< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

44/11/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

 

الفائدة الثَّالثة: حِكْمة فرض الصِّيام.

ففي صحيحة هشام بن الحكم ©أنَّه سأل أبا عبد الله(عليه‌السلام) عن علة الصِّيام؟ فقال: إنَّما فرض الله الصِّيام ليستوي به الغنيّ والفقير، وذلك أنَّ الغنيّ لم يكن ليجد مسّ الجُوع فيرحم الفقير، لأنَّ الغني كُلّما أراد شيئاً قدر عليه، فأراد الله تعالى أنْ يسوي بين خلقه، وأنْ يُذيق الغنيّ مسّ الجُوع، وإلَّالم ليرقّ على الضَّعيف، ويرحم الجائع®(1).

ورُوي عن الحسن بن عليّ بن أبي طالب (عليه‌السَّلام) ©أنَّه قال: جاء نفر مِنَ اليهُود إلى رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) فسأله أعلمهم عن مسائل، فكان فيما سأله أنَّه قال له: لأيّ شيءٍ فرض الله الصَّوم على أُمَّتك بالنَّهار ثلاثين يوماً، وفرض الله على الأُمم أكثر من ذلك؟ فقال النَّبيّ(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم): إنَّ آدم لمَّا أكل من الشَّجرة بقي في بطنه ثلاثين يوماً، ففرض الله على ذُريَّته ثلاثين يوماً الجوع والعطش، والَّذي يأكلونه باللَّيل تفضَّل من الله عليهم، وكذلك كان على آدم (عليه‌السلَّام)، ففرض الله ذلك على أُمَّتي، ثمَّ تلا هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ...}، قال اليهُوديّ: صدقت يا محمَّد! فما جزاء من صامها؟ قَاْل: فقال النَّبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم): ما من مُؤمنٍ يصوم شهر رمضان احتساباً إلَّا أوجب الله تبارك وتعالى له سبع خِصال: أوَّلها: يذوب الحرام في جسده، والثَّانية: يقرب من رحمة الله عزَّوجلّ، والثَّالثة: يكون قد كفَّر خطيئة آدم أبيه، والرَّابعة: يهوّن الله عليه سَكَرات الموت، والخامسة: أمان من الجُوع والعطش يوم القيامة، والسَّادسة: يُعطيه الله براءة من النَّار، والسَّابعة: يطعمه الله من طيّبات الجنَّة، قَاْل: صدقت يا محمَّد!®(2).

ولكنَّها ضعيفة في الفقيه بوجود اثنَيْن من أحفاد البرقيّ في السَّند، وهما مُهملان.

كما أنَّها ضعيفة بعدم وثاقة أبي الحسن عليّ بن الحُسين البرقيّ، وبجهالة الحسن بن عبد الله.

كما أنَّها ضعيفة في العِلل والخِصال والمجالس بعدم وثاقة أبي الحسن عليّ بن الحسين البرقيّ، وجهالة الحسن بن عبد الله.

والخلاصة: أنَّ ما ورد في فضل الصَّوم وفوائده أكثر ممَّا يُحصى فضلاً عمَّا ورد في خُصوص شهر رمضان منه، ورجب، وشعبان، ويوم الغدير، وأيام البيض، وكلُّ خميس وجمعة واثنين، وثلاثة أيام من كلِّ شهرٍ، فإنَّ الرِّوايات الواردة في هذه الأيام الثَّلاثة متواترةً، وفي الصِّحاح والحِسان.

والأفضلُ في كيفيَّتها: أوَّل خميسٍ في العشر الأُولى من الشَّهر، وآخر خميسٍ في العشر الثَّالثة منه، وأوَّل أربعاء من العشر الأواسط.

وهذه الأيام الثَّلاثة تتلو شهر رمضان من حيث الفضل، بل ورد أنَّها صوم الدَّهر، فهنيئاً لِمَنْ يوفق لصيامها.

أضف إلى ذلك: أنَّ في الصَّوم من الحِكم العجيبة والأسرار الغريبة من معرفة عِظَم فضل الله في المأكل والمَشْرب والمنكح، وغير ذلك، ممَّا لا يخفى على مَنْ كان مسرح عقله الخوض في حُكم الله، ومُراعاة أسراره على تفاوت النَّاس في هذه المرتبة حتَّى تنتهي إلى أهل العصمة (عليهم‌السَّلام)، فإنَّهم يعرفون ما فيه من الأسرار ما لا يعرفه غيرهم.

الفائدة الرَّابعة: وجوب الصَّوم في شهر رمضان ثابت بالكتاب والسُّنّة، والتَّسالم بين جميع المسلمين، بل وجوبه من ضروريات الدِّين.

أمَّا الكتاب المجيد، فقوله تعالى: {عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ -الآية-}.

وأمَّا السٌّنة النَّبويّة، فمتواترة، وفي بعض الرِّوايات أنَّه ممَّا بُني عليه الإسلام.

كما في حسنة زرارة المتقدِّمة عن أبي جعفر (عليه‌السَّلام) ©قَاْل: بُني الإسلام على خمسة أشياءَ: على الصَّلاةِ، والزَّكاةِ، والحجِّ، والصَّومِ، والولايةِ®(3).

والمراد من الصَّوم هو صوم شهر رمضان المبارك.

وأمَّا التَّسالم بين المسلمين، فهو واضح، بل وجوب صوم شهر رمضان المبارك من ضروريَّات الدِّين.

وعليه، فمُنكره منكرٌ للضَّروريّ، فيجري عليه حُكمه، وقد تقدَّم في مبحث نجاسة الكافر في كتاب الطَّهارة، هل إنكار الضَّروريّ مُطلقاً يُوجب الكُفر، أو بشرط علم المُنكر بأنَّه من الدِّين، بحيث يرجع إنكاره إلى تكذيب النَّبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله)، فراجع، فإنَّه مهمّ.

الفائدة الخامسة: اِختلف في رمضان، فقيل: إنَّه اسم من أسماء الله تعالى.

وعلى هذا، فمعنى شهر رمضان شهر الله، وقد ورد في ذلك عدَّة رواياتٍ:

منها: رواية سعد عن أبي جعفر (عليه‌السَّلام) ©قَاْل: كنَّا عنده ثمانية رجال فذكرنا رمضان، فقال: لا تقولوا هذا رمضان، ولا ذهب رمضان، ولا جاء رمضان، فإن رمضان اسم من أسماء الله عزّوجلّ لا يجيء ولا يذهب، وإنَّما يجيء ويذهب الزَّائل، ولكن قولوا : شهر رمضان، فالشَّهر مضاف إلى الاسم، والاسم اسم الله عزَّ ذكره، وهو الشَّهر الَّذي أُنزل فيه القرآن، جعله مثلاً (وعيدًا) ووعيداً®(4).

وهي ضعيفة؛ لأنَّ سعد بن ظريف، وهو سعد الخفاف لم تثبت وثاقته عندنا، وقول الشَّيخ: ©إنَّه صحيح الحديث® لا يدلّ على التَّوثيق؛ لأنَّ الصِّحَّة عند المتقدِّمِين بمعنى صُدور الحديث لقرائن، وهو أعمّ من التَّوثيق.

ومنها: مُعتبرة غياث بن إبراهيم عن أبي عبد الله عن أبيه (عليه‌السَّلام) ©قَاْل: قَاْل أميرُ المؤمنين(عليه‌السَّلام): لَاْ تقولوا: رَمَضَان، ولكنْ قُولُوا: شهرُ رمضان، فإنَّكُمْ لَاْ تدرُون ما رَمَضَان®(5).

ومنها: ما رواه في الوسائل عن عليّ بن موسى بن طاووس في كتاب الإقبال نقلاً من كتاب الجعفريات.

قال صاحب الوسائل (رحمه الله): ©وهي ألف حديث بإسناد واحد عظيم الشَّأن إلى مولانا موسى بن جعفر (عليه‌السَّلام)، عن آبائه، عن عليٍّ (عليهم‌السَّلام) قَاْل: لا تقولوا: رمضان، فإنَّكم لا تدرون ما رمضان؟ فمَنْ قاله فَلْيتصدَّق وليَصُمْ كفَّارةً؛ لقوله: ولكن قُولُوا كما قال الله عزَّوجلّ: شهر رمضان®(6).

وفيه: أنَّ هذا الإسناد لا يُوجد فيه شيءٌ من العظمة، فإنَّ موسى بن إسماعيل الموجود في السَّند مجهول.

هذا، مع قطع النَّظر عن إسماعيل والده، وكذا غيرها.

ولا يخفى أنَّ النَّهي في هذه الرِّوايات محمولٌ على الكراهيَّة.

وعليه، فقوله: ©فَلْيتصدَّق، وَلْيصُم كفَّارة®، محمولٌ على الاستحباب.

ثمَّ إنَّ هناك قولاً: بأنَّ رمضان علمٌ للشَّهر، كرجب وشعبان، ومنع الصَّرف للعلميّة، والألف والنون.

ولكنَّ القول الأوَّل الَّذي دلَّت عليه الرِّوايات هو الأقوى.

 

______________

(1) الوسائل باب1 من أبواب وجوب الصَّوم ونيّته ح1.

(2) الوسائل باب1 من أبواب أحكام شهر رمضان ح4.

(3) الوسائل باب1 من أبواب الصوم المندوب ح1.

(4)و(5)و(6) الوسائل باب19 من أبواب أحكام شهر رمضان ح2و1و3.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo