< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/03/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة العيدَيْن(20)

 

ثمَّ إنَّ المراد بالوجوب في هذه الرِّوايات هو الثبوت، أو الاستحباب المؤكَّد، لأنَّ إطلاق الواجب بهذا المعنى في الرِّوايات شائع، ففي موثَّقة سماعة (قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن غُسْل الجمعة، فقال: واجب -إلى أن قال- وغُسْل المُحْرِم واجب، وغُسْل يوم عرفة واجب، وغُسْل الزِّيارة واجب، إلَّا من عِلَّة، وغُسْل دخول البيت واجب...)(1)؛ وكذا غيرها من الرِّوايات التي أُطلِق فيها الواجب على المستحبّ المؤكَّد.

وكذا أُطلِق الواجب في كلمات القدماء على غير المعنى المصطلح عليه؛ وقد صرَّح الشَّيخ رحمه الله في بعض كلماته المحكيَّة عنه: (أنَّ الوجوب عندنا على ضَرْبَيْن: ضَرْب يستحقّ تاركه اللوم والعقاب؛ وضَرْب لا يستحقّ إلَّا اللوم والعتاب).

ومن هنا يُحتمل أن يكون مراد السَّيد المرتضى رحمه الله، ومَنْ وافقه في هذا الرأي -من الوجوب- هو الاستحباب المؤكَّد.

والذي يهوِّن الخَطْب: أنَّ الرِّوايات المستدلّ بها للوجوب ضعيفة السَّند.

أضف إلى كلِّ ذلك: أنَّ هذا التكبير يتكرّر الابتلاء به في كلِّ سنَّة، فلو كان واجباً للصار ضروريّاً، ولم تستمرّ سيرة المسلمين على تركه في سائر الأعصار والأمصار، وهذا قرينة قويَّة جدّاً على عدم وجوبه؛ ولذلك حملنا الآية الشَّريفة المتقدِّمة على الاستحباب.

وأمَّا ما حُكِي عن الصَّدوق رحمه الله من إلحاق الظُّهرَيْن أيضاً، فقد استُدلّ له برواية الأعمش والفَضْل بن شاذان بحمل الخَمْس على إرادة الفرائض اليوميَّة مع صلاة العيد، فتكون ستًّا.

ولكنَّك عرفت أنَّهما ضعيفتان سنداً.

وقدِ استُدلّ أيضاً بما في الفِقه الرَّضوي (قال: وكبَّر بعد المغرب والعشاء الآخرة والغَدَاة وصلاة العيد والظُّهر والعصر، كما تكبِّر في أيام التشريق...)(2)؛ وقد عرفت حال كتاب فِقه الرِّضا، فلا حاجة للإعادة.

وقدِ استُدلُ أيضاً: بما رواه العياشي في تفسيره عن سعيد -والظَّاهر أنَّه النقَّاش المتقدَّم- حيث نُقِل عنه تلك الرِّواية المتقدِّمة في تفسيره.

ثمَّ قال: (وعن سعيد عن أبي عبد الله (عليه السلام)، قال: إنَّ في الفطر تكبيراً، قال: قلتُ: ما تكبير إلَّا في يوم النحر! قال: فيه تكبير، ولكنَّه مسنون في المغرب والعشاء والفجر والظُّهر والعصر وركعتي العيد)(3)، وهي ضعيفة بالإرسال؛ مضافاً لجهالة النقَّاش.

والخلاصة: أنَّ الرِّوايات الدَّالة على إضافة الظُّهرين كلّها ضعيفة السَّند.

وأمَّا ما حُكِي عن ابن الجنيد رحمه الله -من ضمّ النوافل أيضاً- فقدِ استُدل له بالرِّوايات الواردة باستحبابه في أيام التشريق، وسيأتي ذكرها -إن شاء الله تعالى-.

ولكن موردها أيام التشريق، فالاستدلال بها للمقام يحتاج إلى إلغاء الخصوصيَّة، وفيه ما لا يخفى.

 

قوله: (وفي الأضحى عقيب خمس عشرة للناسك بمِنى، أوّلها ظهر العيد، وفي الأمصار عقيب عشر، وأوجبه المرتضى، وابن الجنيد)

قال في المدارك: (المشهور بين الأصحاب أنَّ ذلك على سبيل الاستحباب أيضاً؛ وقال المرتضى وابن الجنيد والشّيخ في الاستبصار بالوجوب...).

وفي الجواهر: (على المشهور شهرةً عظيمةً، بل هي من المتأخِّرين إجماع، بل عن الأَمالي نسبته إلى دِيْن الإماميَّة -إلى أن قال:- خلافاً للمرتضى، فأوجبه مدَّعياً في ظاهر انتصاره الإجماع عليه؛ وهو عجيب، ضرورة كون العكس مظنّة ذلك؛ ومن هنا قال في المحكي عن المختلف أنَّ الإجماع على الفِعْل دون الوجوب؛ وفي الذكرى: أنَّه حجّة على من عرفه؛ وعلى كلّ حال، فلم نتحقّق ما ذَكَره، بل المتحقّق خلافه...).

_________

(1) الوسائل باب1 من أبواب الأغسال المندوبة ح3.

(3) فقه الرضا: ص25.

(3) مستدرك الوسائل باب16 من أبواب صلاة العيد ح4.

 

أقول: يدلّ على كونه في الأضحى عقيب خمس عشرة صلاة، أوّلها الظُّهر يوم النَّحر لِمَنْ كان بمِنى، وآخرها الفجر من اليوم الثالث عشر.

وفي باقي الأمصار عقيب عشر أوّلها الظُّهر المزبور، وآخرها الفجر من اليوم الثاني عشر الذي هو ثاني أيام التشريق.

وكذا لِمَنْ كان بمِنى، ونفر يوم الثاني عشر من مِنى، جملة من الرِّوايات:

منها: رواية الأعمش المتقدِّمة(1).

وقد عرفت أنّها ضعيفة.

ومنها: حسنة زرارة وصحيحته (قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السلام) التكبير في أيام التشريق في دُبُر الصَّلوات؟ فقال: التكبير بمنى في دُبُر خمس عشرة صلاة، وفي سائر الأمصار في دُبُر عشر صلوات؛ وأوّلُ التكبير في دُبُر صلاة الظُّهر يوم النحر، تقول فيه: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلَّا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد، الله أكبر على ما هدانا، الله أكبر على ما رزقنا من بهيمة الأنعام، وإنَّما جُعل في ساير الأمصار في دُبُر عشر صلوات لأنَّه إذا نَفَر النَّاس في النَّفر الأوَّل أَمْسَك أهلُ الأمصار عن التكبير، وكبَّر أهلُ مِنى ما داموا بمنى إلى النَّفر الأخير)(2).

ومنها: حسنة محمَّد بن مسلم (قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السلام) عن قول الله عزَّوجل: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ}، قال: التكبير في أيام التشريق صلاة الظُّهر من يوم النَّحر إلى صلاة الفجر من يوم الثالث، وفي الأمصار عشر صلوات، فإذا نفر بعد الأولى أمسك أهل الأمصار؛ ومن أقام بمِنى فصلَّى بها الظُّهر والعصر فَلْيكبر)(3)، وقد عرفت أنَّ التكبير بمِنى خمس عشرة صلاة.

وألحق بها الشَّيخ المفيد رحمه الله مكَّة، بل في كشف اللثام: (وهو مراد غيره أيضا، فإنَّ الناسك يصلّي الظُّهرين، أو إحدهما غالباً بمكة...).

ثمَّ إنَّ تحديد الوقت بما ذكر أوَّلاً وآخراً ممَّا لم يُنْقل الخلاف فيه بيننا.

بل في الحدائق ادَّعى أنَّه من المتَّفق عليه عندنا، ونقل عن بعض المتأخِّرين أنَّه قال: (هذا ممَّا تفردنا به، ولم يقل به أحد من العامَّة، فإنَّ أحداً منهم لم يفرِّق بين من بمِنى ومن بغيرها، ومع هذا أوّلُه عند أكثرهم من صلاة الفجر يوم عرفت، وآخرُه عند الشَّافعي وجماعةٍ العصر من آخر أيام التشريق، وعند أبي حنيفة وجمعٍ منهم العصر من يوم النَّحر، وفي قولٍ آخر للشَّافعي يكبِّر من المغرب ليلة النَّحْر إلى الصُّبح من آخر أيام التشريق؛ وقال جمع منهم من الظُّهر يوم النَّحْر إلى الظُّهر يوم النَّفر، ولهم أقوال أُخَر شاذَّة).

_________

(1) الوسائل باب20 من أبواب صلاة العيد ح6.

(2)و(3) الوسائل باب21 من أبواب صلاة العيد ح2و1

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo