< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/07/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(21)

وحكى صاحب مفتاح الكرامة رحمه الله عن أربعين المجلسي رحمه الله: (أنَّ أكثر الأصحاب خصُّوا قولهم: «لا سهو في سهو» في هذه، وبصورة الشَّكّ بموجب السَّهو).

وعليه، فلا يلتفت إلى الشَّك في عدد ركعات الاحتياط، بل ولا في أفعالها.

والمراد بعدم الالتفات -كما صرَّح به بعضهم-: البناء على الأكثر بالنسبة إلى الأعداد، ما لم يستلزم فساداً، وإلَّا بنى على الأقلِّ.

وبالأفعال: البناء على وقوعها، وإن كان في المحلِّ، من غير فرق بين الأركان وغيرها، وكذا سجدتا السَّهو، حيث يُوجَبان بالشَّكّ، فلا يلتفت إلى الشَّكّ فيهما أعداداً وأفعالاً.

وأمَّا لو شكَّ بعد الفراغ من الصَّلاة، أنَّه هل أتى بالفعل الذي أوجبه الشَّكّ من صلاةِ احتياطٍ، أو سجودِ سهوٍ، أو لم يأتِ به، فالظَّاهر أنَّه لا إشكال عند الأعلام في وجوب الإتيان به؛ لِتيقُّن حصول السَّبب الموجِب، وتيقُّن اشتغال الذِّمَّة، والشَّكّ في الخروج عن عهدة التكليف، مع بقاء الوقت.

الصَّورة الرَّابعة: أن يراد بالأوَّل: الشَّكّ، وبالثاني: النسيان، على تقدير مضاف، أي: الشَّك في موجَب السَّهو -بفتح الجيم-، وهو فيما بعد الصَّلاة منحصر في أمور ثلاثة:

الأوَّل: سجدتا السَّهو.

الثاني: السَّجدة المنسيَّة.

الثالث: التشهُّد المنسيِّ.

على إشكال في الأخيرين، نشأ من احتمال أنَّهما ليسا من موجب السَّهو، بل السَّهو جوَّز تأخيرهما، لأنَّهما الواجبان بالأمر الأوَّل للصَّلاة، فلا يجري حينئذٍ فيهما هذا الحكم.

ولعلَّه لذا لم يصرِّح الأعلام بحكم الشَّك في ذكر السَّجدة المنسيَّة، أو الطُّمأنينة، وكذلك بالنسبة للتشهُّد المنسيِّ.

بل الذي وجدناه هو التصريح: بأنَّ الشَّاك في عدد سجدتي السَّهو، أو في أفعالهما، لا يلتفت؛ لِكونه شاكّ في موجب السَّهو؛ عن البيان للمصنف رحمه الله، وغاية المرام، والرَّوضة، والمدارك، وغيرها.

والمراد بعدم الالتفات: أنَّه يبني على الأكثر، إلَّا إذا استلزم فساداً، فإنَّه يبني على الأقلِّ، فلو شكَّ هل سجد سجدة، أو سجدتَيْن، بنى على الإثنين، وإنْ كان قبل التشهُّد، ولو شكَّ أنَّهما اثنتان أو ثلاثة، بنى الإثنين.

وأمَّا إذا شكَّ بعد الصَّلاة في أصل الفعل، وأنَّه هل سجد للسَّهو أم لا، فالظَّاهر أنَّه لا إشكال ولا خلاف في وجوب الإتيان به؛ لأصالة عدمه.

الصُّورة الخامسة: أنْ يراد بلفظ السَّهو الأوَّل النسيان، وكذلك الثاني، من دون تقدير مضاف.

ومعناه: أنَّه سها عن أنَّه سها، كما لو سها عن سجدة، ثمَّ ذكرها في حال التشهُّد، فنسي العود إليها وقام.

والظَّاهر أنَّ الحكم فيها: أنَّه إنْ ذكرها قبل الرُّكوع أتى بها، وإلَّا قضاها بعد الصَّلاة، وإنْ كان المنسي ركناً بطلت صلاته، هذا ما تقتضيه القاعدة.

الصُّورة السَّادسة: أنْ يراد بلفظ السَّهو الأوَّل: النسيان، وبالثاني: الشَّكّ، بمعنى أنَّه سها عن أنَّه شكَّ، كما لو شكَّ في السَّجدة، وكان في محلٍّ يمكن تداركها لو كانت مشكوكةً، ثمَّ سها عن ذلك.

والحكم فيه: أنَّه إن ذكر قبل تجاوز محلِّ تدارك المشكوك تداركها؛ لِكونه شكّاً قبل تجاوز المحلِّ، وحصول السَّهو في الأثناء لا يخرجه عن ذلك.

أمَّا لو خرج عن محلِّ تدارك المشكوك، لكن لم يخرج عن محلِّ تدارك المنسيّ -إذِ الخروج عن محلِّ تدارك المنسيّ يكون بالدُّخول في الرُّكن- كما إذا قام مثلاً في محلِّ الفرض، فهل يجب عليه الرُّجوع؛ لأنَّه في الحقيقة نسيان للسَّجدة المخاطَب بها، وإن كانت مشكوكاً بها، أو أنَّه لا يجب عليه ذلك؛ لِكونه شكّاً في شيء بعد تجاوز المحلّ؟

لا يبعد الأوَّل -أي وجوب الرُّجوع عليه- إذ لا يشترط لِكونه شكّاً في المحلِّ بقاءُ الشَّكّ واستمراره.

الصُّورة السَّابعة: أن يراد بلفظ السَّهو من كلٍّ منهما النسيان، ولكن على تقدير مضاف في الثاني، أي السَّهو في موجَب السَّهو -بفتح الجيم- مثلاً سها عن إحدى السَّجدتين في سجدتي السَّهو.

ومثله يجري في السَّجدة، والتشهُّد المنسيِّ، لو سها عن بعض واجباتهما، إنْ قلنا: إنَّهما من جملة موجَب السَّهو -بالفتح-.

والمنقول عن جملة من الأصحاب: التصريح بأنَّه لا حكم للسَّهو في سجود السَّهو.

والظَّاهر أنَّ المراد بعدم الحكم له: أنَّه لا يوجب سجوداً للسَهو، أو قضاءً بعد الفراغ، بل إنْ ذكر المحلَّ جاء به، وإلَّا فلا.

وأمَّا احتمال أن يُراد بعدم الحكم له عدم الالتفات، بمعنى أنَّه مَنْ سها عن إحدى السَّجدتَيْن، ثمَّ ذكرها -وهو في المحلِّ- فلا يأتي به؛ بدعوى شمول العبارة له، فهو في غاية البُعْد.

وأمَّا الزِّيادة فيها سهواً، كأنْ يكون قد سجد ثلاث سجدات، أو أربعاً مثلاً، فيُحتمل شمول العبارة له حينئذٍ، فلا تبطل.

وأمَّا لو تركها سهواً، وجاء بالتشهُّد فقط، فالظَّاهر البطلان؛ لما فيه من انمحاء الصُّورة.

الصُّورة الثامنة: أن يراد بالسَّهو الثاني: الشَّكّ، وبالأوَّل: النسيان، ولكن على حذف مضاف في الثاني، أي موجَب السَّهو -بفتح الجيم-، كالرَّكعات للاحتياط، فإنَّه لا حكم للسَّهو فيها بالمعنى المتقدِّم في موجَب السَّهو - بفتح الجيم-، فمَنْ سها فيها مثلاً

عمَّا يُوجِب سجود السَّهو، فإنَّه لا حكم له حينئذٍ، فلا يجب سجدتا السَّهو بعد الفراغ.

ونقل عن جماعة من الأعلام التصريح به، بل عن بعضهم نَقْل الشُهْرة عليه.

وقد يعلَّل ذلك -مضافاً إلى قولهم (لا سهو في السَّهو)-: بأنَّ ما دلَّ على وجوب سجود السَّهو ظاهر في الصَّلاة اليوميَّة، فيقتصر عليه، إلى غير ذلك من الصُّوَر التي لم نذكرها، وإنْ كان محتملةً من العبارة.

والخلاصة: أنَّ الأقوى في تفسير هذه الفقرة (لا سهو في السهو)، هو الاقتصار على الصُّورة الثالثة والرَّابعة، أي: يراد بالسَّهو الأوَّل: الشَّكّ، وبالسَّهو الثاني: الشَّكّ، أو السَّهو، على إرادة الموجب، فيكون المعنى: لا شكَّ في موجَبِ -بالفتح- شكٍّ أو سهو.

والمراد حينئذٍ عدم الالتفات إلى الشَّكّ في أعدادها وأفعالها.

وأمَّا الشَّكّ في أصل الإيقاع، فالظَّاهر عدم اندراجه في هذه الفقرة.

ويظهر من بعض الأعلام إمكان إرادة جميع الصُّور التي ذكرناها، والتي لم نذكرها، من هذه الفقرة (لا سهو في السَّهو )، وهو مشكل جدًّا؛ لمخالفته لمقتضى القواعد في جملة منها، والخروج عن ذلك بمثل هذه الفقرة المجملة مشكل جدًّا، والله العالم.

قوله: (ولو شكّ في الرُّكوع أو السُّجود فأتى به، ثمَّ شكّ في أثنائه في ذكر، أو طمأنينة، فالأقرب: التدارك)

هناك رأيان في المسألة:

الأوَّل: أنَّه لا يتدارك؛ لِتناول العبارة له، وهو قوله عليه السلام: (لا سهو في السَّهو)؛ لِكون هذا الركوع موجَبَ شكٍّ، فالشَّك في أفعاله شكّ في موجَبِ شكٍّ.

الرأي الثاني: أنَّه يتدارك؛ لأنَّ العود إلى الرُّكوع ليس من الشَّكّ، حتَّى يكون موجَباً، بل هو من أصالة عدم الإتيان به، فالشَّك في أفعاله ليس شكّاً في موجَبِ شكٍّ، وهو الأقوى؛ للشَّكّ في دخوله في الفقرة، والعالم.

قوله: (ولو سها عن واجب في سجدتي السَّهو -كذِكْر أو طمأنينة- لم يسجد له، ولو شكّ هل وقع منه سهو، أو في كون الواقع له حكم، فلا شيء، ومأخذ هذه التفسيرات استعمال السَّهو في معناه، وفي الشَّكّ)

وقد عرفت ما هو الصَّحيح في المقام، وأنَّ جملةً من الصُّورة المتقدِّمة يكون حكمها على طبق القواعد، وأنَّ بعضها مستفاد من هذه الفقرة (لا سهو في السَّهو)، ولا حاجة للإعادة.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo