< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/01/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة الجمعة وآدابها(41)*

 

الأمر الثاني: في المدارك: (اختلف الأصحاب في الأذان الثاني يوم الجمعة، فقال الشَّيخ في المبسوط، والمصنف في المعتبر: إنَّه مكروه، وقال ابن إدريس: إنَّه محرم، وبه قال عامة المتأخرين...).

وقد روى البخاري -كما ذكرنا سابقاً-: (أنَّ أوَّل مَنْ فعل ذلك عثمان، وقال عطاء: أوَّل مَنْ فعل ذلك معاوية).

ومهما يكن، فقدِ استُدلّ للحرمة بدليلَيْن:

الأوَّل: أنَّ الاتفاق واقع على أنَّ النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) لم يفعله، ولا أَمَر بفعله، وإذا لم تثبت مشروعيَّته كان بدعةً، كالأذان للنافلة.

وفيه: أنَّ مجرد عدم فِعْل النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) له وعدم أَمْره بفِعْله لا يدلّ على عدم المشروعيَّة إلَّا إذا أتى به يقصد التشريع فيحرم حينئذٍ.

ولكن لا يخفى عليك أنَّ هذا لا يختصّ بالأذان الثاني، إذ كلُّ تشريعٍ محرَّم، سواء أكان في الأذان أم في غيره.

الدليل الثاني: معتبرة حفص بن غياث عن جعفر بن محمَّد عن أبيه (عليه السلام) (قال: الأَذان الثالث يوم الجمعة بدعة)(1).

وردَّها المحقِّق (رحمه الله) في المعتبر بقوله: (لكنَّ حفص المذكور ضعيف، وتكرار الأذان غير محرَّم، لأنَّه ذِكْر يتضمن التعظيم للرّبّ، لكن حيث لم يفعله النَّبيّ (صلى الله عليه وآله)، ولم يأمر به، كان أحقّ بوصف الكراهيَّة، وبه قال الشَّيخ في المبسوط...).

وفيه: ما ذكرناه في أكثر من مناسبة، من جواز العمل بروايات حفص، لأنَّ الشَّيخ في العدَّة قال: (عملت الطَّائفة برواياته، وهذا نوع من الاعتبار له).

ويؤيِّده قول الشَّيخ: (إنَّ له كتاباً معتمداً).

وقال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى -بعد أن ذَكَر إشكال المحقِّق (رحمه الله) على الرِّواية، من حيث ضعف السَّند- (قلتُ: لا حاجة إلى الطَّعن في السَّند مع قبول الرِّواية التأويل، وتلقِّي الأصحاب لها بالقبول، بل الحقّ أنَّ لفظ البدعة ليس تصريحاً في التحريم، فإنَّ المراد بالبدعة ما لم يكن في عهد النَّبيّ (صلى الله عليه وآله)، ثمَّ تجدّد بعده، وهو ينقسم إلى محرَّم ومكروه، وقد بيّنا ذلك في القواعد).

والإنصاف: أنَّ المتبادر إطلاق البدعة في المعتبرة إرادة الحرمة.

ويشير إلى ما ذكرنا صحيحة الفُضَلاء عن الصادقَيْن (عليه السلام) (أنَّهما قالا: أَلَا وإنَّ كلَّ بدعة ضلالة، وكلَّ ضلالة سبيلها إلى النَّار)(2)، وهذا هو الأقوى، ولا حاجة للتأويل.

ولكن قد يُقال: إنَّ النزاع لفظي، لأنَّ مَنْ أتى به بقصد التوظيف والمشروعيَّة ارتكب حراماً عند الكلّ، لأنَّه تشريع محرَّم، ومَنْ لم يأتِ به بهذا القصد، بل أتى به بقصد الذِّكر، والدُّعاء إلى المعروف وتكريرهما فلا يكون ذلك مكروهاً فضلاً عن أن يكون محرَّماً.

ولكن مع ذلك يمكن الذَّهاب إلى الحرمة وإن لم يأتِ به بقصد الوظيفة والمشروعيَّة، فيكون حراماً عند الكلّ، وذلك من باب التشبُّه بالمبتدعين، فإنَّ التشبيه بهم أمر مرجوح، ومبغوض للشَّارع، فيكون الإتيان به على صورة البدعة.

وبالجملة، فلو لم نقل بالحرمة، للمناقشة في استفادة الحرمة من التشبيه بالمبتدعين، فلا أقلّ أنَّ مقتضى الاحتياط هو الترك، والله العالم.

__________

(1) الوسائل باب49 من أبواب صلاة الجمعة وآدابها ح1و2.

(2) الوسائل باب10 من أبواب نافلة شهر رمضان ح1.

 

قوله: (والمزاحم عن السُّجود لا يسجد على ظَهْر غيره، بل يسجد بعد قيامهم، ويلحق)

هذا هو المعروف بين الأعلام، قال في المدارك: (إذا زوحم المأموم في سجود الأُولى، فلم يمكنه متابعة الإمام، لم يجز له السُّجود على ظَهْر غيره أو رجلَيْه إجماعاً، بل ينتظر حتَّى يتمكن من السُّجود على الأرض، فإنْ تمكَّن قبل ركوع الإمام في الثانية سجد، ولحق الإمام...).

وفي الجواهر: (بلا خلاف أجده، بل يمكن تحصيل الإجماع عليه، بل عن كشف اللثام دعوى الاتِّفاق عليه، ولا يقدح ذلك في صلاته للحاجة والضرورة، مع أنَّ مثله وقع في صلاة عسفان، حيث سجد النَّبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وبقي صفّ لم يسجد؛ والسَّبب في الجميع الحاجة، فلا بأس عليه حينئذٍ في فوات المتابعة للعذر الذي هو كالنسيان أو أعظم منه...).

والإنصاف: أنَّ المسألة متسالم عليها بين جميع الأعلام قديماً وحديثاً، بحيث خرجت عن الإجماع المصطلح عليه، وأمارات القطع يقيناً.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo