< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/04/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: صلاة الآيات(9)

وقد يستفاد للقول المشهور القائل بالتفصيل بجملة من الرِّوايات بلغت حدّ الاستفاضة:

منها: صحيحة الفُضَيل بن يسار ومحمَّد بن مسلم (أنَّهما قالا: قلنا لأبي جعفر عليه السلام: أيقضي صلاة الكُسُوف مَنْ إذا أصبح فَعَلِم، وإذا أمسى فَعَلِم؟ قال: إن كان القرصان احترقا كلاهما قضيت، وإن كان إنَّما احترق بعضهما فليس عليك قضاؤه)(1).

وطريق الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله إلى محمَّد بن مسلم، وإن كان ضعيفاً كما عرفت، إلَّا أنَّ طريقه إلى الفُضَيل بن يسار صحيح، إذ لا يوجد ما يخدش في السَّند إلَّا عليّ بن الحسين السَّعْدآبادي، حيث إنَّه لم يوثق بالخصوص، ولكنَّه من مشايخ ابن قُوْلُوَيْه رحمه الله المباشرين، وقد ذكرنا في مبحث علم الرِّجال أنَّ مشايخه المباشرين ثقات.

وعليه، فالرِّواية صحيحة.

ومنها: صحيحة زرارة ومحمَّد بن مسلم عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: إذا انكسفت الشَّمس كلّها واحترقت ولم تعلم، ثمَّ علمت بعد ذلك فعليك القضاء، وإن لم يحترق كلّها فليس عليك قضاء)(2).

ومنها: مرسلة الكُلَيني (قال: وفي رواية أخرى: إذا عَلِم بالكُسُوف ونسيَ أنَّ يصلِّي فعليه القضاء، وإن لم يعلم به فلا قضاء عليه، هذا إذا لم يحترق كله)(3)، وهي ضعيفة بالإرسال.

ثمَّ إنَّه ينبغي أن يُعْلم أنَّ هناك اشتباهاً من صاحب الوسائل رحمه الله، حيث قال -بعد ذِكْر هذه المرسلة-: (محمَّد بن الحسن بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حمَّاد مثله)، فيُتَوهَّم أنَّ الرِّواية صحيحة بطريق الشَّيخ رحمه الله، مع أنَّ الواقع أنَّ ما رواه الشَّيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد عن حمَّاد، راجع إلى الرِّواية الأُولى التي رواها الكُلَيْنِي، وهي صحيحة زرارة ومحمَّد بن مسلم، لا إلى هذه المرسلة.

ومنها: رواية حريز (قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: إذا انكسف القمر ولم تعلم به حتَّى أصبحت، ثمَّ بلغك، فَإِنْ كان احترق كلُّه فعليك القضاء، وَإِنْ لم يكن احترق كلُّه فلا قضاء عليك)(4)، ولكنَّها ضعيفة، لأنَّ الظَّاهر أنَّ المراد من القاسم بن محمَّد الموجود في السَّند هو الجوهري غير الموثَّق.

وَلَكِنْ هناك جملة من الرِّوايات دلَّت على نفي القضاء مطلقاً في حال الجهل حتَّى خرج الوقت، أي سواء احترق بعضه أم كلُّه:

منها: صحيحة علي بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليه السلام (قال: سألتُه عن صلاة الكُسُوف، هل على مَنْ تركها قضاء؟ قال: إذا فاتتك فليس عليك قضاء)(5).

ومنها: موثَّقة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (قال: انكسفت الشَّمس وأنا في الحمام فعلمتُ بعد ما خرجت فلم أقضِ)(6).

ومنها: رواية عبيد الله الحلبي (قال: سألتُ أبا عبد الله عليه السلام عن صلاة الكُسُوف تُقْضى إذا فاتتنا؟ قال: ليس فيها قضاء، وقد كان في أيدينا أنَّها تقضى)(7)، وهي ضعيفة بمحمَّد بن سنان، وكذا غيرها ممَّا لم نذكره.

ولكن الإنصاف: أنَّ الرِّواية النافية للقضاء تقيَّد بالرِّوايات المتقدِّمة المفصِّلة بين احتراق القرص بتمامه، وبين احتراق بعضه، فتحمل هذه الرِّواية النافية للقضاء على احتراق بعضه.

_____________

(1)و(2)و(3)و(4)و(5)و(6)و(7) الوسائل باب10 من أبواب صلاة الكُسُوف والآيات ح1و2و3و4و7و8و9.

 

وأمَّا مَنْ ذهب إلى وجوب القضاء مطلقاً في حال الجهل وإن كان القرص لم يحترق كلُّه، فقد يستدلّ لهم بروايتَيْن:

الأُولى: مرسلة حريز عن أبي عبد الله عليه السلام (قال: إذا انكسف القمر، فاستيقظ الرَّجل فكسل أن يصلي، فَلْيغتسل من غدٍ وليقضِ الصَّلاة؛ وإن لم يستيقظ، ولم يعلم بانكساف القمر، فليس عليه إلَّا القضاء بغير غُسُل)(1)، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.

الثانية: رواية أبي بصير (قال: سألتُه عن صلاة الكُسُوف، قال: عشر ركعات وأربع سجدات -إلى أن قال:- فإذا غفلها أو كان نائماً فَلْيقضها)(2)، وهي ضعيفة بعليّ بن أبي حمزة البطائني.

وفيه -مضافاً لِضعف السَّند فيهما-: أنَّهما تحملان على احتراق تمام القرص، وذلك للرِّوايات الأُولى المفصِّلة بين احتراق الكلِّ، واحتراق البعض، من باب حَمْل المطلق على المقيَّد.

وقدِ استُدل أيضاً بالنَّبويّ (مَنْ فاتته فريضة فَلْيقضها كما فاتته)(3).

وفيه أوَّلاً: أنَّه ضعيف بالإرسال، بل لم يرد من طرقنا، وإنَّما هو موجود في كتب العامَّة، ورواه أصحابنا عنهم.

وثانياً: أنَّه مطلق، فيحمل على الرِّوايات المفصِّلة.

وثالثاً: قد يُدَّعى عدم شمول لفظ الفوات لِما نحن فيه، بدعوى ظهورِه في تحقُّق سبب الوجوب، والفرض أنَّ سبب الوجوب غير ثابت لِما نحن فيه، لأنَّه يظهر من مجموع الأدلَّة أنَّ من تتمَّة السَّبب فيه -في صورة عدم الاحتراق بتمامه- العلم به، فتكون الرِّوايات المتضمِّنة عدم القضاء على الجاهل كاشفةً عن عدم تحقُّق سبب الوجوب، فلم يتحقق الفَوْت حتَّى يجب القضاء.

وقدِ استُدلّ أيضاً بصحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (أنَّه سُئِل عن رجل صلَّى بغير طَهُور، أو نسي صلوات لم يصلِّها، أو نام عنها؟ قال: يقضيها إذا ذكرها في أيِّ ساعة ذكرها، من ليل أو نهار...)(4)، بدعوى أنَّ قوله: (أو نام عنها)، يشمل المقام.

وفيه: أنَّها مطلقة تقيَّد بما تقدَّم من الرِّوايات المفصِّلة بين احتراق الكلّ واحتراق البعض.

___________

(1)و(2) الوسائل باب10 من أبواب صلاة الكُسُوف والآيات ح5و6.

(3) رواه المحقق في المعتبر: ج2، ص406.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo