< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

40/07/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(26)

اِعلم أنَّه لا إشكال في أنَّه إذا نسي سجدةً، وذكرها قبل الرُّكوع، رجع وأتى بها، ثمَّ قام وأتى بما يلزمه من قراءة أو تسبيح، والظَّاهر أنَّ هذه المسألة متسالم عليها بين الأعلام.

وفي الجواهر: (بلا خلاف، كما في المنتهى والرِّياض، وهو موضع وفاق بين العلماء، كما في المدارك، وبالإجماع، صرَّح جماعة، كما في الرِّياض، وعن المصابيح الإجماع عليه، وعن التذكرة نسبته إلى العلماء...).

أقول: تدلُّ عليه -مضافاً للتسالم بينهم، ولبقاءِ محلِّ التدارك؛ لأنَّ الظَّاهر من كلمات الأعلام، كما أشرنا إليه سابقاً، أنَّ المراد بالمحلِّ، بالنسبة للسَّهو والنسيان، عدم الدُّخول في ركن آخر- جملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة إسماعيل بن جابر عن أبي عبد الله عليه السَّلام (فِي رَجُلٍ نَسِيَ أَنْ يَسْجُدَ سَجْدَةَ الثَّانِيَةِ حَتَّى قَامَ، فَذَكَرَ -وَهُوَ قَائِمٌ- أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ؟ قَالَ: فَلْيَسْجُدْ مَا لَمْ يَرْكَعْ، فَإِذَا رَفَعَ، فَذَكَرَ بَعْدَ رُكُوعِهِ أَنَّهُ لَمْ يَسْجُدْ، فَلْيَمْضِ عَلَى صَلَاتِهِ حَتَّى يُسَلِّمَ، ثُمَّ يَسْجُدُهَا، فَإِنَّهَا قَضَاءٌ، وَقَالَ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام: إِنْ شَكَّ فِي الرُّكُوعِ بَعْدَ مَا سَجَدَ فَلْيَمْضِ، وَإِنْ شَكَّ فِي السُّجُودِ بَعْدَ مَا قَامَ فَلْيَمْضِ)(1).

ومنها: صحيحة أبي بصير بطريق الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله (قَالَ‌ سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام عَمَّنْ نَسِيَ أَنْ يَسْجُدَ وَاحِدَةً، فَذَكَرَهَا وَهُوَ قَائِمٌ؟ قَالَ: يَسْجُدُهَا إِذَا ذَكَرَهَا وَلَمْ يَرْكَعْ، فَإِنْ كَانَ قَدْ رَكَعَ‌ فَلْيَمْضِ عَلَى صَلَاتِهِ، فَإِذَا انْصَرَفَ قَضَاهَا وَحْدَهَا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ سَهْوٌ)(2)، رواها الشَّيخ الصَّدوق رحمه الله بإسناده عن ابن مسكان عن أبي بصير، ولم يروها بإسناده عن أبي بصير، حتَّى يقال: إنَّ إسناده إلى أبي بصير ضعيف!

نعم، هي ضعيفة بطريق الشَّيخ بمحمَّد بن سنان.

ثمَّ إنَّه يترتَّب على تدارك المنسيّ حذف ما أتى به من قراءة أو تسبيح قبل تذكُّر النقص، وإعادته بعد تدارك المنسي، حتَّى يضع كلَّ شيءٍ في موضعه.

وأيضاً هذا هو الذي تقتضيه الأدلَّة الدَّالَّة على وجوب الإتيان بأجزاء الصَّلاة مرتَّبة، وقد عرفت أنَّ مثل هذه الزَّيادة الواقعة سهواً لا تضرَّ بالصَّلاة، هذا كلُّه إذا كان المنسي سجدةً واحدةً.

وأمَّا إذا نسي السَّجدتَيْن، فالمعروف بين الأعلام أيضاً أنَّه يجب الرُّجوع ما لم يركع؛ ولكن حكي عن غير واحد من القدماء، كالشَّيخ المفيد في المقنعة، وأبي الصَّلاح الحلبي، وابن إدريس (رحمهم الله) القول: بالبطلان، وإنْ تذكَّر قبل الرُّكوع.

ولكنَّ الصَّحيح: هو ما ذهب إليه المشهور من وجوب التدارك إذا تذكَّر قبل أنْ يصل إلى حدِّ الركوع؛ لكونه سهواً عن ركن، ولم يتجاوز محلَّه.

وأمَّا أنَّه لم يتجاوز محلَّه، فلِمَّا عرفت أنَّ المراد بالمحلِّ -بالنسبة للنسيان- هو عدم الدُّخول في ركن آخر، وقد ذكر هذا المعنى أغلب الأعلام.

وفي الجواهر: («بل يمكن تحصيل الإجماع على ذلك، وفي مفتاح الكرامة في شرح قول العلَّامة: ولو ذكر في محلِّه أتى به»، قال: أي لو ذكر قبل الانتقال إلى ركن أتى به، وصحَّت الصَّلاة؛ لأنَّه لا يؤثِّر خلالاً ولا إخلالاً بماهية الصَّلاة، كما في المعتبر، وقد قطع بذلك الأصحاب، بل يدلُّ عليه أيضاً الإجماع على تدارك السَّجدة الواحدة، كما تسمع؛ إذ احتمال كون المحلِّ للسَّجدة الواحدة غيره للاثنين تعسُّف بارد...)، انتهى كلام صاحب الجواهر رحمه الله.

وأمَّا ما حُكي عن الشَّيخ المفيد وأبي الصَّلاح وابن إدريس (رحمهم الله) من القول بالبطلان، فقد يستدلُّ لهم بدليلَيْن:

الأوَّل: الرِّوايات الدَّالَّة على بطلان بنسيان السُّجود، خرج منها نسيان السَّجدة الواحدة بالنصِّ، والتسالم بين الأعلام، وبقي الباقي.

وفيه: أنَّ نسيان السُّجود الموجب للإعادة هو الذي يكون الإخلال به إخلالاً بالماهية، ولا إخلال مع التدارك، بل تخلُّل المنافي.

الثاني: صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليه السلام (قَالَ: لَا تُعَادُ الصَّلَاةُ إِلَّا مِنْ خَمْسَةٍ: الطَّهُورِ، وَالْوَقْتِ وَالْقِبْلَةِ، وَالرُّكُوعِ، وَالسُّجُودِ...)(3)، وقد تقدَّم.

وفيه: أنَّ المراد من هذا الحديث الشَّريف أنَّ مَنْ ترك واحداً من هذه الخمسة مطلقاً تُعاد فيه الصَّلاة، لا في مثل المقام الذي يعاد فيه إلى السُّجود.

والخلاصة: أنَّ القول بالبطلان بمجرد حدوث النسيان غير تامٍّ.

ثمَّ إنَّ المعروف بين الأعلام أيضاً أنَّه لا إشكال في عدم وجوب الجلوس قبل السُّجود المتدارك، حيث يكون المنسيُّ السَّجدتَيْن، بل وكذا إذا كان المنسيُّ سجدةً واحدةً، وكان قد جلس الجلسة الواجبة بعد رفع رأسه من السُّجود.

وأمَّا إذا جلس بنيَّة أنَّه للاستراحة، لزعمه الفراغ من السَّجدتين، فقد ذكر جماعة من الأعلام أنَّه يكتفى به أيضاً لحصول الواجب به، وهو الإنصاف.

ونيُّته أنَّه للاستراحة لا تخرجه عن ذلك؛ لأنَّ قصد النَّدب لا يمنعه عن وقوعه بصفة الوجوب، وقد عرفت في أكثر مناسبة عدم مدخليَّة صفتي الوجوب والنَّدب في تحقُّق المطلوب.

والخلاصة: أنَّه من باب الخطأ في التطبيق، ومثله لا يضرُّ؛ هذا كلُّه إذا كان قد جلس بعد رفع رأسه من السُّجود.

وأمَّا إذا لم يكن قد جلس، فقد ذكر جماعة من الأعلام أنَّه يجب عليه الجلوس حينئذٍ؛ لكون الجلوس فعلاً من أفعال الصَّلاة يجب الإتيان به كغيره من الأفعال.

وحُكي عن الشَّيخ رحمه الله، وجماعة من الأعلام، منهم العلَّامة رحمه الله في المنتهى، أنَّه لا يجب الجلوس للإخبار المتقدِّمة الآمرة بالسُّجود من غيرِ استفصال.

وقد يستدلُّ لهؤلاء الجماعة أيضاً: بأنَّ الواجب هو الفصل بين السَّجدتين، وقد تحقَّق بالقيام.

بل قد يقال: إنَّه غير قابل للتدارك؛ لأنَّ وجوبه مقيَّد بحال رفع رأسه من السَّجدة، وقد فات محلَّه بالقيام.

_______________

(1)و(2) الوسائل باب14 من أبواب السجود ح1و4.

(3) الوسائل باب10 من أبواب الركوع ح5.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo