح بن سعيد المهمل، وذكر بعض الفقهاء أنَّه ينصرف إلى الأوَّل الثقة.

*وفيه:* ما لا يخفى.

*__________*

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo