< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

44/11/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

 

ثمَّ إنَّه بقي الكلام في الصَّوم الواجب غير رمضان وقضائه، والصَّوم المندوب.

فهل يُعتبر فيهما عدم البقاء على الجنابة عمداً إلى طُلُوع الفجر، أم يجوز البقاء على الجنابة عمداً إلى طُلُوع الفجر؟

قال صاحب الجواهر: (ثمَّ إنَّ ظاهر المشهور -كما اعترف به في الحدائق- عدم الفرق في الفساد بالبقاء عمداً على الجنابة بين شهر رمضان وغيره من أفراد الصَّوم الواجب -مُعيّناً أو غيره- والمندوب؛ ضرورة عدِّهم له في سِلك غيره من المُفطِّرات الَّتي لا يختلف فيها أفراد الصَّوم).

ثمَّ اختار أخيراً القول: بجواز البقاء على الجنابة إلى الفجر في الصَّوم المندوب دون غيره.

ووافقه الهمدانيّ (رحمه الله)، حيث قال: (فالقول: بجوازه في النَّافلة دون غيره -كما قواه في الجواهر-، لا يخلو من قوة).

وهناك قول ثالث ذهب إليه كثير من الأعلام، منهم صاحب العروة، والسّيِّد مُحسن الحكيم في المستمسك، والسيد أبو القاسم الخوئي (رحمهم الله جميعًا)، وهو الصَّحيح عندنا، وهو أنَّ البقاء على الجنابة عمداً إلى طُلُوع الفجر لا يضرُّ بالصَّوم المندوب، ولا بباقي أفراد الصَّوم الواجب، إلَّا شهر رمضان وقضائه، فإنَّه لا يجوز فيهما البقاء على الجنابة عمداً إلى طُلُوع الفجر.

وأمَّا دليل المشهور الَّذي ذهب إلى عدم الفرق في الفساد بين أفراد الصَّوم مطلقاً، فقد يستدل له: بأنَّ المتبادر في سائر الموارد الَّتي تعلَّق به أمر ندبيٌّ أو وجوبيٌّ ليس إلَّا إرادة الماهية المعهودة الَّتي أوجبها الشَّارع في شهر رمضان، فورود النَّصّ في خُصوص شهر رمضان لا يُوجب قصر الحُكم عليه بعد أنْ كان المتبادر من الأمر به في سائر الموارد ليس العبادة المخصوصة الَّتي أوجبها الشَّارع في شهر رمضان، فالتّعدِّي عن مورد النَّصّ إلى باقي أفراد الصَّوم لأجل ذلك، أي لأجل ظهور الدَّليل الوارد في المورد الخاصّ في كونه لبيان نفس الماهية من حيث هي، ولا خصوصيّة لبعض أفراد الصَّوم.

وفيه: أنَّ الأمر لو كان كذلك لمَّا دلَّت الرِّوايات على جواز البقاء في الصَّوم المندوب.

فهناك جملة من الرِّوايات دلَّت على جواز البقاء على الجنابة عمداً إلى طُلُوع الفجر في الصَّوم المندوب:

منها: صحيحة حبيب الخثعميّ (قَاْل: قلتُ لأبي عبد الله (عليه‌السلام): أخبرني عَنِ التّطوُّع، وعن هذه الثَّلاثة الأيام إذا أجنبتُ من أوَّل اللَّيل، فأعلم أنِّي أجنبتُ، فأنام مُتعمِّداً حتَّى ينفجر الفجر، أصوم أو لا أصوم؟ قَاْل: صُمْ)(1).

ومنها: موثَّقة ابن بُكير (قَاْل: سألتُ أبا عبد الله (عليه‌السَّلام) عَنِ الرَّجل يجنب، ثمَّ ينام حتَّى يُصبح، أيصومُ ذلك اليوم تطوُّعاً؟ فقال: أليس هو بالخيار ما بينه وبين نصف النَّهار ...)(2).

ويُفهم من قوله (عليه‌السَّلام) : (ليس هو بالخيار...) أنَّ ذلك جائز حتَّى في الواجب غير المُعيّن، إلَّا قضاء شهر رمضان، فقد عرفت حُكمه.

ومنها: رواية ابن بُكير عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) (قَاْل: سُئِل عن رجلٍ طلعتْ عليه الشَّمسُ، وهو جنب، ثمَّ أراد الصِّيام بعد ما اغتسل، ومضى ما مضى مِنَ النَّهار؟ قَاْل: يصوم إنْ شاء، وهو بالخيار إلى نصف النَّهار)(3).

وهي مطلقةٌ تشمل الصَّوم المندوب، والصَّوم الواجب غير المُعيّن، إلَّا قضاء شهر رمضان، كما عرفت، ولكنَّها ضعيفةٌ بجهالة أبي عبد الله الرَّازي.

والخلاصة: أنَّه يجوز في الصَّوم المندوب البقاء على الجنابة مُتعمِّدًا إلى طُلُوع الفجر لأجل هذه الرِّوايات.

وأمَّا الصَّوم الواجب -غير شهر رمضان وقضائه-، فالإنصاف: أنَّه يجوز البقاء فيه على الجنابة عمداً إلى طُلُوع الفجر؛ وذلك لأنَّ الدَّليل الَّذي دلَّ على عدم جواز البقاء على الجنابة عمداً إلى طُلُوع الفجر مختصٌّ بشهر رمضان وقضائه، ولا يُوجد دليل مُطلق يشمل غيرهما من واجبات الصَّوم.

وأمَّا القول: بأنَّ باقي واجبات الصَّوم مُلحقٌ بشهر رمضان وقضائه، فليس تامّاً؛ إذ لا دليل على هذا الإلحاق، والقياس ليس من مذهبنا، بل لولا الرِّوايات الخاصَّة الدَّالّة على عدم جواز البقاء على الجنابة عمداً إلى طُلُوع الفجر في شهر رمضان وقضائه لكان مقتضى صحيحة محمَّد بن مسلم المُتقدِّمة عدم اعتبار الاجتناب عن ذلك حتَّى في شهر رمضان وقضائه؛ وذلك لحصرها الاجتناب في ثلاثة أمورٍ أو أربعةٍ، وليس منها تعمُّد البقاء على الجنابة إلى طُلُوع الفجر، قال (عليه‌السَّلام): (لَاْ يضرُّ الصَّائم ما صَنَعَ إذا أَجتنب ثلاثة أمور: الطَّعامَ والشَّرابَ، والنِّساءَ، والارتماسَ في الماءِ).

نعم، الأحوط الأولى: عدم تعمُّد البقاء على الجنابة في باقي أفراد الصَّوم الواجب، والصَّوم المندوب، والله العالم.

وأمَّا مسألة الإصباح جُنباً من غير تعمُّد البقاء، فسيأتي الكلام عنها -إن شاء الله تعالى- عند تعرُّض المصنِّف (رحمه الله) لها.

قوله: (والحُقْنَة بالمائعِ)

اِختلف الأعلام في حُكم الحُقْنَة هل تُفطر أم لا؟

قال الشَّيخ المفيد (رحمه‌الله): (أنَّها تُفْسِد الصَّوم)، وأطلق ، أي لم يُفصِّل بين الحُقْنة بالمائع والحُقْنة بالجامد.

واستقرب العلَّامة (رحمه‌الله) في المختلف أنَّها مُفطرة مُطلقاً -أي سواء كانت بالمائع أو بالجامد-.

وقال: (يجب بها القضاء خاصَّة)، وقال عليُّ بن بابويه (رحمه الله): (ولا يجوز للصَّائم أنْ يحتقِن)، وقال الشَّيخ (رحمه الله) في جملة من كُتبه تحرم الحُقْنة بالمائع خاصَّة، ولا يجب بها قضاء ولا كفارة.

ووافقه ابن إدريس (رحمه الله)، واستوجه المحقِّق (رحمه الله) في المُعتبر تحريم الحُقنة بالمائع والجامد دون الإفساد.

قال صاحب المدارك (رحمه الله) -بعد نقله لكلام المحقِّق (رحمه الله): (وهو المعتمد)، وقال ابن الجنيد (رحمه الله): (يُستحبّ للصَّائم الامتناع من الحُقْنة؛ لأنَّها تصل إلى الجوف).

أقول: لا يبعد أن يكون مُراد من أطلق اسم الاحتقان هو الاحتقان بالمائع؛ إذ لا يطلق عرفاً على استدخال الجامد اسم الحُقْنة، كما صرَّح به في المسالك.

أقول: ما ذهب إليه المشهور من أنَّ الاحتقان بالمائع مُفسد للصَّوم هو الصَّحيح، وفاقاً للمصنِّف (رحمه الله) أيضاً، بل عن النَّاصريات (لم يختلف في أنَّها تفطر).

___________

(1)و(2)و(3) الوسائل باب20 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح1و2و3.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo