< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

44/11/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

ومنها: رواية سُليمان بن أبي زينبة ©قَاْل: كتبتُ إلى أبي الحسن موسى بن جعفر (عليه‌السّلام) أسأله عن رجلٍ أجنَبَ في شهرِ رمضانَ من أوَّل اللَّيل، فأخَّر الغُسْل حتَّى طلع الفجر؟ فكتب (عليه‌السلام) إليَّ بخطِّه أعرفه مع مُصادفٍ: يغتسلُ من جنابتِه، ويتمُّ صومَه، ولا شيء عليه®(1).

وفيها: أنَّه -مضافاً لضعفها لجهالة سُليمان بن أبي زينبة- يمكن حملها على التَّقيّة، ويمكن حملها أيضاً على أنَّ التَّأخير لم يكن عن عمد.

ومنها: صحيحة حبيب الخثعميّ عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) ©قَاْل: كَانَ رسولُ الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) يُصلِّي صلاةَ اللَّيلِ في شهرِ رمضانَ، ثمَّ يُجنِبُ، ثمَّ يُؤخِّرُ الغُسْل مُتعمِّداً حتَّى يطلعَ الفجرُ®(2).

ومنها: رواية إسماعيل بن عيسى ©قَاْل: سألتُ الرِّضا (عليه‌السَّلام) عن رجلٍ أصابته جنابةٌ في شهرِ رمضانَ، فنام حتَّى يصبحَ، أيُّ شيءٍ عليه؟ قَاْل: لا يضرُّه هذا (ولا يُفطر ولا يُبالي)، فإنَّ أبي (عليه‌السلام) قَاْل: قالت عائشة: إنَّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) أصبح جُنباً من جُماع غير احتلامٍ، قَاْل: لا يُفطر ولا يُبالي، ورجل أصابته جنابة فبقي نائماً حتَّى يُصبح، أيُّ شيءٍ يجب عليه؟ قَاْل: لَاْ شيءَ عليه، يغتسل...®(3).

وهي ضعيفة بعدم وثاقة سعد بن إسماعيل بن عيسى، وعدم وثاقة أبيه إسماعيل أيضاً.

ومنها: مرسلة الصَّدوق (رحمه الله) في المُقنع عن حمَّاد بن عثمان ©أنَّه سأل أبا عبد الله (عليه السَّلام) عن رجلٍ أجنبَ في شهرِ رمضانَ من أوَّل اللَّيل، وأخَّر الغُسْل حتَّى يطلعَ الفجرُ؟ فقال: كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) يجامعُ نساءه من أوَّل اللَّيل، ثمَّ يُؤخِّر الغُسْل حتَّى يطلعَ الفجرُ، ولا أقولُ كما يقولُ هؤلاءِ الأقشابِ*: يقضي يوماً مكانه®(4)، وهي ضعيفة بالإرسال.

والإنصاف: أنَّ هذه الرِّوايات الثَّلاث محمولةٌ على التَّقيّة، لاسيَّما أنَّ صحيحة حبيب الخثعميّ ظاهرها أنَّ النَّبيّ (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يداوم على هذا الفعل لمكان التَّبعير بـ (كان).

ولا يمكن أن يداوم رسولُ الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) على فِعْل المكروه.

ولا يُنافي في التَّقيّة النِّسبة إلى الأقشاب، بل الإنكار على هؤلاء الأقشاب هو مبالغة في التَّقيّة.

وبالجملة، فإنَّ ظاهر الرِّوايات تأخير الغُسْل إلى طُلوع الفجر أنَّه كان يفوته وقت الفضيلة بالنِّسبة لصلاة الصُّبح، وأيضاً فإنَّ ظاهر مرسلة الصَّدوق (رحمه الله) أنَّ صلاة اللَّيل كانت تفوته، مع أنَّها واجبة عليه اتِّفاقاً.

كلّ ذلك مع غضّ النَّظر عن حُرمة شهر رمضان ونوافله وإحياء ليلة بالعبادة، فهل يُعقل أنَّ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كان يُجنب أوَّل اللَّيل، ولا يغتسل إلى طُلوع الفجر، بل لا ينبغي أن يُنسب ذلك إلى المؤمن العادي، فضلاً عمَّنْ يُتأسَّى بأفعاله وأقواله، فلا إشكال أنَّ هذه الرِّوايات محمولةٌ على التَّقيّة.

والخلاصة: أنَّ أدلَّة المجوِّزين، لو فرضنا أنَّها تامَّة في حدّ نفسها، إلَّا أنَّها لمُخالفتها السُّنّة القطعيّة لا تكون حُجّةً.

ويُؤيِّد ذلك: إعراض الأعلام عنها.

وعليه، فما ذهب إليه المشهور هو الصَّحيح.

هذا بالنِّسبة لشهر رمضان، وهكذا الحال بالنِّسبة لقضائه، فالمشهور بين الأعلام عدم الفرق في الفساد بالبقاء على الجنابة عمداً بين صوم شهر رمضان وقضائه.

ولكنْ قال المحقِّق (رحمه الله) في المُعتبر -بعد أنْ أورد الرِّوايات المتضمِّنة لفساد صوم شهر رمضان بتعمُّد البقاء على الجنابة-: ©ولقائلٍ أنْ يخصّ هذا الحُكم برمضان دون غيره من الصِّيام®.

وقال العلَّامة (رحمه الله) في المنتهى: ©هل يختص هذا الحكم برمضان، فيه تردُّد، ينشأ من تنصيص الأحاديث على رمضان، من غير تعميم، ولا قياس يدلُّ عليه، ومن تعميم الأصحاب، وإدراجه في المفطرات مُطلقاً®.

والإنصاف: أنَّ هذا الحُكم لا يختصُّ بشهر رمضان، بل يشمل قضاؤه أيضاً؛ وذلك لا لقاعدة اتِّحاد القضاء مع الأداء؛ لعدم سلامتها من الخدشة، بل لجملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة عبد الله بن سنان ©أنَّه سأل أبا عبد الله (عليه‌السّلام) عَنِ الرَّجلِ يقضي شهرَ رمضانَ، فيُجنب من أوَّلِ اللَّيل، ولا يغتسل حتَّى يجيء آخر اللَّيل، وهو يرى أنَّ الفجر قد طلع؟ قَاْل : لَاْ يصومُ ذلك اليومِ، ويصوم غيره®(5).

ومنها: صحيحته الأخرى ©قَاْل: كتب أبي إلى أبي عبدالله (عليه‌السلام)، وكان يقضي شهر رمضان، وقال: إنِّي أصبحتُ بالغُسْل، وأصابتني جنابةٌ، فلِمَ اغتسل حتَّى طلع الفجرُ؟ فأجابه (عليه‌السّلام): لا تصُمْ هذا اليوم، وصُم غداً®(6).

والمراد بالحجَّال الوارد في السَّند: هو عبد الله بن محمَّد الأسديّ الثِّقة.

ومنها: موثقَّة سُماعة بن مهران ©قَاْل: سألتُه عَنِ رجلٍ أصابته جنابةٌ في جوفِ اللَّيلِ في رمضانَ، فنامَ وقد عَلِمَ بها، ولم يستيقظ حتَّى أدركه الفجرُ؟ فقال (عليه‌السلام): عليه أنْ يُتمّ صومه، ويقضي يوما آخر، فقلتُ: إذا كان ذلك مِنَ الرَّجل وهو يقضي رمضان؟ قَاْل: فَلْيأكل يومه ذلك، وَلْيقضِ، فإنَّه لا يُشبه رمضان شيءٌ مِنَ الشُّهور®(7).

ويُحتمل: أنْ يكون المراد بعدم الشَّبه أنَّه يجب في شهر رمضان الإمساك، ولا يأكل من باب الاحترام له، وإن فسد الصَّوم، بخلاف ما لو فسد الصَّوم في قضائه فلا بأس بالأكل.

ويُحتمل: أنْ يكون المراد من الشَّبه هو من جهة لُحوق قضائه بأدائه في الحُكم، فيختصَّان بذلك، أي لا يُشبه رمضان من حيث الأداء والقضاء غيره من الشُّهور.

________________

(1) الوسائل باب13 من أبواب ما يُمسك عنه الصَّائم ح5.

(2) الوسائل باب16 من أبواب ما يُمسك عنه الصَّائم ح5.

(3)و(4) الوسائل باب13 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح6و3.

(5) الوسائل باب19 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح1.

* الأقشاب: جمع قشب، وهو مَنْ لا خير فيه من الرِّجال.

(6)و(7) الوسائل باب19 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح2و3.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo