< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/10/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المكاسب المحرَّمة(10)

وأمَّا ما ذهب إليه الكاشاني صاحب الوافي (رحمه الله) منِ اختصاص حرمة الغناء، وما يتعلق به من الأجر والتعليم والاستماع والبيع والشِّراء، بما كان على النَّحو المتعارف في زمن بني أميَّة وبني العبَّاس من دخول الرِّجال عليهم، وتكلمهنّ بالأباطيل، ولعبهن الملاهي من العيدان والقصب وغيرها، دون ما سوى ذلك من أنواعه.

أي إنَّ الغناء المحرَّم عنده هو ما اشتمل على محرَّم من خارج، مثل اللعب بآلات اللهو، ودخول الرِّجال والكلام بالباطل.

فقد يستدلّ له بببعض الرّوايات:

منها: مرسلة الفقيه المتقدِّمة (قال: سأل رجل عليّ بن الحسين (عليه السلام) عن شراء جارية لها صوت، فقال: ما عليك لو اشتريتها فذكَّرتك الجنَّة؛ يعني: بقراءة القرآن والزُّهد والفضائل التي ليست بغناء، فأمَّا الغناء فمحظور)(1).

وفيها أوَّلاً: ما تقدَّم من أنَّها ضعيفة بالإرسال.

وثانياً: لم يفرض في المرسلة أنَّ الجارية مغنيَّة، وإنَّما الموجود فيها (لها صوت)، وهذا عنوان آخر قد يجتمع مع الغناء، وقد لا يجتمع.

وأمَّا قوله في ذيل الرِّواية (فأمَّا الغناء فمحظور)، فقد ذكرنا سابقاً أنَّ هذا الكلام، إن لم يكن من كلام الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله)، فلا أقلّ أنَّه لم يعلم من المعصوم (عليه السلام).

ثمَّ لو فرض أنَّه من المعصوم (عليه السلام) إلَّا أنَّ غايته أنَّه يدلّ على أنَّ الصَّوت له فردان: أحدهما غناء، والآخر ليس بغناء؛ والمحرم هو الغناء.

ومنها: رواية قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جدِّه عليِّ بن جعفر عن أخيه (عليه السلام) (قال: سألتُه عن الغناء، هل يصلح في الفطر والأضحى والفرح، قال: لا بأس به ما لم يعصَ به)(2)، أي: ما لم يصر الغناء سبباً للمعصية، ولا مقدّمةً للمعاصي المقارنة له.

ولم يستبعد في الكافية -أي السّبزواري (رحمه الله)- إلحاق هذه الرِّواية بالصِّحاح.

وفيه -ما ذكرناه في أكثر من مناسبة-: أنَّ روايات قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن جدِّه عليِّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام)، كلّها ضعيفة، لأنَّ عبد الله بن الحسن مهمل.

ولا ندري ما هو السَّبب الذي من أجله جعلها السّبزواري (رحمه الله) ملحقةً بالصِّحاح.

نعم، هذه الرِّواية موجودة في كتاب عليّ بن جعفر، وصاحب الوسائل (رحمه الله) له طريق معتبر إليه، قد صحّحناه سابقاً.

وعليه، فتكون الرواية صحيحةً.

ولكن الموجود في كتاب عليّ بن جعفر بدل (ما لم يعصَ به): (ما لم يزمّر به)، أي ما لم يلعب معه بالمزمار.

وبذلك تكون دليلاً للكاشاني.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّه لا يتعيَّن هذا المعنى من الرِّواية، بل هو بعيد عن ظاهرها، وإلَّا لكان الإنسب أن يقول: ما لم يقترن الغناء بالمزمار.

ومن هنا نقول: إنَّ المراد بقوله (ما لم يزمّر به)، أي ما لم يكن الصَّوت مزماريّاً، باعتبار أنَّ الصَّوت قد يكون مزماريّاً ولحناً يوجب الرَّقص، فيصدق عليه الغناء الحقيقي، وقد لا يكون كذلك، فلا يكون غناءً حقيقيّاً، فإذا لم يكن كذلك فلا بأس به.

وأما إذا كان كذلك ففيه بأس، أي حرام، فهي على خلاف مطلوبه أدلّ.

ثمَّ إنَّه لو لم يتعيّن هذا المعنى، ودار أمرها بين المعنى الأوَّل، أو الثاني، فتصبح مجملةً.

ومنها: الرِّوايات الدَّالة على مدح الصَّوت الحسن، وأنَّه يستحبّ قراءة القرآن الكريم بالصَّوت الحسن، وبألحان العرب:

منها: رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): اِقرؤوا القرآن بألحان العرب وأصواتها، وإياكم ولحون أهل الفسق وأهل الكبائر...)(3)، ولكنَّها ضعيفة بإبراهيم الأحمر، وعدم وثاقة عبد الله بن حمَّاد.

ولكنَّه ممدوح لقول النّجاشي: (إنَّه من شيوخ أصحابنا).

نعم، لو كان شيخاً للنَّجاشي وأستاذه لكان ثقة، لِما ذكرناه سابقاً أنَّ أساتذته ثقات.

ومنها: رواية عليّ بن محمَّد النوفلي عن أبي الحسن (عليه السلام) (قال: ذكرتُ الصَّوت عنده، فقال: إنَّ عليّ بن الحسين (عليه السلام) كان يقرأ، فربّما مرّ به المارّ فصُعِق من حسن صوته...)(4)، وهي ضعيفة أيضاً بسهل بن زياد، ومحمَّد بن الحسن بن شمون، وبجهالة عليّ بن محمَد النوفلي.

_________

(1) الوسائل باب16 من أبواب ما يكتسب به ح2.

(2) الوسائل باب15 من أبواب ما يكتسب به ح5.

(3و4) الوسائل باب24 من أبواب قراءة القرآن ح1و2.

 

ومنها: رواية عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: قال النَّبي (صلى الله عليه وآله): لكلّ شيء حلية، وحلية القرآن الصَّوت الحسن)(1)، وهي ضعيفة بعدم وثاقة عليّ بن مَعْبد، وبجهالة عبد الله بن القاسم، أو بإهماله.

ومنها: مرسلة علي بن عقبة عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) (قال: كان عليّ بن الحسين (عليه السلام) أحسن النَّاس صوتاً بالقرآن، وكان السقَّاؤون يمرّون قيقفون ببابه يستمعون قراءته)(2)، وهي ضعيفة بسهل بن زياد، وبالإرسال.

ومنها: رواية أبي بصير (قال: قلتُ لأبي جعفر (عليه السلام): إذا قرأتُ القرآن فرفعتُ به صوتي جاءني الشَّيطان، فقال: إنَّما ترائي بهذا أهلك والنَّاس، فقال: يا أبا محمَّد! إقرأ قراءة ما بين القراءتين، تسمع أهلك، ورجّع بالقرآن صوتك، فإنَّ الله عزَّوجل يحبّ الصّوت الحسن يُرجّع فيه ترجيعاً)(3)، وهي ضعيفة أيضاً بعليّ بن أبي حمزة، وكذا غيرها من الرِّوايات، ولكن كلّها ضعيفة السَّند.

ووجه الاستدلال بهذه الرِّوايات هو دلالتها على جواز الغناء، بل استحبابه في القرآن الكريم.

_____

(1)و(2)و(3) الوسائل باب24 من أبواب قراءة القرآن ح3و4و5.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo