< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

44/11/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

 

أضف إلى ذلك: لو تمَّت دعوى الانصراف لكان ذلك مُختلفاً باختلاف الأزمنة والأمكنة، فيكون مُفطراً في أحدهما دون الآخر، وهو مقطوع بعدمه في الشَّريعة الإسلامية.

ومنها: صحيحة محمد بن مسلم ©قَاْل : سمعتُ أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول : لا يضرُّ الصَّائمُ ما صَنَعَ إذا اجتنب ثلاث خِصَال: الطَّعامَ والشَّرابَ، والنِّساءَ، والارتماسَ في الماءِ®(1).

وفي بعض النِّسخ أربع خصالٍ بدل ثلاث.

ومهما يكن، فقدِ استدلّ بها على منع صدق الطِّعام والشَّراب على غير المُعتاد منهما.

وهذه الصَّحيحة تُقيّد إطلاق ما دلّ على لُزوم الاجتناب عن الأكل والشُّرب، وإن كان لغير المُعتاد منهما.

وهذا الإطلاق حاصلٌ من حذف المُتعلّق، فإنَّه يقتضي المنع عن كلِّ ما يتعلَّق به الأكل والشُّرب، ولكنَّه يقيَّد بالصَّحيحة، ويُحمل على الأكل والشرب المعتادَيْن.

وفيه: أنَّه لا إطلاق للصَّحيحة من هذه الجهة.

وبعبارة أخرى: أنَّها ليست في مقام البيان من هذه الجهة، وإنَّما هي في مقام بيان أنَّ غير هذه الأمور المذكورة في الصَّحيحة لا يفطر الصَّائم، إلَّا ما استثني.

ومنها: رواية مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) عن آبائه (عليهم‌السَّلام) ©أنَّ عليا (عليه‌السَّلام) سُئِل عَنِ الذُّباب يدخلُ حَلْقَ الصَّائم، قَاْل: ليس عليه قَضَاءٌ؛ لأنَّه ليس بطعامٍ®(2).

وفيها أوَّلاً: أنَّها ضعيفة بعدم وثاقة مسعدة بن صدقة.

وثانياً: لا يُفهم منها أنَّه لو أكل الذُّباب اختياراً بكميّة كبيرة حتَّى شبع، لا يبطل بذلك صومه، فإنَّ الذُّباب كسائر الحشرات، فلو فُرِض أنَّ شخصاً أكل منها اختياراً حتَّى شبع فإنَّه يبطل صومه حتماً.

وعليه، فالمراد منها أنَّه في مثل هذا الفرض -وهو دُخُول الذُّباب إلى الحلق- ليس بطعام؛ وذلك لأنَّ دخول الذُّباب إلى الحلق اتِّفاقاً، وبغير اختياره، لا يكون من الأكل والطَّعام في شيء؛ لأنَّ المُفطِّر هو تعمُّد أكل المُفطِّرات.

وأمَّا الأكل والشُّرب سهواً ونسياناً، وبغير الاختيار، لا يضرّ في صحَّة الصَّوم.

ومنها: صحيحة محمَّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه‌السَّلام) ©في الصَّائم يكتحل؟ قَاْل: لَاْ بأسَ بهِ، لَيْسَ بطعامٍ، ولَاْ شرابٍ®(3).

ومثلها رواية ابن أبي يعفور ©قال: سألتُ أبا عبد الله عع عن الكحل للصائم؟ فقال: لا بأس به®(4).

ولكنَّها ضعيفة بعدم وثاقة الحسين بن أبي غندر، فالتَّعبير عنها بالصَّحيحة في غير محلِّه.

وجه الاستدلال بهاتَيْن الرِّوايتَيْن: هو تعليل نفي البأس عن الاكتحال بأنَّه ليس بطعام؛ إذِ المُضرّ بالصَّوم هو الطَّعام، فما لم يصدق عليه الطَّعام لا يضرّ بالصَّوم، وإنْ صدق عنوان الأكل، كما لو أكل غير المعتاد.

وفيه: أنَّ قوله (عليه السَّلام) في الصَّحيحة: ©لا بأس به، ليس بطعام®، يُريد به أنَّ الاكتحال ليس أكلاً، أي أنَّه ليس مصداقاً للأكل؛ لا أنَّ الكُحل ليس طعاماً، وبما أنَّه ليس طعاماً فلا يضر بالصوم؛ إذ قد يفرض أنَّ الكحل طعام، كما لو اكتحل بطحين الحنطة أو اكتحل بالعسل فهل يبطل صومه حينئذٍ لأنَّه طعام؟ والجواب أنَّه لا يبطل، وإنِ اكتحل بالطَّعام.

ثمَّ إنَّه لو سُلِّم ظُهور هذه الرِّوايات في نفي البأس عن أكل ما لا يُعتاد أكله، وقطعنا النَّظر أيضاً عن ضعف السَّند في بعضها، إلَّا أنَّه لا مجال للعمل بها؛ وذلك للتَّسالم بين المسلمين على مُفطريّة أكل وشرب غير المُعتاد أكله وشربه، والله العالم.

 

قوله: (والجُماع قُبلاً أو دُبراً لآدمي وغيره)

قال (رحمه‌الله) في المدارك: ©أمَّا تحريم الجُماع على الصَّائم في القُبل، وكونه مُفسداً للصَّوم، فموضع وفاق بين المُسلمين...®.

أقول: تسالم الأعلام قديماً وحديثاً على تحريم الجُماع على الصَّائم في القُبل، وكونه مُفسداً للصَّوم، وإن لم يُنزِل.

وفي الجواهر: ©إجماعاً بين المسلمين، فضلاً عن المؤمنين بقسمَيْه، مُضافاً إلى الكتاب والسُّنّة...®.

أقول: يدلُّ عليه -مضافاً للتَّسالم بين الأعلام- الكتاب المجيد، والسُّنة النَّبويّة الشَّريفة:

أمَّا الكتاب المجيد، فقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَائِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ-الآية-}، وهي ظاهرة جدّاً في وجوب الإمساك في اليوم بعد طُلوع الفجر عن جميع المذكورات التي أحلها الله تعالى في اللَّيل، وهي مباشرة النِّساء والأكل والشُّرب.

وفي أسباب نُزول الآية الشَّريفة، روى عليُّ بن إبراهيم في تفسيره مرفوعاً قال: ©حَدَّثَنِي أَبِي رَفَعَهُ قَالَ: قَالَ الصَّادِقُ (عليه السَّلام): كَانَ النِّكَاحُ وَالْأَكْلُ مُحَرَّمَيْنِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِاللَّيْلِ بَعْدَ النَّوْمِ، يَعْنِي كُلَّ مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ وَنَامَ وَلَمْ يُفْطِرْ، ثُمَّ انْتَبَهَ، حُرِّمَ عَلَيْهِ الْإِفْطَارُ، وَكَانَ النِّكَاحُ حَرَاماً فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) يُقَالُ لَهُ: خَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ الْأَنْصَارِيُّ، أَخُو عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُبَيْرٍ الَّذِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) وَكَّلَهُ بِفَمِ الشِّعْبِ يَوْمَ أُحُدٍ، فِي خَمْسِينَ مِنَ الرُّمَاةِ، فَفَارَقَهُ أَصْحَابُهُ، وَبَقِيَ فِي اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، فَقُتِلَ عَلَى بَابِ الشِّعْبِ، وَكَانَ أَخُوهُ هَذَا خَوَّاتُ بْنُ جُبَيْرٍ شَيْخاً كَبِيراً ضَعِيفاً، وَ كَانَ صَائِماً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) فِي الْخَنْدَقِ، فَجَاءَ إِلَى أَهْلِهِ حِينَ أَمْسَى، فَقَالَ: عِنْدَكُمْ طَعَامٌ؟ فَقَالُوا: لَا، نَمْ حَتَّى نَصْنَعَ لَكَ طَعَاماً، فَأَبْطَأَتْ أَهْلُهُ بِالطَّعَامِ، فَنَامَ قَبْلَ أَنْ يُفْطِرَ، فَلَمَّا انْتَبَهَ قَالَ لِأَهْلِهِ: قَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيَّ الْأَكْلَ فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ حَضَرَ حَفْرَ الْخَنْدَقِ، فَأُغْمِيَ عَلَيْهِ، فَرَآهُ رَسُولُ اللَّهِ (صلى الله عليه وآله) فَرَقَّ لَهُ، وَ كَانَ قَوْمٌ مِنَ الشَّبَابِ يَنْكِحُونَ بِاللَّيْلِ سِرّاً فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّوَجَلَّ {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى‌ نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَ أَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَ كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ‌}، وَأَحَلَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى النِّكَاحَ بِاللَّيْلِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالْأَكْلَ بَعْدَ النَّوْمِ إِلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ...®.

ولكنَّها ضعيفة بالرَّفع، إلا أنَّها دالَّة على أنَّ الله سبحانه وتعالى مَنَّ على المسلمين بأنْ وضع عنهم هذا التَّكليف، وأحلَّه لهم ليلة الصِّيام.

ومهما يكن، فإنَّ الآية الشَّريفة ولو بمعونة ما ورد في تفسيرها إنْ لم تكن نصّاً في المُدَّعى فهي ظاهرة جدّاً.

__________________

(1) الوسائل باب1 من أبواب ما يُمسك عنه الصَّائم ح1.

(2) الوسائل باب39 من أبواب ما يُمسك عنه الصَّائم ح2.

(3)و(4) الوسائل باب25 من أبواب ما يُمسك عن الصَّائم ح1و6.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo