< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/03/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

 

الأمر الثَّالث: المعروف بين الأعلام -بناءً على أنَّ الارتماس في الماء مُفسدٌ للصَّوم- أنَّ الارتماس في المائعات، وفي الماء المُضاف، لا يضرّ بصحَّة الصَّوم.

خلافاً للشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في المسالك، حيث قال: (في حُكم الماء مُطلق المائع، وإن كان مُضافاً، كما نبَّه عليه بعض أهل اللُّغة والفُقهاء...).

وقال في كشف الغطاء (رحمه الله): (ويقوى عدم إدخال باقي المائعات في حُكم الرَّمس، إلَّا ما كان من المياه المضافة، ونحوها، في وجه قويّ...).

أقول: أمَّا بالنِّسبة للارتماس في المائعات، فلا يُوجد في الرِّوايات ما يدلّ على النَّهي عن الارتماس والانغماس بشكل مُطلق، وإنَّما الموجود في الرِّوايات النَّهي عن الارتماس، أو الانغماس في الماء، إلا في روايتين:

إحداهما: صحيحة الحلبيّ المُتقدِّمة (قَاْل: الصَّائمُ يستنقعُ في الماءِ، ولا يرمسُ رأسَه)، حيث لم يُقيِّد رمس الرَّأس في الماء، ولكن بقرينة عطفه على قوله: (يستنقع في الماء) يجعله ظاهراً في إرادة غمس رأسه فيه.

لاسيَّما أنَّه ذِكْر بعده (والمرأةُ لا تستنقعُ في الماء...)، فكلُّ هذا قرينة على إرادة الارتماس والغمس والرَّمس في الماء.

قال السّيِّد الحكيم(رحمه الله) في المستمسك: (لم أقف على إطلاق يقتضي الاكتفاء بمُطلق الارتماس، ولو فُرض وجوده -كما ظاهر الجواهر- فهو مقيّد بصحيح ابن مسلم...).

أقول: الموجود في صحيحة ابن مسلم (ولا يغمسُ رأسَه في الماءِ)، ومن المعلوم أنَّ الوصف لا مفهوم له، فلو فرض وجودُ إطلاقٍ، فلا يصلح قوله: (ولا يغمسُ رأسَه في الماءِ) لتقييده؛ لأنَّ تقييد غمس الرَّأس في الماء لا يُفهم منه أنَّ الغمس في غير الماء غير مُضرٍّ، بل هو مسكوتٌ عنه، فكيف يقيّد المُطلق؟!

والصَّحيح: ما ذكرناه، فلا حاجة لهذا الكلام.

وممَّا ذكرنا يتَّضح حال الارتماس في الماء المضاف، فإنَّ الارتماس في الماء والانغماس فيه لا يشمل الارتماس في الماء المُضاف، فيكون حاله حال الارتماس في المائعات.

وأمَّا القول: بأنَّه لا خصوصيّة للماء المُطلق، فالمُراد من النَّهي في الرِّوايات هو النَّهي عن الارتماس في مُطلق الماء، وإن كان مُضافاً.

ففيه: أنَّ هذا الكلام ليس تامّاً؛ لأنَّ لفظ الماء حقيقةٌ في الماء المُطلق، وشموله للماء المُضاف إنَّما هو على نحو المجاز.

وعليه، فيُحمل الماء الموجود في الرِّوايات النَّاهية عن الارتماس في الماء على حقيقته، وهو الماء المُطلق.

والقول: بأنَّه لا خصوصيّة للإطلاق، يحتاج إلى دعوى علم الغيب.

وبالجملة، لا علم لنا بالمِلاكات، والله العالم.

ثمَّ إنَّ المصنِّف (رحمه الله) لم يذكر هنا من المُفطرات تعمُّد القيء.

نعم، ذكر بعد ذلك أنَّ تعمُّد القيء يُوجب القضاء فقط، دون الكفَّارة، كما سيأتي -إن شاء الله تعالى- نقل عبارته.

وقال أيضاً -فيما سيأتي في الدَّرس الثَّاني والسَّبعين-: (اِختلف في وُجوب القضاء والكفَّارة بالكذب على الله، أو رسوله، أو الأئمَّة (عليهم‌السَّلام)، مُتعمّداً، وتعمُّد الارتماس، والمشهور الوجوب، وإن ضعف المأخذ...).

ولكنَّ الأنسب: أنَّ نتكلَّم عنهما هنا تتميماً للكلام عن المُفطِّرات.

أمَّا الكذب على الله، أو على رسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، أو على الأئمة (عليهم‌السَّلام).

فاعلم أوَّلاً: أنَّه لا إشكال في حُرمة الكذب في حدّ نفسه، لا سيَّما على الله ورسوله(صلى‌الله‌عليه‌وآله)، والأئمَّة (عليهم‌السَّلام)، سواء في حال الصَّوم، أم في غيره.

وثانياً: هل تعمُّد الكذب على الله، وعلى رسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)، وعلى الأئمَّة(عليهم‌السَّلام)، يُوجب فساد الصَّوم، كالأكل والشُّرب، أم لا؟

قال صاحب المدارك (رحمه الله): (اِختلف الأصحاب في فساد الصَّوم بالكذب على الله، وعلى رسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)، وعلى الأئمَّة (عليهم‌السَّلام)، بعد اتِّفاقهم على أنَّ غيره من أنواع الكذب لا يُفسد الصَّوم، وإن كان مُحرّماً، فقال الشَّيخان، والسّيِّد المرتضى في الانتصار أنَّه مُفسد للصَّوم، ويجب به القضاء والكفَّارة، وقال السّيِّد المرتضى في الجُمل، وابن إدريس، لا يفسد، وهو المعتمد...).

أقول: ذهب كثير من الأعلام، لاسيَّما المتقدِّمون منهم، إلى أنَّه مُفسدٌ للصَّوم، منهم الشَّيخان والقاضي والتَّقيّ (رحمهما الله)، والسّيِّدان (رحمهما الله) في الانتصار والغنية، بل عن الأخيرَيْن دعوى الإجماع عليه، وعن الرِّياض نسبته إلى الأكثر، وعن المصنِّف فيما سيأتي -إن شاء الله تعالى- نسبته إلى المشهور.

وفي المقابل، ذهب جماعة من الأعلام إلى عدم مُفطِّريّته، منهم العُمانيّ، والسّيِّد المرتضى (رحمه الله) في جُمله، والحِليّ، وأكثر المتأخِّرين، ومتأخِّري المتأخِّرين، وفي الحدائق نسبته إلى المشهور بين المتأخِّرين.

إذا عرفت ذلك، فقد استدل للقول الأوَّل -أي القول: بأنَّه مفسدٌ للصَّوم- بعدَّة أدلّةٍ:

منها: الإجماع المُدَّعى من السّيدَيْن، أي السّيِّد المرتضى (رحمه الله) وابن زُهرة (رحمه الله) في الغُنية.

وفيه أوّلاً: أنَّ الإجماع الدُّخوليّ، الَّذي هو مبنى السّيِّد المرتضى في تحصيل الإجماع، وإن كان مشمولاً لحُجِّيّة خبر الواحد، إلَّا أنَّه لا صُغرى له؛ لأنَّ الإجماعات المدَّعاة هي من باب اللُّطف، وغيره من الطُّرق، وقد عرفت حالها.

وثانياً: أنَّ هذا الإجماع موهونٌ بمصير أكثر المتأخِّرين إلى خلافه، بل في المُعتبر (دعواه مكابرة).

وثالثا: أنَّ السّيِّد المرتضى (رحمه الله) نفسه خالف الإجماع في جُمله، حيث ذهب فيه إلى عدم المُفطِّريّة.

والخلاصة: أنَّ هذا الإجماع المُدَّعى ليس تامّاً.

ومنها: موثَّقة سُماعة (قال: سألتُه عَنِ رجلٍ كذب في رمضان؟ فقال: قد أَفْطرَ، وعليه قضاؤُه، فقلتُ: فما كِذْبتُه؟ قَاْل: يكذبُ على اللهِ، وعلى رَسُولِه (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌))[1]

ومنها: موثَّقته الأُخرى (قَاْل: سألتُه عن رجلٍ كذب في شهرِ رمضانَ؟ فقال: قد أفطرَ، وعليه قضاؤُه، وهو صائمٌ، يقضي صومه ووضوءه إذا تعمَّد)[2]

ومضمرات سُماعة مقبولةٌ، كما عرفت في أكثر من مناسبة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo