< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/03/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

 

ثمَّ لا يخفى عليك أنَّ الأقرب: كون روايتي سُماعة رواية واحدة:

الأُولى: رواها الشَّيخ بإسناده عن عليّ بن مَهْزِيار عن عُثمان بن عيسى عن سُماعة.

والثَّانية: رواها الشَّيخ بإسناده عن الحُسَين بن سعيد عن عُثمان بن عيسى عن سُماعة، وفي الرِّوايتَيْن يُوجد قوله (عليه‌السَّلام): (قَدْ أفطرَ، وعليه قضاؤُه).

نعم، في الرِّواية الثَّانية زيادة قوله: (وهو صائم يقضي صومه ووضوءه إذا تعمَّد)، وسيأتي -إن شاء الله تعالى- معنى قوله: (وهو صائمٌ يقضي صومه...).

وجه أقربيّة كونهما روايةً واحدةً: هو الاشتراك في السَّند، وفي المتن، مع الاختلاف اليسير فيهما، فمن البعيد جدّاً أن يكون سُماعة قد سأل الإمام (عليه‌السَّلام) مرتَيْن، وأجابه بجوابَيْن متقاربَيْن.

فالأقرب: أنَّهما روايةٌ واحدةٌ، أي يكون قد سأله مرَّةً واحدةً، ولكنْ نُقلت الرِّواية بالمعنى.

ومن هنا، لم نحرز صدور هذه الزِّيادة -وهي قوله (عليه‌السَّلام): وهو صائمٌ يقضي صومه ووضوءه إذا تعمَّد- عن الإمام (عليه‌السَّلام).

ومن جملة الرِّوايات المُستدلّ بها موثَّقة أبي بصير (قَاْل: سمعتُ أبا عبد الله (عليه‌السلام) يقول: الكِذْبةُ تنقضُ الوضوءَ، وتفطر الصَّائم، قَاْل: قلتُ: هلكنا! قَاْل: ليس حيثُ تذهبُ، إنَّما ذلك الكَذِب على اللهِ وعلى رسولِه وعلى الأئمَّة (عليهم‌السَّلام))(1).

ومنها: موثَّقته الأخرى عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) (أنَّ الكذبَ على اللهِ، وعلى رسولِه، وعلى الأئمَّةِ (عليهم‌السَّلام)، يُفطِّرُ الصَّائمَ)(2).

وما ذكرناه في روايتي سُماعة من كون الأقرب كونهما روايةً واحدةً يأتي هنا في روايتي أبي بصير؛ إذ:

الأُولى: رواها الشَّيخ بإسناده عن الحُسَين بن سعيد، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن أبي بصير.

ورواها الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في معاني الأخبار بسنده أيضاً إلى منصور بن يونس، عن أبي بصير، ورواها الكُلينيّ بسنده إلى منصور بن يونس، عن أبي بصير، والسَّند فيهما مُعتبر.

والثَّانية: رواها الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) بإسناده عن منصور بن يونس، عن أبي بصير، والمضمون واحد في الرِّوايتَيْن.

نعم، في الرِّواية الأُولى زيادة: (الكِذْبة تنقض الوضوء).

ومن هنا، لم نُحرِز صُدور هذه الزِّيادة عن الإمام (عليه‌السَّلام)، وسيأتي الكلام أيضاً -إن شاء الله تعالى- في دلالة هذه الموثَّقة عند استعراض أدلَّة مَنْ ذهب إلى عدم مُفطريّة الكذب على الله ورسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمَّة (عليهم‌السَّلام).

ومن جملة الرِّوايات المُستدلّ بها مرفوعة أحمد بن أبي عبد الله عن أبي رفعه إلى أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) (قَاْل: خمسةُ أشياءَ تُفطِّر الصَّائمَ: الأكلُ، والشّربُ، والجُماعُ، والارتماسُ في الماءِ، والكذبُ على اللهِ، وعلى رسولِه، وعلى الأئمَّةِ(عليهم‌السَّلام))(3)، ولكنَّها ضعيفة بالرَّفع.

وأمَّا مَنْ ذهب إلى عدم مُفطريّة، فقدِ استدلّ بصحيحة محمَّد بن مسلم المُتقدِّمة الَّتي حصرت المُفطّر في ثلاثة أشياء أو أربعة، وليس فيها الكذب على الله ورسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمَّة (عليهم‌السَّلام)، وناقشوا أيضاً في أدلَّة المُفطريّة، فالإجماع المُستدلّ به على المُفطريّة قد عرفت حاله.

وأمَّا بالنِّسبة للرِّوايات المُستدلّ بها على المُفطريّة، فقال صاحب المدارك (رحمه الله): (والجواب: أمَّا عن الإجماع، فبأنَّه مكابرةٌ، كما ذكره المصنِّف في المُعتبر، وأمَّا عن الرِّوايتَيْن فأوَّلاً بالطَّعن في السَّند -إلى أن قال:- وثانياً: بأنَّ الروايتين متضمِّنتان لِما أجمع العُلماء على خلافه، وهو نقض الوضوء بذلك، وهذا ممَّا يُضعِف الخبر)، انتهى كلام صاحب المدارك (رحمه الله).

أقول: أمَّا الطَّعن في السَّند، ففي غير محلِّه؛ لأنَّ الرِّوايتَيْن من قسم المُوثَّق، وخبر الثِّقة حُجّة، وإن لم يكن عدلاً إماميّاً.

نعم، على مبنى صاحب المدارك (رحمه الله)، وصاحب المعالم (رحمه الله)، من عدم العمل إلا بالخبر الصَّحيح والحسن، لا تكون الرِّوايتان حُجَّة، لكنَّك عرفت أنَّ أصل المبنى باطل.

ويؤيِّد ما ذكرناه: عمل مشهور المُتقدِّمين بهما.

وأمَّا الإشكال من حيث الدَّلالة؛ فلاشتمالهما على نقض الوضوء بذلك، ومن المعلوم أنَّ المراد بنقض الوضوء بالكذب هو نقض كماله، لا أصله.

قال الشَّيخ (رحمه الله) في التَّهذيب: (إنَّ المراد بنقض الوضوء كمال الوضوء وثوابه ووجهه الَّذي يستحقّ به الثَّواب).

وبالجملة، فإنَّه لم يقصد بناقضيَّة الكذب للوضوء النَّقض الحقيقيّ؛ للاتَّفاق على عدم بُطلان الوضوء به.

وعليه، فبقرينة وحدة السِّياق في الموثَّقة يُحمل الإفطار في الموثَّقتَيْن على نقض كمال الصَّوم أيضاً.

ولا أقلّ أنَّ ذلك يُضعف ظهورهما في إرادة الإفطار الحقيقيّ، لاسيَّما أنَّه ورد في أخبار كثيرة كون الغيبة والظُّلم والسُّباب مُبطلاً للصَّوم، مع أنَّه لم يُرد بها إلَّا بُطلان المرتبة الكاملة من الصَّوم الَّذي لا يُنافي في بطلانها بقاء حقيقة الصَّوم.

وهذا الإشكال هو عُمدة مَنْ ذهب إلى عدم مُفطريّة الكذب على الله، ورسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)، والأئمَّة (عليهم‌السَّلام).

ومن جُملة الرِّوايات الواردة في المقام ما ورد في عقاب الأعمال عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) -في حديث- (قَاْل: مَنِ اغتابَ أخاه المُسلمَ بطلَ صومُه، ونقض وضوؤُه، فإنْ ماتَ -وهو كذلك- ماتَ وهُوَ مُستحلٌّ لِمَا حرَّم الله)(4).

ولكنَّها ضعيفة؛ لوجود جملة من المجاهيل في السَّند.

ومنها: ما رواه الحسن بن عليّ بن شُعبة في تُحف العُقول عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) في وصيَّته لأمير المؤمنين (عليه‌السَّلام) (قَاْل: يا عليُّ، اِحذرْ الغِيبةَ والنَّميمةَ، فإنَّ الغِيبة تُفطر، والنَّميمة تُوجب عذابَ القبر)(5)، وهي ضعيفة بالإرسال.

ومنها: ما رواه علي بن موسى بن طاووس في كتاب الإقبال (قَاْل: سمعتُ أبا جعفر (عليه‌السلام) يقول: إنَّ الكِذْبةَ لَتفطِّرُ الصَّائمَ، والنَّظرة بعد النَّظرة، والظُّلم كلّه، قليله وكثيره)(6)، وهي ضعيفة أيضاً بالإرسال.

ومنها: ما رواه الكُلينيّ في الكافي عن عدَّة من أصحابنا عن أحمد بن محمَّد عن الحُسَين بن سعيد، عن النَّضر بن سُويد، عن القاسم بن سُليمان، عن جرَّاح المدائنيّ، عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) (قَاْل: إنَّ الصِّيام ليس من الطَّعام والشَّراب وحده، ثمَّ قال: قالتْ مريم: {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا}، أي صوماً وصمتاً (أي صمتاً)، فإذا صُمتم فاحفظُوا ألسِنتَكم، وغُضُّوا أبصارَكم، ولا تنازعوا، ولا تحاسدوا، قَاْل: وسمع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) امرأةً تسبُّ جاريةً لها وهي صائمةٌ، فدعا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) بطعام، فقال لها : كُلي، فقالتْ: إنِّي صائمةٌ، فقال: كيف تكونين صائمةً وقد سببتِ جاريتَك، إنَّ الصَّوم ليس من الطَّعام والشَّراب فقط، قال: وقال أبو عبد الله (عليه‌السلام): إذا صُمتِ فَلْيصُم سمعك وبصرك من الحرام والقبيح، ودع المِراء وأذى الخادم، وَلْيكن عليك وقار الصَّائم، ولا تجعل يوم صومك كيوم فطرك)(7)، وهي ضعيفة بجهالة القاسم بن سُليمان، وعدم وثاقة جرَّاح المدائنيّ.

وبالجملة، فلأجل حمل هذه الأمور لا يبقى حينئذٍ ظُهور معتدّ به للموثَّقتَيْن المزبورتَيْن في إرادة الإفطار الحقيقيّ.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّه يُمكن الجواب عن أدلَّتهم، وعن المناقشات في الموثّقتَيْن.

______________

(1)و(2) الوسائل باب2 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح2و4.

(3) الوسائل باب2 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح6.

(4)و(5) الوسائل باب2 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح5و10.

(6) الوسائل باب2 من أبواب ما يُمسِك عنه الصَّائم ح9.

(7) الوسائل باب11 من أبواب آداب الصَّائم ح2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo