< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/01/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة الجمعة وآدابها(40)*

أقول: أمَّا ما ذكره من أنَّ الأمر بالشَّيء يقتضي النَّهي عن ضدِّه.

فيرد عليه: ما حرّرناه في علم الأصول من أنَّ الأمر بالشَّيء لا يقتضي النَّهي عن ضدِّه الخاصّ، فراجع ما ذكرناه.

نعم، ما ذكره من حَمْل البيع على المعاوضة المطلقة قريب إلى الواقع، وقد عرفت أنَّ المراد بالبيع المحرَّم هو المفوِّت للسَّعي، لا مطلق البيع وإن لم يكن مفوِّتاً.

وعليه، فيتعدَّى إلى كلّ مفوِّت.

ويشهد لذلك: سَوْق الآية الشَّريفة، بأنَّ النَّهي عن البيع إنَّما هو بلحاظ أنَّه يلهيهم عن السَّعي إلى الجمعة، لا من حيث هو تعبُّداً.

وأمَّا تخصيص البيع بالذِّكر، مع عدم انحصار المفوِّت به، لعلَّه لتعارف سببيّته لترك السّعي، أو أنَّ الغالب في المعاملات هو البيع والشَّراء، بل اقتصاد العالم اليوم مبني على البيع والشّراء، والله العالم.

قوله: (ولا يحرم غيره، ولو عقد معه كره في حقِّه عند الشَّيخ، والأقرب التحريم)

لو كان المتعاقدان ممَّن لا يجب عليهما السَّعي جاز البيع بالاتِّفاق، إذ لا موجب لمنعه.

وأمَّا إذا كان أحد المتعاقدين ممَّن لا يجب عليه السَّعي، والآخر يجب عليه، فالمعروف بينهم أنَّ البيع جائز بالنسبة إليه، وحرام بالنسبة إلى الآخر.

قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: (وقال الشَّيخ : ويُكره للأوَّل -أي إذا كان أحد المتبايعين ممَّن لا يخاطب السَّعي- لأنَّه إعانة على فِعْل محرم؛ قال الفاضل: التعليل يقتضي التحريم، لِقوله تعالى: {ولا تعانوا على الإثم والعدوان}، ثمَّ قوَّى عليه أيضاً، وهو قويّ).

بل جزم بالتحريم صاحب المدارك، لأنَّه معاونة على المحرم.

والإنصاف: أنَّه لا دليل على التحريم.

أمَّا أوَّلاً: فلأنَّ حرمة الإعانة على الإثم دليلها الإجماع المنقول بخبر الواحد؛ وقد عرفت أنَّه غير حجَّة.

وأمَّا الآية الشَّريفة، فهي تدلّ على حرمة التعاون على الإثم، بأن يكون كلّ منهم أو منهم -إذا كانوا أكثر من اثنين- مشتركاً في الإثم.

ولا تدلّ على حرمة الإعانة، كما لو كان الذي يفعل الحرام أحدهما، والآخر لا يفعله، وإنَّما يعينه بأن يناوله حجراً أو سكيناً أو ما أشبه ذلك.

وثانياً: أنَّه لا تصدق هنا الإعانة على الإثم عرفاً، خصوصاً بالنسبة إلى الأشخاص الذين يتركون الجمعة على كلّ حال.

والخلاصة: أنَّه لا دليل قويّ على حرمة الإعانة.

نعم، لو صدقت الإعانة على الإثم لكان مقتضى الاحتياط هو الترك، والله العالم.

 

قوله: (وكذا ما يشبه البيع من العقود)

قد تقدَّم الكلام عنه، وقلنا: إنَّه يحرم كلُّ مفوِّت، فيشمل العقود وغيرها، فراجع.

 

قوله: (والأقرب: انعقادها)

قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: (لو فعل البيع، هل ينعقد فيه؟ قولان: أحدهما -وهو الأقوى-: انعقادها، ونقله الشَّيخ عن بعض الأصحاب، وبه قال المتأخرون؛ والثاني: البطلان، وبه قال الشَّيخ، ومبنى المسألة على أنَّ النَّهي غير العبادة، هل هو مُفسِد أم لا؟ وقد تقرَّر في الأصول أنَّه غير مُفسِد)، وكذا ذكر أغلب الأعلام.

وقال صاحب الحدائق (رحمه الله): (لا يخفى أنَّ القاعدة التي بنوا عليها الكلام في المقام -من أنَّ النهي في غير العبادات لا يقتضي الفساد- وإنِ اشتهرت وتكرّرت في كلامهم، وتداولها رؤوس أقلامهم، إلَّا أنّا نرى كثيراً من عقود المعاملات قد حكموا ببطلانها من حيث النَّهي الوارد عنها في الرِّوايات؛ ومَنْ تتبع كتاب البيع وكتاب النِّكاح عثر على كثير منها، وذلك كبيع الخمر والخنزير والعَذِرة وبيع الغرر، ونحو ذلك، والعقد على أُخت الزَّوجة وابنتها وأمّهما، ونحو ذلك، وما ذكروه من القاعدة المشار إليها اصطلاح أصولي لا تساعد عليه الأخبار، بحيث يكون أصلاً كليّاً، وقاعدة مطرّدة، بل المفهوم منها كون الأمر كذلك في بعض، وبخلافه في آخر، كما أشرنا إليه).

ثمَّ اختار صحَّة البيع وقت النِّداء.

أقول: أمَّا إشكاله على القاعدة، ففي غير محلّه، بل هي سليمة، كما ذكرنا في مبحث علم الأصول.

وأمَّا الموارد التي أشار إليها حيث حكم فيه ببطلان العقد.

ففيه: أنَّه خلط بين النَّهي المولوي والنَّهي الإرشادي، فإنَّه لا إشكال في الفساد في النَّهي الإرشادي، كما في قوله (عليه السلام): (لا تبع ما ليس عندك)، وكما في النَّهي عن بيع العَذِرة، وبيع الغرر.

وأمَّا بيع الخمر فهو حرام تكليفاً ووضعاً، أي النَّهي فيه مولوي من جهة، وإرشادي من جهة أخرى، وقد بيَّنا بالتفصيل معنى النَّهي الإرشادي، وكيفيَّة التفريق بين النَّهي المولوي والإرشادي في مبحث النواهي في علم الأصول في كتابنا أوضح المقول في علم الأصول، فراجع.

والخلاصة: أنَّ النَّهي هنا في محلّ البحث نهي مولوي، وهو لا يقتضي الفساد، والله العالم.

 

قوله: (ويحرم الأذان الثاني بالزَّمان، سواء كان بين يدي الخطيب أو لا، ويحتمل أن يحرم غيره وإن تقدَّم عليه، تأسياً بالأذان بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والكراهيَّة أقوى، وفسَّره ابن إدريس بالأذان بعد فراغ الخطيب)

أقول: يقع الكلام في أمرين:

الأوَّل: في تفسير الأذان الثاني.

الأمر الثاني: في حكمه، من حيث الحرمة أو الكراهة، أو أنَّه جائز بلا كراهة، فضلاً عن الحرمة.

أمَّا الأمر الأوَّل: قال في المدارك: (فالظَّاهر أنَّ المراد بالأَذان الثاني ما يقع ثانياً بالزَّمان والقصد، لأنَّ الواقع أولاً هو المأمور به، والمحكوم بصحته، ويبقى التحريم متوجّهاً إلى الثاني؛ وقيل: إنَّه ما لم يكن بين يدي الخطيب، لأنَّه الثاني، باعتبار الإحداث، سواء وقع أوَّلاً، أو ثانياً بالزَّمان، لِما رواه عبد الله بن ميمون عن جعفر عن أبيه (عليهم السلام) (قال: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا خرج إلى الجمعة قعد على المنبر حتَّى يفرغ المؤذِّنون(1)؛ وهذه الرِّواية مع قصورها من حيث السَّند معارَضة بما رواه محمَّد بن مسلم في الحسن، قال: سألتُه عن الجمعة، فقال: أذان وإقامة يخرج الإمام بعد الأذان فيصعد المنبر فيخطب الحديث(2)، وهو صريح في استحباب الأذان قبل صعود الإمام للمنبر فيكون المحدث خلافه...).

وقال ابن إدريس: (ولا يجوز الأذان بعد نزوله -أي الإمام من على المنبر- مضافاً إلى الأذان الأوَّل الذي عند الزَّوال، فهذا هو الأذان المنهي عنه، ويسميه بعض أصحابنا الأذان الثالث، وسمّاه ثالثاً لانضمام الإقامة إليهما فكأنها أذان آخر...).

واستغربه المصنِّف (رحمه الله) في البيان فقال: (اِختلفوا في وقت الأَذان، فالمشهور أنَّه حال جلوس الإمام على المنبر، وقال أبو الصلاح: قبل الصُّعود، وكلاهما مرويان، فلو جمع بينهما أمكن نسبة البدعة إلى الثاني زماناً، وإلى غير الشَّرعي، فينزّل على القولين، قال: وزعم ابن إدريس أنَّ المنهي عنه هو الأَذان بعد نزول الخطيب، مضافاً إلى الإقامة، وهو غريب، قال: وَلْيقم المؤذِّن الذي بين يدي الإمام، وباقي المؤذِّنين ينادون الصَّلاة، وهو أغرب...).

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo