< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

41/01/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: أحكام الخلل(45)

 

الرَّابع: يشترط في الاحتياط النيَّة، وجميع ما يعتبر في الصَّلاة، وقراءة الفاتحة وحدها إخفاتاً(1)

_______________

(1) قال المصنِّف (رحمه الله) في الذِّكْرَى: ©لا بُدَّ في الاحتياط من النيَّة وتكبيرة الإحرام، وجميع شرائط الصَّلاة، وأركانها؛ لأنَّه إمَّا جُزء من الصَّلاة أو صلاة منفردة، فيجب فيه مراعاة ما يعتبر في الصَّلاة...®.

وفي الجواهر: ©لا بُدَّ في صلاة الاحتياط من النيَّة وتكبيرة الإحرام، كما صرح به جماعة، بل لا أجد فيه خلافاً، بل عن الدرة: الإجماع عليه، فلا يكتفى باستدامة نية الصَّلاة وتكبيرتها... ®.

أقول: إنَّ هذه الصَّلاة -أعني صلاة الاحتياط- حيث إنَّها مردَّدة في الواقع بين أن تكون جُزءاً متمِّماً للصَّلاة، وبين أن تكون نافلةً مستقلَّةً، فلا بُدَّ وأنْ يُراعى فيها كلتا الجهتين -أعني جهة الجزئيَّة وجهة الاستقلال-.

وعليه، فبلحاظ جهة الاستقلال لا بُدَّ من النيَّة وتكبيرة الإحرام، وقراءة الفاتحة؛ كما أنَّه لا بد من رعاية شرائط الصَّلاة في هذه الصَّلاة، من الستر والاستقبال والطَّهارة من الحدث والخبث، ونحو ذلك، سواء أكانت نافلةً مستقلَّةً، أم جزءاً من الصَّلاة الأصليَّة.

نعم، لا يعتبر في هذه الصَّلاة سورة، بل يكفي الفاتحة وحدها، وذلك للتسالم بينهم على عدم اعتبارها.

مضافاً: لخلوِّ النصوص عنها، مع تعرُّضها للفاتحة، وكونها في مقام البيان، ولو كانت معتبرةً لذُكِرت مع الفاتحة.

والخلاصة: أنَّ هناك تسالماً بين جميع الأعلام قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار، على اعتبار تكبيرة الإحرام والفاتحة؛ كما أنَّ هناك تسالماً على عدم اعتبار السُّورة.

ولكن حُكِي عن القطب الراوندي (رحمه الله) التصريح بكون مسألة النيَّة وتكبيرة الإحرام خلافيَّةً.

قال صاحب الحدائق (رحمه الله): ©إلَّا أنَّ بعض متأخِّري أصحابنا نقل عن القطب الرَّاوندي في شرح النِّهاية الطُّوسيَّة، أنَّه قال: من أصحابنا مَنْ قال: إنَّه لو شكَّ بين الاثنتين والأربع أو غيرهما من تلك الأربعة، فإذا سلَّم قام ليضيف ما شكَّ فيه الى ما يتحقق، قام بلا تكبيرة الإحرام ولا تجديد نيَّة، ويكتفى في ذلك بعلمه وإرادته؛ ويقول: لا تصحُّ نيَّة متردِّدة بين الفريضة والنافلة على الاستئناف، وإنَّ صلاةً واحدةً تكفيها نيَّة واحدة، وليس في كلامهم ما يدلّ على خلافه؛ وقيل: ينبغي أن ينوي أنَّه يؤدِّي ركعات الاحتياط قربةً الى الله، ويكبِّر ثمَّ يصلِّي؛ انتهى®.

ثمَّ قال صاحب الحدائق (رحمه الله): © وهذا القول، وإن لم يشتهر نقله بين الأصحاب، إلَّا أنَّ إطلاق الأخبار المتقدِّمة في الأمر بالاحتياط يعضده، فإنَّ أقصى ما تضمَّنته تلك الأخبار أنَّه يقوم ويركع ركعةً أو ركعتين من قيام أو جلوس، وليس فيها على تعدُّدها وكثرتها تعرُّض لذِكْر تكبيرة الإحرام، كما لا يخفى على مَنْ راجعها، مع اشتمالها على قراءة الفاتحة والتشهد والتسليم؛ والمقام فيها مقام البيان؛ لأنَّها مسوقة لتعليم المكلَّفين، فلو كان ذلك واجباً لذُكِر ولو في بعض، كما ذكر غيره ممَّا أشرنا اليه؛ والذي وقفتُ عليه من عبائر جملة من المتقدِّمِين و جُلِّ المتأخِّرِين خالٍ من ذِكْر التكبير أيضاً®.

ثمَّ ذكر صاحب الحدائق (رحمه الله) رواية زيد الشحَّام -التي سنذكرها إنْ شاء الله تعالى- والتي هي ظاهرة في اعتبار تكبيرة الإحرام في صلاة الاحتياط؛ وقال: ©وحينئذٍ فيمكن أن تخصص تلك الأخبار بهذا الخبر...®.

أقول: ما ذكره القطب الراوندي (رحمه الله) -من أنَّه لا تصحُّ نيَّة متردِّدة بين الفريضة والنافلة على الاستئناف- فهذا غريب منه؛ إذ لا إشكال في صحَّة نيَّة المأمور به واقعاً، سواء في ذلك فريضةً كانت أم نافلةً؛ وهل الاحتياط إلَّا ذلك؟ فينوي حينئذٍ الرِّكعة المردَّدة بحسب الواقع بين كونها تداركاً على تقدير نقص الصَّلاة، ونافلةً على تقدير كونها تامَّة، وهذا هو واقع الاحتياط.

وأمَّا قوله: ©إنَّ صلاة واحدة تكفيها نيَّةً واحدةً®.

فيرد عليه: أنَّ هذا يتمُّ لو كانت صلاةً واحدةً، ولكنَّه ممنوع؛ لاحتمال كون المأتي به صلاة أخرى نافلةً مستقلِّةً عن الصَّلاة الأصلية؛ لِما عرفت أنَّ المأتي به مردَّد بحسب الواقع بين كونه جُزءاً من الصَّلاة الأصليَّة، أو نافلةً مستقلِّةً.

ويرد على صاحب الحدائق (رحمه الله): أنَّ ظاهر النصوص المتقدِّمة الآمرة بصلاة الاحتياط، هي كونها صلاة مستقلِّة عن الأُولى، واقعةً بعد اختتامها بالتسليم، ومأموراً بها بأمرٍ على حِدَة، بتشهُّدٍ وتسليم مختصٍّ بها.

ومن المعلوم أنَّه لا صلاة بغير افتتاح، كما دلَّت عليه النصوص الكثيرة، كما لا عمل إلَّا بنيَّة، كما في الرِّوايات الكثيرة.

وأمَّا رواية زيد الشحَّام التي ذكرها صاحب الحدائق (رحمه الله)، وذكرناها سابقاً © قَالَ: سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ صَلَّى الْعَصْرَ سِتَّ رَكَعَاتٍ، أَوْ خَمْسَ رَكَعَاتٍ؟ قَالَ: إِنِ اسْتَيْقَنَ أَنَّهُ صَلَّى خَمْساً أَوْ سِتّاً فَلْيُعِدْ، وَإِنْ كَانَ لَا يَدْرِي أَزَادَ أَمْ‌ نَقَصَ فَلْيُكَبِّرْ وَهُوَ جَالِسٌ، ثُمَّ لْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ، يَقْرَأُ فِيهِمَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ، ثُمَّ يَتَشَهَّدُ...®(1)([1] ) ، فلولا ضعفها سنداً بأبي جميلة، وبالإضمار، لكانت دالَّةً على اعتبار التكبير في صلاة الاحتياط.

ولا ينافي ذلك عدم العمل في موردها؛ إذ لا موجب لصلاة الاحتياط هنا؛ لِعدم احتمال النقص، إلَّا أنَّك عرفت إمكان التفكيك بين مداليل الدَّليل في الحجيَّة وعدمها.

بقي في المقام إشكال، وحاصله: أنَّ الإتيان بالتكبير -أي تكبيرة الافتتاح- ينافي رعاية الجزئيَّة؛ إذ على تقدير كون المأتي به جزءاً للصَّلاة الأصليَّة تقع تكبيرة الإحرام زائدةً، وهي ركن تبطل الصَّلاة بزيادتها ولو سهواً.

وفيه أوَّلاً: منع تحقُّق الجزئيَّة لو صادف النقص؛ لأنَّه قصد بها صلاة الاحتياط المحتمل كونها صلاةً جديدةً، ولم يقصد بها كونها جزءاً للصَّلاة الأصليَّة، فلا تتحقق الجزئيَّة.

وثانياً: لو سلَّمنا ذلك إلَّا أنَّ هذه الزِّيادة اغتفرها الشَّارع المقدَّس هنا كما اغتفر زيادة الرُّكن في غير مقام -كما في صلاة الجماعة- ترجيحاً لجانب النفليَّة على الجزئيَّة.

وأمَّا ما ذكره المصنِّف (رحمه الله) هنا وفي البيان -من وجوب الإخفات في الحَمْد- فلا دليل عليه إلَّا المراعاة؛ لكونها بدلاً عن الثالثة والرَّابعة.

ولكنَّك عرفت عند الكلام عن الرِّكعتين الأخيرتين أنَّ مقتضى الصِّناعة العلميَّة هو التخيير بين الإخفات والجهر في الركعتين الأخيرتين، سواء اختار التسبيح أم القراءة، وقلنا سابقاً: إنَّ الأحوط وجوباً هو الإخفات، سواء اختار القراءة أم التسبيح، فراجع(1)([2] )

 


[1] () الوسائل باب14 من أبواب الخلل الواقع في الصَّلاة ح5.
[2] () مسالك النفوس، الصَّلاة: م4 / ص29.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo