< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/11/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المعاملات/ المكاسب المحرَّمة

الرِّواية الثانية: رواية المفضل بن عمر الجعفي (قَالَ:كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام، فَأُلْقِيَ بَيْنَ يَدَيْهِ دَرَاهِمُ، فَأَلْقَى إِلَيَّ دِرْهَماً مِنْهَا، فَقَالَ: أَيْشٍ هَذَا؟ فَقُلْتُ: سَتُّوقٌ، فَقَالَ: وَمَا السَّتُّوقُ؟ فَقُلْتُ: طَبَقَتَيْنِ فِضَّةً، وَطَبَقَةً مِنْ نُحَاسٍ، وَطَبَقَةً مِنْ فِضَّةٍ، فَقَالَ: اكْسِرْهَا، فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ بَيْعُ هَذَا، وَلَا إِنْفَاقُهُ)(2).

والاستدلال في هذه الرِّواية كالاستدلال في الرِّواية السَّابقة، فيكون النَّهي إرشاداً إلى بطلان المعاملة، ولكنَّها ضعيفة بجهالة عليّ بن الحسن الصَّيرفي.

قوله: (وتدليسِ الماشطة بتزيين الخدِّ، وتحميره، والنقش في اليد والرِّجْل، قاله ابن إدريس، وَوَصْل شعرِها بشَعْرِ غير)

التدليس في اللغة، -كما عن القاموس-: (كِتْمان عيبِ السِّلعة عن المشتري...).

والمراد منه هنا: ما إذا أرادت الماشطة تزويج امرأة برجل، ومثله بيعُ أَمَةٍ، بأنْ تستر عيوبها، وتُظهِر لها محاسنَ ليست فيها، كتحمير وجهها، ووصل شعرها، ونحو ذلك، ممَّا يوجب رغبة الزَّوج في تزويجها، أو المالك في شرائها.

ثمَّ إنَّ ذِكْر الماشطة في كلام الأعلام إنَّما خرج مخرج التمثيل، وإلَّا فلو فعلت المرأة بنفسها ذلك للغرض المذكور، فالظَّاهر أنَّ الحكم فيها كما في الماشطة الذي ستعرفه -إنْ شاء الله تعالى-.

ثمَّ إنَّ المشهور بين الأعلام حرمة التدليس، بل عن الرياض: بلا خلاف، وعن مجمع الفائدة: الإجماع عليه، وفي الجواهر: (بلا خلاف أجده، كما عن بعضهم الاعتراف به، بل عن آخر الإجماع عليه، وهو الحجة، مضافاً إلى نصوص الغِشِّ...).

وقال في السَّرائر -في عِداد المحرَّمات-: (وعمل المواشط بالتدليس، بأنْ يشمن الخدود، ويحمِّرنها، وينقشن الإيدي والأرجل، ويصلن شعر النِّساء بشعر غيرهن، وما جرى مجرى ذلك).

أقول: قدِ استُدل لحرمة التدليس بدليلين:

الأوَّل: الإجماع المنقول بخبر الواحد ليس بحجَّة، كما ذكرنا في أكثر من مناسبة.

ولكنَّ الذي يهوِن الخطب: أنَّ المسألة متَّفق عليها بين الأعلام، وتسالموا على الحرمة قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار، بحيث خرجت عن الإجماع المصطلح عليه.

الدَّليل الثاني: الرِّوايات الدالَّة على حرمة الغشّ، وقد تقدَّمت، باعتبار أنَّ التدليس غِشّ.

ومن هنا، ينسحب الحكم في فِعْل المرأة ذلك بنفسها، فيحرم عليها ذلك.

وأمَّا لو انتفى التدليس، كما لو كانت مزوَّجة، ففعلت الزَّوجة بنفسها ذلك، أو فعلت الماشطة لها، بقصد إظهار الزِّينة لزوجها، فلا دليل على الحرمة، كما يستفاد ذلك من بعض الرِّوايات:

منها: صحيحة محمَّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (قَالَ: لَمَّا هَاجَرَتِ النِّسَاءُ إِلى رَسُولِ اللهِ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم)، هَاجَرَتْ فِيهِنَّ امْرَأَةٌ، يُقَالُ لَهَا: أُمُّ حَبِيبٍ، وَكَانَتْ خَافِضَةً تَخْفِضُ الْجَوَارِيَ، فَلَمَّا رَآهَا‌ رَسُولُ اللهِ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم)، قَالَ لَهَا: يَا أُمَّ حَبِيبٍ! الْعَمَلُ الَّذِي كَانَ فِي يَدِكِ هُوَ فِي يَدِكِ الْيَوْمَ؟ قَالَتْ: نَعَمْ -يَا رَسُولَ اللهِ!- إِلاَّ أَنْ يَكُونَ حَرَاماً فَتَنْهَانِي عَنْهُ، فَقَالَ: لَا، بَلْ حَلَالٌ، فَادْنِي مِنِّي حَتّى أُعَلِّمَكِ، قَالَتْ: فَدَنَوْتُ مِنْهُ، فَقَالَ: يَا أُمَّ حَبِيبٍ! إِذَا أَنْتِ فَعَلْتِ فَلَا تَنْهَكِي -أَيْ: لَا تَسْتَأْصِلِي- وَأَشِمِّي؛ فَإِنَّهُ أَشْرَقُ لِلْوَجْهِ، وَأَحْظى عِنْدَ الزَّوْجِ، قَالَ: وَكَانَ لِأُمِّ حَبِيبٍ أُخْتٌ، يُقَالُ لَهَا: أُمُّ عَطِيَّةَ، وَكَانَتْ مُقَيِّنَةً -يَعْنِي: مَاشِطَةً- فَلَمَّا انْصَرَفَتْ أُمُّ حَبِيبٍ إِلى أُخْتِهَا أَخْبَرَتْهَا بِمَا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم)، فَأَقْبَلَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ إِلَى النَّبِيِّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم)، فَأَخْبَرَتْهُ بِمَا قَالَتْ لَهَا أُخْتُهَا، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم): ادْنِي مِنِّي يَا أُمَّ عَطِيَّةَ، إِذَا أَنْتِ قَيَّنْتِ الْجَارِيَةَ، فَلَا تَغْسِلِي وَجْهَهَا بِالْخِرْقَةِ؛ فَإِنَّ الْخِرْقَةَ تَشْرَبُ مَاءَ الْوَجْهِ)(3).

ويستفاد من هذه الصَّحيحة حِليَّة فعْل الماشطة في حدِّ نفسه، وحليَّة أجرها.

ومنها: مرسلة ابن أبي عمير عن رجل عن أبي عبد الله عليه السلام (قَالَ : « دَخَلَتْ مَاشِطَةٌ عَلى رَسُولِ اللهِ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم)، فَقَالَ لَهَا: هَلْ تَرَكْتِ عَمَلَكِ، أَوْ أَقَمْتِ عَلَيْهِ؟ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَا أَعْمَلُهُ، إِلاَّ أَنْ تَنْهَانِي عَنْهُ، فَأَنْتَهِيَ عَنْهُ، فَقَالَ: افْعَلِي، فَإِذَا مَشَطْتِ فَلَا تَجْلِي (تحكي يب) الْوَجْهَ بِالْخِرَقِ؛ فَإِنَّهُ يَذْهَبُ بِمَاءِ الْوَجْهِ، وَلَا تَصِلِي الشَّعْرَ بِالشَّعْرِ)(4)، وهي، وإن كانت دالَّةً على جواز فعل الماشطة، وحليَّة أَخْذ الأجرة عليه، إلَّا أنَّها ضعيفة بالإرسال، وجهالة علي بن أحمد بن أشيم.

وفيها النَّهي عن وصل الشَّعر بالشَّعر.

وهناك جملة من الرِّوايات دلَّت على حليَّة فعل الماشطة، وعلى النَّهي عن وَصْل الشَّعر بالشَّعر، والكلام في النَّهي عن وَصْل الشَّعر بالشَّعر إنَّما هو في غير حالة التدليس.

وأمَّا إذا كان ذلك للتدليس -أي فعلت ذلك لأجل تزويج امرأة أو بيع أَمَة- فلا إشكال في عدم الجواز، كما عرفت سابقاً.

إذا عرفت ذلك، فنقول: إنَّ من جملة الرِّوايات النَّاهية عن وَصْل الشَّعر بالشَّعر مضمرة عليّ (قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ تَمْشُطُ الْعَرَائِسَ، لَيْسَ لَهَا مَعِيشَةٌ غَيْرُ ذَلِكَ، وَقَدْ دَخَلَهَا ضِيقٌ، قَالَ: لَا بَأْسَ، وَلَكِنْ لَا تَصِلُ الشَّعْرَ بِالشَّعْرِ)(5)، ولكنَّها ضعيفة بالإضمار وبجهالة القاسم بن محمَّد.

والظَّاهر: أنَّ المراد من (عليٍّ) في الرِّواية هو ابن البطائني الضَّعيف.

ومنها: مضمرة عبد الله بن الحسن (قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الْقَرَامِلِ، قَالَ: وَمَا الْقَرَامِلُ؟ قُلْتُ: صُوفٌ تَجْعَلُهُ النِّسَاءُ فِي رُءُوسِهِنَّ، قَالَ: إِنْ كَانَ صُوفاً فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ شَعْراً فَلَا خَيْرَ فِيهِ، مِنَ الْوَاصِلَةِ وَالْمُوصَلَةِ)(6)، وهي ضعيفة بالإضمار، وبجهالة يحيى بن مهران، وعبد الله بن الحسن، فإنَّه مهمل.

_____

(1) الوسائل باب16 من أبواب ما يكتسب به ح5.

(2) الوسائل باب10 من أبواب الصرف ح5.

(3) ذيل الصَّحيحة في الوسائل باب19 من أبواب ما يكتسب به ح1.

(4) الوسائل باب19 من أبواب ما يكتسب به ح2.

(5و6) الوسائل باب19 من أبواب ما يكتسب به ح4و5

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo