< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/06/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: القواطع(١٤).

الكلام في البكاء للآخرة

 

ومنها: موثقة منصور بن يونس بزرج: «أنه سأل الصّادق (عليه السلام) عن الرّجل يتباكى في الصّلاة المفروضة حتى يبكي، فقال: قرّة عين والله، وقال: إذا كان ذلك فاذكرني عنده»( [1] ).

ومنها: رواية سعد بيّاع السّابري «قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام) أيتباكى الرّجل في الصّلاة؟ فقال: بخٍ بخٍ، ولو مثل رأس الذباب»( [2] )، وهذه الرّواية ضعيفة بجهالة سعد بيّاع السّابري، وعدم وثاقة معلّى بن محمّد.

وفي جملة من الرّوايات الحثّ على البكاء حال الدّعاء، كرواية عليّ بن أبي حمزة، «قال: قال أبو عبد الله (عليه السلام) لأبي بصير: إن خفت أمراً يكون، أو حاجة تريدها، فابدأ بالله فمجده، وأثنِِ عليه كما هو أهله، وصلِّ على النّبيّ (صلى الله عليه وآله)، وسل حاجتك، وتباكى ولو مثل رأس الذباب، إنَّ أبي كان يقول: إنَّ أقرب ما يكون العبد من الربِّ - عزّ وجلّ- وهو ساجدٌ باكٍ»( [3] )، وهذه الرّواية ضعيفة بعليّ بن أبي حمزة البطائني، وكذا غيرها من الرّوايات الكثيرة.

    

قال الشَّهيد الأوَّل (قدِّس سرُّه) في الدّروس: (والفعل الكثير عادةً، لا القليل كقتل الحيّة).

المعروف بين الأعلام (رحمهم الله) أنّ الفعل الكثير الذي ليس من الصّلاة مبطل لها، بخلاف القليل.

قال في الجواهر: «بلا بخلاف في الحكمين كما في التذكرة، بل في المعتبر: على الأوّل منهما العلماء»([4] ).

وقال العلّامة (رحمه الله) في المنتهى: «ويجب عليه ترك الفعل الكثير الخارج عن أفعال الصّلاة، فلو فعله عامداً بطلت صلاته، وهو قول أهل العلم كافّة؛ لأنّه يخرج به عن كونه مصلِّيا، والقليل لا يبطل الصّلاة بالإجماع - إلى أن قال:- ولم يحدّ الشّارع القلَّة والكثرة، فالمرجع في ذلك إلى العادة، وكلّ ما ثبت أنّ النّبيّ (صلَّى اللَّه عليه وآله) والأئمّة (عليهم السّلام) فعلوه في الصّلاة، أو أمروا به، فهو من حيّز القليل، كقتل البرغوث والحيّة والعقرب، وكما روى الجمهور عن النّبيّ (صلَّى اللَّه عليه وآله): أنّه كان يحمل "أمامة بنت أبي العاص" ، فكان إذا سجد وضعها، وإذا قام رفعها»( [5] ).

وقال المحقّق الكركي (رحمه الله) في جامع المقاصد: «لا خلاف بين علماء الإسلام في تحريم الفعل الكثير في الصّلاة، وإبطالها به إذا وقع عمداً، بخلاف القليل، كلُبْس العمامة، وقتل الحيّة والعقرب»([6] ).

وعليه، فيظهر من كلمات الأعلام انعقاد إجماعهم على إناطة الحكم بنفس هذين العنوانين -أي: البطلان بالكثير وعدم البطلان بالقليل-.

ومن هنا ذكر الأعلام أنّه يُرجع إلى العرف والعادة في تشخيص موضوعهما.

قال ابن إدريس (رحمه الله) في السرائر: «وَحَدُّه -أي: الفعل الكثير المبطل للصّلاة- ما يسمّى في العادة كثيراً، بخلاف العمل القليل، فإنّ شيخنا أبا جعفر الطوسي (رضي الله عنه) حدّ العمل القليل في المبسوط، فقال: وَحَدُّه ما لا يسمّى في العادة كثيراً، فيجب أن يكون حدّ الكثير بخلاف حدّ القليل، وهو ما يسمّى في العادة كثيراً، مثل الأكل والشّرب واللُبس، وغير ذلك، ممّا إذا فعله الإنسان لا يسمّى مصليّاً، بل يسمّى آكلاً وشارباً، ولا يسمّى فاعله في العادة مصليّاً»([7] ).

وقال العلّامة (رحمه الله) في التذكرة: «اختلف الفقهاء في حدّ الكثرة، فالذي عوَّل عليه علماؤنا البناء على العادة، فما يسمّى في العادة كثيراً فهو كثير، وإلَّا فلا، لأنّ عادة الشّرع ردّ الناس فيما لم ينصّ عليه إلى عرفهم، وبه قال بعض الشافعية؛ وقال بعضهم: القليل ما لا يسع زمانه لفعل ركعة من الصّلاة، والكثير ما يسع؛ وقال بعضهم: ما لا يحتاج إلى فعل اليدين معاً -كرفع العمامة وحلِّ الإزار- فهو قليل، وما يحتاج إليهما معاً - كتكوير العمامة وعقل السّراويل- فهو كثير؛ وقال بعضهم: القليل ما لا يظنّ النّاظر إلى فاعله أنّه ليس في الصّلاة، والكثير ما يظن به النّاظر إلى فاعله الإعراض عن الصّلاة»([8] )، وكذا غيرهما من الأعلام.

ويظهر من بعض الأعلام أنّه علّل البطلان بخروج المصلّي بالفعل الكثير عن كونه مصلياً،و بعضهم علّل البطلان بمحو صورة الصلاة.

أقول: السرّ في اختلاف الأعلام في جعل ما هو المناط للبطلان، وفي اضطرابهم كثيراً في تحديد القلّة والكثرة، هو أنّ النصوص خالية عن ذلك، إذْ لا يوجد فيها ما يدلّ على بطلان الصّلاة بالفعل الكثير.

نعمِ، انعقد إجماعهم على البطلان بالفعل الكثير وعدم البطلان بالقليل، وبما أنّه لا اعتداد بهذا الإجماع لعدم حجيته، فلا يصحّ جعل المناط في الحكم صدق مفهوم الكثرة، على وجه يستكشف منه كون هذه القاعدة بهذه العبارة -أي الكثير مبطل والقليل غير مبطل- متلقّاة من الشّرع، بحيث يصحّ أن يعامل معها معاملة ما لو وقعت هذه الكلمة في متن رواية معتبرة، من الرجوع في تشخيص مصاديقها إلى العرف.

ومما ذكرنا يتضح لك: عدم صحّة ما ذكره صاحب الجواهر (رحمه الله) حيث قال: «ثم ّإنّه لا يخفى عليك الاكتفاء في الرّجوع في مسمّى الكثرة إلى العرف والعادة بوقوعه في معاقد الإجماعات مثلاً، من غير حاجة إلى نصّ بالخصوص»[9] ).

والإنصاف أن يقال: إنّ البطلان بالفعل الكثير ليس من حيث إنّه فعل كثير، بل البطلان لأجل إخلاله بالموالاة بين الأجزاء، أو لأجل انمحاء صورة الصّلاة، بحيث يصحّ سلب اسم الصّلاة عنها مطلقاً في سائر الأحوال، ولا يخفى أنّ النسبة بين الفعل الكثير ومحو صورة الصّلاة عموم وخصوص من وجه، إذْ ليس كل ماحٍ لاسم الصّلاة كثيراً، فربَّ قليلٍ -كالوثبة- يمحو ويكون البطلان به للمحو، كما أنّه ليس كلّ كثيرٍ ماحياً، فربَّ كثيرٍ ليس بماحٍ ولا تفوت به المولاة، وقد يجتمعان كثيراً.

وعليه، فالمناط في البطلان هو ما ذكرناه، فلوِ اشتغل حال القراءة من أوّلها إلى آخرها ببعض الأفعال غير المضادة لها، كحياكة ثوب، أو خياطته على وجه لا يختلّ به شيء من شرائط الصّلاة من الاستقبال والاستقرار والموالاة –أي الهيئة الاتصاليّة المعتبرة في الصّلاة- فلا موجب حينئذٍ لبطلان الصلاة.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo