< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/03/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

أمَّا صحيحة محمَّد بن مسلم الحاصرة للمُفطر في ثلاثة أشياء أو أربعة، فإنَّها دالَّة على الحَصْر بالإطلاق، فيمكن تقييدها بما دلَّ على أنَّ الكذب على الله ورسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمَّة (عليهم‌السَّلام) مُفطّرٌ، كما قيّدت بباقي المُفطِّرات، مثل البقاء على الجنابة مُتعمِّداً إلى الفجر، وكذا غيره من المُفطِّرات.

وأمَّا المناقشة في الموثَّقتَيْن بأنَّهما متضمِّنتان لما أجمع العلماء على خلافه، وهو نقض الوضوء بذلك.

فيُجاب عنهما أوّلاً: أنَّه لم تثبت هذه الزِّيادة -وهي نقض الوضوء بالكذب-؛ لما عرفت من اتِّحاد روايتي سُماعة واتِّحاد روايتي أبي بصير.

وثانياً: على فرض ثُبوت هذه الزِّيادة، ولم نقل بالاتِّحاد، فإنَّه يمكن الجواب عن هذه المناقشة بأنَّ رفع اليد عن بعض فقرات الرِّواية لقرينة لا يستلزم رفع اليد عن باقي الفقرات، فإنَّ التَّفكيك بين الفقرات ليس بعزيز، وقد ثبت عندنا في كثير من الرِّوايات اشتمالها على الواجب والمستحبّ معاً، فكون بعض فقراتها ظاهراً في الاستحباب لا يُوجب رفع اليد عن ظُهور الفقرات الأُخر في الوجوب.

ثمَّ إنَّه بناءً على عدم اتِّحاد روايتي سُماعة، وعدم اتِّحاد روايتي أبي بصير، فإنَّ الزِّيادة المزبورة مذكورة في إحدى روايتي سُماعة، وإحدى روايتي أبي بصير.

فلو فرضنا أنَّ هذه الزِّيادة تُوجب إجمال الرِّواية، وعدم ظُهورها في المطلوب، إلَّا أنَّه يُمكن التّمسُّك بالرِّواية الأُخرى الخالية عن هذه الزِّيادة، وكون إحدى الرِّوايتَيْن مجملةً لا يسري إجمالها إلى الرِّواية الأُخرى الخالية عنها، فيُمكن التّمسُّك بها.

وأمَّا قوله (عليه‌السَّلام) في موثَّقة سُماعة الثَّانية -بناءً على عدم اتِّحادهما- ©قد أفطر، وعليه قضاؤه، وهو صائم، يقضي صومه ووضوءه إذا تعمَّد®، حيث أشكل أنَّه كيف يكون قد أفطر، وعليه قضاؤه، وهو يبقى صائماً، فمعناه أنَّ الإفطار ليس حقيقيّاً، بل المراد نفي الكمال، أي نفي المرتبة الكاملة من الصَّوم مع بقاء حقيقة الصَّوم.

فيمكن الجواب عن هذا الإشكال: بأنَّ المراد من قوله ©وهو صائم®، أي هو مُمسِكٌ عن باقي المُفطِّرات، فإنَّ الكذب على الله وعلى رسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعلى الأئمَّة (عليهم‌السَّلام)، وإن كان مُفطِّراً حقيقةً، بحيث يكون صومه باطلاً، إلَّا أنَّه يجب عليه الإمساك عن باقي المُفطِّرات تأديباً له، ولحُرمة شهر رمضان المُبارك.

وليس المراد من قوله : ©وهو صائمٌ®، أي صائم حقيقةً، بل المراد الإمساك، أي أفطر وعليه قضاؤه، وهو ممسك عن المفطرات.

ثمَّ إنَّه لو سلَّمنا إجمال هذه الموثَّقة، وعدم ظُهورها في المطلوب، فأقصاه عدم التّمسُّك بهذه الموثَّقة، فيُمكن التّمسُّك حينئذٍ بموثَّقته الأُولى الخالية عن هذه الزِّيادة.

والَّذي يُهوِّن الخطب: أنَّه لم تثبت هذه الزِّيادة؛ لما عرفت من أنَّ الأقرب اتِّحاد روايتي سُماعة.

وأمَّا الرِّوايات الكثيرة الدَّالّة على أنَّ الغيبة والسَّبّ، ونحوهما، مُبطلٌ للصَّوم.

فهي أوّلاً: ضعيفة السَّند، كما عرفت.

وثانياً: أنَّها محمولةٌ على نفي المرتبة الكاملة من الصَّوم، ولا تضرّ بصحَّة الصَّوم بالاتِّفاق بين جميع المسلمين.

والخُلاصة إلى هنا: أنَّ الكذب على الله تعالى، وعلى رسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)، وعلى الأئمَّة (عليهم‌السَّلام)، مبطل للصَّوم، كالأكل والشُّرب، ونحوهما.

ثمَّ إنَّه ينبغي التَّنبيه على بعض الأمور:

الأوَّل: لا فرق في مُفطريّة الكذب على الله ورسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمَّة (عليه‌السَّلام) بين أن يتعلَّق بأمور الدِّين، بأن يُنسب إلى الله ورسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمَّة (عليهم‌السَّلام)، قولاً أو فعلاً أو تقريراً، يُستفاد منه حُكمٌ شرعيٌّ، أو يتعلَّق بأمور الدُّنيا، كما لو أخبر كذباً بأنَّ الإمام (عليه‌السَّلام) كان يأكل كذا وكذا، أو ينام كذا ساعة، وما أشبه ذلك؛ وذلك لإطلاق الرِّوايات.

ولكن عن كشف الغطاء (رحمه الله) تخصيصه بالأمور الشَّرعيّة؛ وذلك لدعوى انصراف الرِّوايات إلى إرادة الكذب في الأمور الشَّرعيّة.

وفيه: أنَّ هذه الدَّعوى عُهدتها على مُدّعيها، فالقول: بالإطلاق، هو الأقوى، والله العالم.

الثَّاني: لا فرق في مُفطِّريّة الكذب على الله ورسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله)، والأئمَّة (عليهم السَّلام)، بين أن يكون بنحو الإخبار، كما لو قال: قال الله تعالى كذا، أو قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) كذا، وبين أن يكون بنحو الفتوى، كما لو قال: هذا حلال، أو هذا حرام، فإنَّ الإخبار كذباً صادقٌ على كلّ منهما.

وأمَّا لو أخبر عن رأيه الحاكي عن الواقع، كما لو قال: رأي في هذه المسألة كذا، أو فهمي لها كذا، فإنَّ هذا لا يكون كذباً على الله ورسوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله) والأئمَّة (عليهم‌السَّلام)، وإنَّما هو كذب على نفسه إذا لم يكن مُطلقاً لرأيه.

ولو نقل الفتوى عن الغير كذباً، فلا يكون كذباً على الله تعالى، وإنَّما هو كذب على ذلك الغير، وهكذا لو نقل الرِّواية عن الرَّاوي كذباً، كأن يقول: قال محمَّد بن مسلم قال الباقر (عليه‌السَّلام) كذا، فإنَّه كذب على الرَّاوي، لا على الإمام (عليه‌السَّلام).

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo