< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/02/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة العيدَيْن(7)

قوله: (والخطبتان بعدها، وتقديمهما بدعة غير مجزئة، وهما سنَّة في المشهور)

اِختلف الأعلام في وجوب الخطبتين، قال(رحمه الله) في الجواهر: (وظاهر المتن وغيره -ممَّن اعتبر فيها شرائط الجمعة- وجوبهما لهما أيضاً، بل قد سمعت معقد إجماع الخلاف وغيره، ممَّا لم يستثنَ فيه الخطبتان، كما هو ظاهر عبارة الأكثر، وقال في كشف اللثام: إنَّه نصّ الشَّيخ في المبسوط والجمل والاقتصاد والحلبيان والكيدري وبنو حمزة وإدريس وسعيد والمحقّق في كتبه -مع استحبابه لهما في المعتبر- على اشتراط وجوب صلاة العيد بشروط صلاة الجمعة، مع نصّهم على كون الخطبتين من شروطها، وفي المبسوط والجامع النصّ على الاشتراط بهما هنا أيضاً، ونصّ ابن زهرة والقاضي في المهذَّب على اشتراطها بالممكن فيها، وفي الكشف أيضاً قبل ذلك، ويجب الخطبتان بعدها إن وجبت، كما في المراسم والوسيلة والسَّرائر وجُمل العلم والعمل وشرحه للقاضي؛ وفيه: أنَّهما واجتبان عندنا، وفي التذكرة واجبتان كما قلنا، للأمر وهو للوجوب، وقال الجمهور: بالاستحباب، وفي الرياض: لم نقف على مصرِّح بالندب، سوى ما في المعتبر والنزهة، وعن مصابيح الظلام: لم أجد قائلاً بالاستحباب غير ما نقل عن المعتبر...).

وممَّن ذهب إلى الوجوب صاحب الحدائق وصاحب الجواهر (رحمهما الله) ولم يستبعده المحقِّق الهمداني .

وفي المقابل قال المحقَّق (رحمه الله) في المعتبر: (والخطبتان مستحبّتان فيهما بعد الصَّلاة، ولا يجب حضورهما ولا استماعهما، أمَّا استحبابهما فعليه الإجماع...).

وقال المصنِّف هنا -أي في الدُّروس-: (أنَّ المشهور هو الاستحباب)، وفي الذِّكرى: (أنَّه المشهور في ظاهر الأصحاب)، وفي البيان: (أكثر الأصحاب لم يصرّحوا بوجوب الخطبتين...).

_________

(1) الوسائل باب39 من أبواب صلاة العيد ح1.

(2) مستدرك الوسائل باب31 من أبواب صلاة العيد ح1.

 

أقول: محلّ النزاع في المقام هو ما لو كانت صلاة العيد واجبة.

أمَّا على القول بالاستحباب لفقد الشَّرائط، فلا تجب الخطبتان، كما في زمان الغيبة، بل عدم وجوبهما مسلم لو صُلّيت فرادى، لعدم تعقُّل الخطبة حينئذٍ، بل يمكن أن يكون كالفرادى لو صُلّيت جماعةً بواحد، ونحوه.

وعليه، فمحلّ البحث في وجوب الخطبتين إذا وجبت صلاة العيد.

إذا عرفت ذلك فنقول: قد ذكر جماعة من الأعلام، منهم المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى جملةً من الرِّوايات الدَّالة على الخطبة.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّه لا يوجد فيها أمر صريح بالخطبتين.

ولذا قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: (والعمل بالوجوب أحوط؛ نعم، ليستا شرطاً في صحّة الصَّلاة، بخلاف الجمعة).

وقدِ استدلّ صاحب الحدائق (رحمه الله) للقول بالوجوب بما في الفقه الرَّضوي: (فإنَّ صلاة العيدين مع الإمام فريضة، ولا يكون إلَّا بإمام وخطبة)(1).

وفيه: أنَّ الدَّلالة وإن كانت تامَّةً، بل هي قويَّة جدّاً، لِما فيها من الحصر، إلَّا أنَّك عرفت في أكثر من مناسبة أنَّ كتاب فِقه الرِّضا لم يثبت كونه روايةً عن الإمام (عليه السلام) ، إلَّا ما كان فيه بعنوان روي، فتكون مرسلةً.

وفي غير ذلك، فقدِ استظهرنا سابقا أنَّه فتاوى لابن بابويه (رحمه الله).

ثمَّ قال صاحب الحدائق (رحمه الله): (وممَّا يعضد ذلك، ويؤيِّده بأوضح تأييد: ما رواه الصَّدوق (رحمه الله) في كتاب العلل والعيون من علل الفضل بن شاذان عن الرِّضا (عليه السَّلام) (قال: إنَّما جُعِلت الخطبة يوم الجمعة قبل الصَّلاة، وجعلت في العيدين بعد الصَّلاة، لأنَّ الجمعة أمر دائم، يكون في الشَّهر مراراً، وفي السّنة كثيراً، فإن كثر على النَّاس ملُّوا وتركوه وتفرّقوا عنه، والعيد إنما هو في السّنة مرتان، والزحام فيه أكثر، والنَّاس فيه أرغب، وإن تفرّق بعض النَّاس بقي عامّتهم)(2).

قال : (والتقريب فيه أنَّه لو كان ما يدعونه من الاستحباب حقّاً لكان هو الأولى بأن يذكر علّة للفرق في الخبر، بأن يُقال: إنَّما أخِّرت لأنَّ استماعها غير واجب، حيث إنَّها مستحبَّة، فمَنْ شاء جلس لاستماعها ومن شاء انصرف؛ وظاهر الخبر إنَّما هو وجوبها في الصَّلاتين، وإنِ اختلفتا بالتقدُّم والتأخُّر، للعلَّة المذكورة في الخبر).

وفيه أوَّلاً: ما ذكرناه في صلاة الجمعة، من أنَّ الرِّواية ضعيفة بجهالة أكثر من شخص في السَّند.

وثانياً: أنَّ عدم وجوب الاستماع أعمّ من الاستحباب، فلا يتعين أن يكون علةً للتأخير.

وبالجملة، فقد ذَكَر جملة من المؤيِّدات لا تصلح أن تكون مدركاً للحكم الشَّرعي.

والإنصاف: هو القول بالوجوب فيما لو وجبت صلاة العيدين، لما عرفت من أنَّ المعتبر فيها من الشَّرائط هي الشَّرائط المعتبرة في الجمعة.

ولم يستثنوا منها الخطبتين إلَّا في بعض عبائر بعض الأعلام التي لا تضرّ بالتوافق.

والذي يهوِّن الخطب في المقام: أنَّ صلاة العيدين غير واجبة في زمان الغيبة فضلاً عن الخطبتين، فلا يهمّنا التعرّض للأدلَّة الدالَّة على الوجوب، ولا الأدلَّة التي استُدلّ فيها على العدم.

ثمَّ إنَّك قد عرفت أنَّ الخطبتين بعد الصَّلاة، قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى: (ومحلّها بعد الصَّلاة إجماعاً...).

_______

(1) المستدرك باب2 من أبواب صلاة العيد ح1.

(2) المستدرك باب11 من أبواب صلاة العيد ح12.

 

وعليه، فتقديمهما عليها بدعة.

وقد دلَّت الرِّوايات الكثيرة على أنَّهما بعد الصَّلاة:

منها: صحيحة محمَّد بن مسلم عن أحدهما (عليه السلام) (في صلاة العيدين، قال: الصَّلاة قبل الخطبتين بعد القراءة سبع في الأولى وخمس في الأخير وكان أوَّل من أحدثها بعد الخطبة عثمان لما أحدث إحداثه؛ كان إذا فرغ من الصَّلاة قام النَّاس ليرجعوا، فلمَّا رأى ذلك قدَّم الخطبتين، واحتبس النَّاس للصَّلاة)(1).

ومنها: مضمرة معاوية (قال: سألتُه عن صلاة العيدين، فقال: ركعتان -إلى أن قال:- والخطبة بعد الصَّلاة، وإنَّما أحدث الخطبة قبل الصَّلاة عثمان...)(2)، ولكنَّها ضعيفة بالإضمار.

ومنها: رواية الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في العِلل والعيون المتقدّمة(3).

وقد عرفت أنَّها ضعيفة بجهالة أكثر من شخص في السَّند.

ومنها: رواية سُليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام)، حيث ورد في ذَيْلها: (والخطبة بعد الصَّلاة)(4)، وهي ضعيفة بمحمَّد بن سنان.

ومنها: صحيحة يعقوب بن يقطين ( قال: سألتُ العبد الصَّالح (عليه السلام) عن التكبير في العيدين -إلى أن قال:- تكبير العيدين للصَّلاة قبل الخطبة...)(5).

والخلاصة: أنَّه لا إشكال في أنَّ محلَّها بعد الصَّلاة.

وقد روى المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكرى عن أبي سعيد الخدري: (أنَّ مروان جرَه إلى الخطبة قبل الصَّلاة، فجرَّه أبو سعيد إلى الصَّلاة قبل الخطبة، فقال له مروان: قد تُرِك ما تعلم، قال: كلا، والذي نفسي بيده! لا يأتون بخير ممَّا أعلم ثلاث مرات)(6)، وهي ضعيفة جدًّا.

وقد رويت من طرق العامَّة، قال المصنِّف(رحمه الله) : (وروَوا أيضاً أنَّ مروان قد الخطبة، فقال له رجل: خالفت السّنة! فقال: تُرِك ذاك ، فقال أبو سعيد الخدري: أمَّا هذا فقد قضى ما عليه، سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) يقول: من رأى منكم منكرأ فلينكره بيده، فمَنْ لم يستطع فَلْينكره بلسانه، فمَنْ لم يستطع فَلْينكره بقلبه، وذلك أضعف الإيمان)(7)، وهي عاميَّة أيضاً فتكون ضعيفة كسابقتها.

___________

(1)و(2)و(3) الوسائل باب11 من أبواب صلاة العيد ح2و1و12.

(4)و(5) الوسائل باب10 من أبواب صلاة العيد ح8و9.

(6)و(7) صحيح مسلم : ج1، ص605و69.

(8) من لا يحضره الفقيه: ج1، ص325، رقم1486.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo