< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

44/11/03

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

قوله: (وهو توطين النَّفس لله على ترك الثَّمانية)

قال في المدارك: ( الصَّوم في اللُّغة هو الإمساك، قال ابن دريد: كلُّ شي‌ءٍ سكنت حركته فقد صام صوماً، وقال أبو عبيدة: كلُّ ممسكٍ عن طعام أو كلام أو سير فهو صائم، وقال في القاموس: صام صوماً وصياماً واصطام، أمسك عن الطَّعام والشَّراب والكلام والنِّكاح، وقدِ استعمله الشَّارع في معنى أخصّ من المعنى اللُّغويّ وصار حقيقةً عند الفُقهاء، واختلفت عباراتهم في تعريفه، فعرَّفه المصنِّف بأنَّه الكفُّ عن المُفطِّرات مع النِّية، فالكفُّ بمنزلة الجنس، وقوله: عن المفطرات، كالفصل، يخرج به الكف عن غيرها، ومع النية، فصل آخر يخرج به الكفّ عن المُفطِّرات بدون النِّية، فإنَّه لا يُسمى صوماً شرعيّاً...).

وعرَّفه المصنِّف (رحمه‌الله) في اللُّمعة بأنَّه (هو الكفُّ عن الأكل والشرب مطلقًا...).

وعرفه في البيان: بأنَّه (لغة الإمساك المُطلق، وشرعاً إمَّا الإمساك عن المُفطِّرات مع النِّية، فيكون تخصيصاً للمعنى اللُّغويّ، والنِّية شرطاً، أو توطين النَّفس على الإمساك عنها، فيكون نقلاً عن المعنى اللُّغويّ والنِّية جُزء...).

وإنَّما كانت النِّية شرطاً في الأوَّل -أي الإمساك عن المفطرات مع النِّية- لكون الصَّوم هو نفس الكفّ مع نيّة القُربة، أي أنَّها شرط للكفّ، لا الكفّ والنِّية معاً.

وإنَّما كانت جُزءاً من الثَّاني -الَّذي هو توطين النَّفس على الإمساك عنها- لكون التَّوطين نفس النِّية، وعن المُفطِّرات جُزء آخر.

وعرَّف المصنِّف (رحمه الله) الصَّوم هنا -أي في الدُّروس- بأنَّه (توطين النَّفس لله على ترك الثَّمانية...).

وعرَّفه العلَّامة (رحمه الله) في القواعد: بأنَّه (توطين النَّفس على الامتناع عن المُفطِّرات مع النِّية...).

ولا يخفى أنَّ هذه التَّعاريف لا تخلو من الإشكال عليها:

فمَنْ عرَّف الصَّوم: بأنَّه الكفّ عن المُفطِّرات، فقد أشكل عليه: بأنَّ مَنْ أكل ناسيًا للصَّوم صحَّ صومه، مع أنَّه لم يكفّ عن المُفطِّرات.

وأيضاً، فإنَّ المُفطِّر عبارة عن مُفسد الصَّوم.

وعليه، فتعريف الصَّوم بأنَّه الكفّ عن مُفسد الصَّوم يلزم منه الدَّور؛ لأخذ الصَّوم في تعريفه.

وأمَّا مَنْ عرَّفه بأنَّه توطين النَّفس على الإمساك عنها، أو توطين النَّفس لله على ترك الثَّمانية.

فقد أشكل عليه: بأنَّ التَّوطين نفس النِّيّة، والصَّوم غير النِّيّة.

والإنصاف -كما ذكرناه في أكثر من مناسبة-: أنَّ هذه التَّعاريف وأمثالها ليست تعاريف حقيقيّةً بالحدّ والرَّسم التَّامَيْن، وإنَّما هي تعاريف لفظيّة يُراد منها شرح الاسم، ومُجرَّد تصوُّره في الجملة، فلا موقع لهذه الإشكالات.

وإن كان الأقرب في تعريفه أنْ يُقال: إنَّه ترك المُفطِّرات بداعٍ قُربيٍّ، ولا مانع من تعلُّق التَّكليف بالتَّرك، فإنَّ التَّرك، وإنْ كان أمراً عدميّاً -بخلاف الكفّ، حيث إنَّه أمر وجوديّ- إلَّا أنَّ التَّرك مقدورٌ للمُكلَّف؛ باعتبار استمراره، إذ له أن يفعل الفعل فينقطع استمرار العدم، وأن لا يفعله فيستمر.

وعليه، فيكون مقدوراً.

ثمَّ إنَّه لا بُدّ من الجواب عن إشكال كيفيّة صِدْق الصَّوم على مَنْ أكل وشرب ناسياً للصَّوم، مع أنَّه لم يكفِ عن المُفطِّرات، أو لم يتركها.

والجواب عنه: أنَّ مَنْ أكل أو شرب للصَّوم، فهو، وإن لم يكن صائماً حقيقةً، إلَّا أنَّ الشَّارع المقدَّس نزَّله منزلة الصَّائم؛ حيث حكم بصحَّة صومه، ولم يُوجب عليه القضاء، فهو بحُكم الصَّائم، ولا مانع من الالتزام بذلك.

ثمَّ إنَّه لا يجب معرفة أنَّه الكفّ أو التَّرك، وإلَّا لزم بطلان صوم أكثر النَّاس إن لم يكن جميعهم.

نعم، هو بحث علميّ محض.

كما أنَّه يكفي في حصول النِّيّة المُعتبرة في صحَّة الصَّوم العزم إجمالاً على ترك المُفطِّرات، وإن لم يعرف جميعها الَّذي تصوّره إجمالاً، وإن لم يعرف أنَّ التّقيُّؤ والاحتقان أو الجناية أو الكذب على الله ورسوله والأئمَّة(عليهم السَّلام جميعاً)، ممَّا يضرّ بالصَّوم، فلم يعزم على ترك مثل هذه الأشياء، وإنَّما عزم على ترك الأكل والشُّرب، ولكنَّه ناوٍ إجمالاً الصَّوم الصَّحيح المشروع، فإنَّ مَنْ ترك الأكل والشُّرب بهذا العزم، وترك سائر المُنافيات أيضاً من باب الاتِّفاق، فيصحّ صومه؛ لأنَّ عزمه على الصوم المشروع يجعل مثل هذه التُّروك مُلحقاً بالتَّرك مع العزم.

ولو لم نقل بكفاية ذلك للزم بطلان صوم أغلب العوام الَّذين لا يعلمون بمفطريّة بعض المُفطِّرات، أو الكثير منها، وهو ممَّا لا يمكن الالتزام به.

والخُلاصة: أنَّه لا دليل على اعتبار أزيد من مثل هذا القصد في صحَّة الصَّوم.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo