< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

39/12/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة الجمعة وآدابها(30)

وأمَّا الأمر الثاني -وهو انتهاء وقت صلاة الجمعة- ففيه خمسة أقوال:

الأوَّل: ما هو المشهور بين المتأخِّرين، أنَّه يمتد إلى أن يصير ظلُّ كلِّ شيءٍ مثلُه، بل قال العلَّامة ¬ في المنتهى: ©أنَّه مذهب علمائنا أجمع ®، وفي الجواهر: ©هو خِيرة الأكثر، بل حكى غير واحد عليه الشُّهرة، بل في المعتبر أنَّه مذهب أكثر أهل العلم...®.

الثاني: ما عن ابن إدريس ¬ من أنَّه يمتد وقتها بامتداد وقت الظُّهر، أي إلى ما قبل الغروب بمقدار أربع ركعات، واختاره المصنف ¬ هنا، أي في الدروس، والبيان.

والثالث: ما حُكي عن أبي الصَّلاح ¬، من أنَّه إذا مضى مقدار الأذان والخطبة وركعتي الفريضة فقد فاتت، ولزم أداؤها ظُهراً، وحكي ذلك أيضاً عن السّيد بن زهرة ¬.

الرَّابع: ما حكاه المصنِّف ¬ في الذِّكرى عن الجعفي، من أنَّ وقتها ساعةً من النَّهار، أي ساعةً من الزَّوال.

الخامس: ما عن المجلسين وصاحب الحدائق (رحمهم الله)، من أنَّ وقتها من الزَّوال إلى أن يبلغ الظّلّ الحادث قدمَيْن.

إذا عرفت ذلك، فنقول:

أمَّا القول الأوَّل: فقد قال المصنِّف ¬ في الذِّكرى: ©ولم نقف لهم - أي لأصحاب هذا القول- على حجَّة، إلَّا أنَّ النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) كان يصلِّي دائماً في هذا الوقت، ولا دلالة فيه، لأنَّ الوقت الذي كان يصلِّي فيه ينقص عن هذا القدر غالباً، ولم يقل أحد بالتوقيت بذلك الناقص؛ نعم، لو قيل: باختصاص الظُّهر بذلك القدر -كما هو مذهب العامَّة- توجَّه توقيت الجمعة به، لأنها بدل منها®.

وقد يستدلّ لهذا القول: بالرِّوايات الدَّالة على أنَّه ليس للجمعة إلَّا وقت واحد حين تزول الشَّمس.

وهذا بخلاف وقت الظُّهر من سائر الإيام، فإنَّ له وقتين:

أحدهما: إلى صيرورة الظل مثلاً. وثانيهما: هو بعد صيرورة الظِّلّ مثلاً، فهذا الوقت الثاني غير مجعول للجمعة.

ومن هنا كان وقت الجمعة أضيق.

__________

(1) و(2) و(3) الوسائل باب8 من أبواب صلاة الجمعة آدابها ح4و5و16.

(4) الوسائل باب11 من أبواب صلاة الجمعة آدابها ح16

 

ولكنَّ الإِنصاف: أنَّه لا ظهور في الرِّوايات في هذا المعنى، إذ يحتمل أن يكون المراد بالوقت الواحد المجعول لها هو أوَّل الوقت، أي عند زوال الشَّمس، وهذا المعنى أوفق بظاهر تلك الرِّوايات.

وأمَّا القول الثالث المحكي عن أبي الصَّلاح والسيد ابن زهرة (رحمهما الله)، فقد يستدلّ له بجملةٍ من الرِّوايات:

منها: صحيحة زرارة المتقدِّمة ©قال: سمعتُ أبا جعفر ’ يقول: إنَّ من الأمور أموراً مضيَّقة ، وأموراً موسَّعة، وإنَّ الوقت وقتان، والصَّلاة ممَّا فيه السِّعة، فربّما عجَّل رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وربما أخَّر، إلَّا صلاة الجمعة، فإنَّ صلاة الجمعة من الأمور المضيق إنَّما لها وقت واحد حين تزول الشَّمس...®(1).

ومنها: رواية محمَّد بن أبي عمير المتقدِّمة أيضاً ©قال: سألتُ أبا عبد الله ’ عن الصَّلاة يوم الجمعة، فقال: نزل بها جبرئيل مضيَّقة، إذا زالت الشمس فصلِّها،

قال: إذا زالتِ الشَّمس صلَّيت ركعتَيْن، فقال أبو عبد الله ’: أمَّا أنا فإذا زالتِ الشَّمس لم أبدأ بشيءٍ قبل المكتوبة®(2)، ولكنَّها ضعيفة بعدم وثاقة القاسم بن عروة.

ومنها: حسنة عبد الأعلى بن أعين عن أبي عبد الله ’ -في حديث - ©قال: إنَّ من الأشياء

 

أشياء مضيَّقة ليس تجري إلَّا على وجه واحد، منها وقت الجمعة ليس لوقتها إلَّا وقت واحد حين تزول الشَّمس®(3)، وإنَّما كانت حسنةً بعبد الأعلى بن أعين، فإنَّه ممدوح مدحاً معتدًّا به.

ومنها: صحيحة ربعي بن عبد الله والفضيل بن يسار جميعاً عن أبي جعفر ’ ©قال: إنَّ من الأشياء أشياءَ موسَّعةً، وأشياءَ مضيَّقةً، فالصَّلاة ممَّا وُسِّع فيه، تُقدِّم مرةً، وتُؤخَّر أخرى، والجمعة ممَّا ضُيِّق فيها، فإنَّ وقتها يوم الجمعة ساعة تزول، ووقت العصر فهيا وقت الظُّهر في غيرها®(4)، فإنَّ قوله ’ : ©ساعة تزول®، أي حين تزول، وليس المراد ساعة بعد الزَّوال.

وظاهر هذه الرِّوايات أنَّ صلاة الجمعة من الأمور المضيَّقة، وليس المراد التضييق الحقيقي، بل المراد التضييق العرفي، بحيث يسع الوقت للأذان والخطبتين والصَّلاة، مع مستحبَّات هذه الأمور.

وهذا القول الثالث لو لم يكن هو الأقوى، فلا أقلَّ أنَّه الأحوط.

وأمَّا القول الرابع المنسوب إلى الجعفي، فقد يستدلّ له بروايتَين:

الأولى: مرسلة الصَّدوق في الفقيه ©قال: وقال أبو جعفر ’: أوَّل وقت الجمعة ساعة تزول الشمس إلى أن تمضي ساعة، فحافظ عليها، فإنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا يسأل الله عبد فيها خيراً إلَّا أعطاه®(5)، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.

الثانية: مرسلة الشَّيخ ¬ في المصباح عن حريز عن زرارة عن أبي جعفر ’ ©قال: أوَّل وقت الجمعة ساعة تزول الشَّمس إلى أن تمضي ساعة تحافظ عليها، فإنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: لا يسأل الله عزَّوجل فيها عبد خيراً إلَّا أعطاه الله®(6)، وهي أيضاً ضعيفة بالإرسال.

___________

(1) و(2) و(3) و(4) الوسائل باب8 من أبواب صلاة الجمعة آدابها ح3و16و21و1.

(4) و(5) الوسائل باب8 من أبواب صلاة الجمعة آدابها ح13و19.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّه مع قطع النَّظر عن ضعف السَّند، فإنَّها هاتين الرّوايتين لا تنافيان الرِّوايات المتقدّمة المستدلّ بها على القول الثالث، لأنَّ المراد من السَّاعة هي السَّاعة العرفيَّة.

والمقصود بالتضييق في الرِّوايات المتقدّمة هو التضييق العرفي غير المنافي للسَّاعة العرفيَّة.

ومن هنا يمكن القول بإرجاع هذا القول المنسوب إلى الجعفي إلى القول الثالث المنسوب إلى أبي صلاح والسَّيد بن زهرة (رحمهما الله).

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo