< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

44/11/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

 

أقول: يدلّ على ذلك صحيحة أحمد بن محمَّد بن أبي نصر عن أبي الحسن (عليه‌السَّلام) (أنَّه سأله عَنِ الرَّجلِ يَحْتقِنْ، تكون به العِلَّة في شهرِ رمضانَ؟ فَقَال: الصَّائمُ لا يجوزُ له أنْ يحتقنَ)(1).

والنَّهي هنا إرشادٌ إلى الفساد، وليس المراد منه النَّهي التَّكليفيّ، أي الحُرمة التَّكليفيّة، كما عن جماعة من العلماء، حيث حملوا النَّهي على الحرمة التَّكليفيّة، أي أنَّ الاحتقان حرام تعبُّداً، وليس بمُفسِد للصَّوم.

ولكنَّك عرفت فيما ذكرناه في أكثر من مناسبة أنَّ النَّهي في العبادة المرُكبة يدلّ على الإرشاد للمانعيّة، كما في قوله (عليه‌السَّلام) : (لا تصلِّ فيما لا يُؤكلُ لَحْمُه)، فإنَّه إرشاد إلى فساد الصَّلاة إذا صلَّى فيما لا يُؤكل، وكذا الحال في المعاملات المركَّبة، فإنَّ النَّهي فيها إرشادٌ إلى المانعيّة وفساد المعاملة، كما في قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله): (لا تبعْ ما ليسَ عِنْدك)، فإنَّه إرشاد إلى اشتراط المُلكيّة في صحَّة البيع، وإلَّا فيكون باطلاً.

وبالجملة، فإنَّ النَّهي هنا إرشاد إلى مانعيّة الاحتقان للصَّوم؛ لأنَّه عبادة مركَّبة، وأنَّه إذا احتقن فيُفسد صومه، وقد عرفت أنَّ الظَّاهر من الاحتقان عرفاً هو خصوص المائع، ولو سُلِم الإطلاق فيها، وأنَّ الاحتقان يشمل الاحتقان بالمائع وبالجامد، إلَّا أنَّه لابُدّ من تقييده بالمائع وإخراج الاحتقان بالجامد.

وذلك لموثَّقة الحسن بن فضَّال (قَاْل: كتبتُ إلى أبي الحسن (عليه‌السَّلام): ما تقول في اللُّطف* يستدخله الإنسان، وهُوَ صَائمٌ؟ فكتب (عليه‌السلام): لَاْ بأسَ بالجامدِ)(2).

وفي رواية الشَّيخ (رحمه الله) في التّلطُّف من الاستنشاق، وهي موثَّقة بطريق الشَّيخ.

ويدلّ أيضاً على جواز الاحتقان بالجامد: صحيحة عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر (عليه‌السَّلام) (قَاْل: سألتُه عَنِ الرَّجلِ والمرأةِ، هل يصلحُ لهما أنْ يَسْتدخِلا الدَّواء وهُمَا صَائِمَان؟ قَاْل: لَاْ بأسَ)(3).

ولو سُلِّم شمول هذه الصَّحيحة للمائع، فتكون مُقيَّدةً بصحيحة البزنطيّ المتقدِّمة، فقد عرفت أنَّها ظاهرة في المائع؛ لأنَّ الاحتقان لا يصدق عرفاً على الاحتقان بالجامد.

ثمَّ لا يخفى عليك أنَّه لا فرق في مُفطريّة الاحتقان بالمائع بين حال الاختيار والاضطرار.

نعم، في حال الاضطرار ترتفع الحُرمة التَّكليفيّة، ولا كفَّارة أيضاً.

وأمَّا في حال الاختيار، فيحرم تكليفاً ووضعاً، وتجب الكفَّارة أيضاً، والله العالم.

 

قوله: (والارتماس على الأقوى)

يقع الكلام في ثلاثة أمورٍ:

الأوَّل: هل الارتماس في الماء مُفطِّرٌ، أم لا؟

الثَّاني: ما المراد بالارتماس؟

الثَّالث: هل الارتماس في المائعات حُكمها حُكم الارتماس في الماء، وأيضاً ما حُكم الارتماس في الماء المُضاف.

أمَّا الأمر الأوَّل: فالمعروف بين الأعلام أنَّ الارتماس في الماء مُتعمِّداً مُفسد للصَّوم.

قال صاحب المدارك (رحمه‌الله): (اِختلف الأصحاب في حُكم الارتماس في الصَّوم، فذهب الأكثر، ومنهم الشَّيخان في المقنعة والنهاية والمبسوط، إلى أنَّه مُفسدٌ للصَّوم، وبه قطع المرتضى (رضي‌الله‌عنه) في الانتصار، وادَّعى عليه إجماع الفرقة، وقال ابن إدريس: إنَّه مكروه، وحكاه في المُعتبر عن المرتضى أيضاً في مسائل الخلاف، وقال الشَّيخ في الاستبصار: إنَّه محرّمٌ، ولا يُوجب قضاءً ولا كفَّارةً، وهو المُعتمد...).

وممَّنْ ذهب أيضاً إلى أنَّه مُحرّمٌ تكليفاً فقط، ولا يترتَّب عليه فساد الصَّوم، المحقِّق في المُعتبر، والعلَّامة في المُختلف والمنتهى والمحقِّق الثَّاني في حاشية الإرشاد، والفخر، والشَّهيد الثَّاني (قُدِّس‌سِرُّهم)، بل نُسِب إلى أكثر المتأخِّرين.

وعن جملة من الأعلام، منهم السّيِّد (رحمه‌الله) في الانتصار، والشَّيخ (رحمه‌الله) في النِّهاية والجُمل والاقتصاد، وابن البرَّاج (رحمه‌الله) أنَّه مُوجبٌ للقضاء والكفَّارة، بل عن الغُنية دعوى الإجماع عليه.

وقدِ استُدلّ للقول بالفساد بجملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) (قال: لا يرتمسُ الصَّائم، ولا المُحرِم، رأسه في الماء)(4).

ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قَاْل: الصَّائمُ يَسْتنقعُ في الماءِ، ولا يرمسُ رأسَه)(5).

ومنها: صحيحة يعقوب بن شعيب عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) (قال: لَاْ يرتمسُ المُحرمُ في الماءِ، ولَاْ الصَّائمُ)(6).

ومنها: صحيحة محمَّد بن مُسلم عن أبي جعفر (عليه‌السَّلام) (قَاْل: الصَّائمُ يَسْتنقعُ فِي الماءِ، ويصبُّ على رأسِه، ويتبرَّدُ بالثَّوبِ، وينضحُ بالمروحةِ، وينضحُ البُوريا تحته، ولا يغمسُ رأسَه فِي الماءِ)(7).

ومنها: مرسلة مثنَّى الحنَّاط، والحسن الصَّيقل (قَاْل: سألتُ أبا عبد الله (عليه‌السلام) عَنِ الصَّائمِ، يرتمسُ فِي الماءِ؟ قَاْل: لَاْ، ولَاْ المُحرِم، قَاْل: وسألتُه عَنِ الصَّائمِ، أيلبسُ الثَّوب المبلولَ؟ قَاْل: لَاْ)(8)، وهي ضعيفة بسهل بن زياد، وبالإرسال.

ومنها: موثَّقة حنان بن سدير في الفقيه (أنَّه سأل أبا عبدالله (عليه‌السلام) عَنِ الصَّائم، يستنقعُ في الماءِ؟ قَاْل: لا بأس، ولكنْ لا ينغمس، والمرأةُ لا تستنقعُ في الماءِ؛ لأنَّها تحمل الماءَ بقُبُلها)(9).

ووجه الاستدلال على فساد الصَّوم بالارتماس في الماء: هو أنَّ النَّهي في هذه الرِّوايات إرشادٌ إلى مانعيّة الارتماس من صحَّة الصَّوم؛ لِما عرفت سابقاً أنَّ النَّهي عن شيءٍ في العبادة المُركَّبة يدلُّ على الإرشاد إلى المانعيّة.

وأمَّا مَنْ ذهب إلى الحُرمة التَّكليفيّة فقط، فقدِ استُدلّ بهذه الرِّوايات أيضاً بحمل النَّهي على التَّحريم المحض؛ لأنَّ حقيقة النَّهي التَّحريم.

وفيه: أنَّ هذا الكلام إنَّما يتمّ لو لم يكن النَّهي عن شيءٍ من العبادة المركَّبة أو المعاملة المركَّبة، وإلَّا فهو ظاهر عرفاً في الحُكم الوضعيّ، أي يكون دالّاً على الإرشاد إلى المانعيّة.

وممَّا يُؤكِّد كون النَّهي للإرشاد إلى المانعيّة صحيحة محمَّد بن مسلم المتقدِّمة ( لا يضرُّ الصَّائمُ ما صَنَعَ إذا اجتنب ثلاث خِصَال: الطَّعامَ والشَّرابَ، والنِّساءَ، والارتماسَ في الماءِ)، فإنَّها ظاهرة جدّاً في كون المراد بالإضرار هو الإضرار بالصَّوم، كما في غيره من المذكورات، كالطَّعام والشَّراب، والنِّساء.

_______________

(1)و(2)و(3) الوسائل باب5 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح4و2و1.

(*) لطَّف الدَّواءُ مِنَ الألم: سكَّنه، وهو كناية عن الحُقْنة.

(4)و(5)و(6)و(7)و(8)و(9) الوسائل باب3 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح8و7و1و2و4و6.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo