< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

44/11/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

 

وأمَّا السُّنّة النَّبويّة الشَّريفة، فجملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة محمد بن مسلم المتقدِّمة (قَاْل: سمعتُ أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول: لا يضرُّ الصَّائمُ ما صَنَعَ إذا اجتنب ثلاث خِصَال: الطَّعامَ والشَّرابَ، والنِّساءَ، والارتماسَ في الماءِ)(1)، وكذا غيرها من الرِّوايات الكثيرة.

هذا كلُّه في الوطء في القُبل.

وأمَّا الجُماع في دُبر المرأة، قال في المدارك: (وأمَّا الوطء في الدُّبر، فإنْ كان مع الإنزال فلا خلاف بين العُلماء كافَّة في أنَّه مُفسد للصَّوم، وإنْ كان بدون الإنزال فالمعروف من مذهب الأصحاب أنَّه كذلك).

أقول: أمَّا الجُماع في دُبر المرأة مع الإنزال فممَّا لا شُبهة فيه، بل هناك تسالم بينهم.

وتدلَّ عليه أيضاً الرِّوايات الواردة في الاستمناء.

وأمَّا الجُماع في دُبرها بدون الإنزال، فهو كذلك أيضاً على المشهور، بل عن الخلاف والوسيلة الإجماع، وعن الغنية: (الإجماع على الفساد بالجنابة عمداً، فيدخل فيه الجُماع في دُبر المرأة ...).

أقول: يدل على ذلك عموم الآية الشَّريفة، وصحيحة مُحمَّد بن مسلم المتقدِّمة الدَّالّة على وجوب الاجتناب عن مُباشرة النِّساء التي يُكنى بها عن نكاحهن، وكذا غيرها من الرِّوايات التي وقع فيها الحُكم مُعلَّقاً على عنوان النِّكاح، أو الوطء، أو إصابة الأهل، ونحوها من العناوين الصَّادقة على الوطء في الدُّبر.

ففي صحيحة عبد الرَّحمان بن الحجّاج (قَاْل: سألتُ أبا عبدالله (عليه‌السلام) عَنِ الرَّجل يعبث بأهله في شهر رمضان حتَّى يُمني؟ قَاْل: عليه من الكفَّارة مثل ما على الَّذي يُجامع)(2).

ونحوها صحيحته الأُخرى عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) (قَاْل: سألتُه عن رجلٍ يعبثُ بامرأته حتَّى يُمني، وهو مُحرِم، من غير جُماع ، أو يفعل ذلك في شهر رمضان؟ فقال (عليه‌السلام): عليهما جميعاً الكفَّارة مثل ما على الَّذى يُجامع)(3).

وفي موثَّقة سُماعة (قَاْل : سألتُه عن رجلٍ أتى أهله في شهر رمضان مُتعمِّداً؟ قَاْل: عليه عتق رقبة، أو إطعام ستِّين مسكيناً، أو صوم شهرَيْن متتابعَيْن، وقضاء ذلك اليوم، ومن أين له مثل ذلك اليوم)(4)، فإنَّ عنوان الجماع، وإتيان الأهل صادقان على الوطء في الدبر.

وأمَّا دعوى: أنَّ هذه الرِّوايات منصرفةٌ إلى الوطء المُوجب للإنزال، أو خصوص الوطء في القُبل، فهو بدويٌّ يزول بالتّأمُّل بعد الالتفات إلى سببيّة نفس الجُماع من حيث هو للجنابة، والإفطار في الجملة، وأنَّ الدُّبر أحد المائتَيْن اللَّذَيْن رتَّب الشَّارع عليهما أحكام الجُماع.

وممَّا ذكرنا يتَّضح لك أنَّ الجُماع في دُبر المرأة يُفسد صومها أيضاً؛ إذِ الجُماع مُوجب لفساد صوم الطَّرفَيْن، لا خصوص الرَّجل.

وبالجملة، فإنَّه لا خلاف في ذلك مُعتدّاً به بين الأعلام.

وأمَّا مرسلة عليّ بن الحكم عن رجل عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) (إذا أتى الرَّجل المرأة في دُبرها، وهي صائمة، لا ينقض صومها، وليس عليها غُسْل)(5).

ونحوها مرفوعة أحمد بن محمد عن بعض الكوفيين يرفعه إلى أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) (في الرَّجل يأتي المرأة في دُبرها وهي صائمة، قَاْل: لا ينقض صومها، وليس عليها غُسْل)(6).

فلا يمكن العمل بها؛ لضعف:

الأولى: بالإرسال.

والثَّانية: بالإرسال، والرَّفع.

ويزيدهما ضعفاً إعراض الأصحاب عنهما.

مُضافاً لدعوى الإجماع على خلافهما، والله العالم.

وهل يفسد الصَّوم بوطء الغُلام والدَّابّة، أم لا؟

ولا يخفى أنَّ محلَّ الكلام هو فيما إذا لم يُنزل، وأمَّا مع الإنزال، فالأمر واضح.

إذا عرفت ذلك، فقد قال صاحب الجواهر (رحمه‌الله): ( ويجب الإمساك عن الجُماع في دُبر المرأة والغُلام والبهيمة وقُبلها على الأظهر الأشهر، بل المشهور، بل في الخلاف الإجماع على بعضه، قال: «إذا أدخل ذَكَره في دُبر امرأةٍ أو غُلامٍ كان عليه القضاء والكفَّارة ... دليلنا: إجماع الفِرقة وطريقة الاحتياط، ثمَّ قال: إذا أتى بهيمةً فأمنى كان عليه القضاء والكفَّارة، فإنْ أولج ولم يُنزل فليس لأصحابنا فيه نصٌّ، لكنَّ مقتضى المذهب أنَّ عليه القضاء؛ لأنَّه لا خلاف فيه، وأمَّا الكفَّارة فلا تلزمه؛ لأنَّ الأصل براءة الذِّمّة)، انتهى ما نقله صاحب الجواهر (رحمه‌الله) عن الشَّيخ (رحمه‌الله) في الخلاف.

وردَّ عليه ابن إدريس (رحمه الله) بقوله: (لمّا وقفت على كلامه كثر تعجبيّ، والَّذي دفع به الكفاَّرة، به يدفع القضاء، مع قوله: لا نصّ لأصحابنا فيه، وإذا لم يكن نصّ، مع قولهم (عليهم السَّلام): اسكتوا عمَّا سكت اللّه عنه، فقد كلَّفه القضاء بغير دليلٍ، وأيّ مذهبٍ لنا يقتضي وجوب القضاء، بل أصول المذهب تقتضي نفيه، وهي براءة الذِّمّة، والخبر المجمع عليه).

ومقتضى كلامه اختيار عدم القضاء، والكفَّارة فيه، فلا يكون مُفسداً للصَّوم.

والإنصاف في المسألة: هو ما ذكره المحقِّق (رحمه الله) في الشرائع من أنَّ الحُكم في المسألة يتبع وجوب الغسل، وعليه علَّق الحُكم بالبُطلان على كون ذلك مُوجباً للجنابة المُوجبة للغُسْل، وباقي الأحكام، فإنْ صدق على وطء الغلام، ووطء الدَّابّة عنوان الجنابة بطل الصَّوم حينئذٍ، وإلَّا فلا.

وهذا هو الصَّحيح، فإنَّ مَنْ تدبَّر في الرِّوايات الواردة في مَنْ أجنب مُتعمِّداً في شهر رمضان في ليلة أو نهاره، وفيمَنْ أصبح جُنباً مع ما في بعضها من تعليل نفي البأس عن الإصباح جُنباً بأنَّ جنابته كانت في وقت حلال الدَّالّ بمفهومه على عدم جواز الجنابة في اليوم، وفساد الصَّوم بها، لا يكاد يرتاب في أنَّ تعمُّد الجنابة كتعمُّد الأكل والشُّرب ناقضٌ للصَّوم.

وبما أنَّه ذكرنا في كتاب الطَّهارة في مبحث الجنابة أنَّه يصدق عنوان الجنابة على وطء الغلام، ولا يصدق هذا العنوان على وطء البهيمة، فعليه يجب الغُسْل وقضاء الصَّوم مع الكفَّارة في وطء الغلام، ولا يجب الغُسْل، ولا قضاء الصَّوم، ولا الكفَّارة في وطء البهيمة، وإن كان ذلك مُحرَّماً؛ وذلك لما قلناه من عدم صِدْق عنوان الجنابة على وطء الدَّابّة.

 

قوله: (على الأقرب)

فقوله: (على الأقرب)، راجع لحُكم وطء الذَّكر، ووطء البهيمة.

ولكنَّك عرفت ما هو الصَّحيح في المسألة.

 

قوله: (والاستمناء)

قال في المدارك: (المراد بالاستمناء: طلب الإمناء بغير الجُماع مع حصوله، لا مطلق طلبه وإن كان مُحرّماً أيضاً، إلَّا أنَّه لا يترتَّب عليه حُكم سوى الإثم...).

ونحوه عبارة صاحب الجواهر، ولكن سيأتي -إن شاء الله تعالى- أنَّ قصد المُفطِّر يُفسد الصَّوم، وإن لم يتَّفق حصوله.

ومهما يكن، فإنَّه لا إشكال في أنَّ قصد الإمناء مع حصوله مُفسدٌ للصَّوم.

 

_____________

(1) الوسائل باب1 من أبواب ما يُمسك عنه الصَّائم ح1.

(2)و(3) الوسائل باب4 من أبواب ما يُمسك عنه الصَّائم ح1و3.

(4) الوسائل باب8 من أبواب ما يُمسك عنه الصَّائم ح13.

(5)و(6) الوسائل باب12 من أبواب الجنابة ح4و3.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo