< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/03/12

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الصَّوم

 

قوله: (من المكلَّف أو المُميِّز المُسلِم الخالي عن السَّفر والمرض والحيض والنِّفاس والجنابة على وجه، والإغماء والسُّكّر وطول النَّوم)

يقع الكلام تارةً: في شرائط صحَّة الصَّوم.

وأخرى: في شرائط وجوب الصَّوم، وهما بحثان مُستقلَّان، ذكرهما الأعلام.

ولكنَّ المصنِّف (رحمه‌الله) ذكرهما في مبحث واحد في الدَّرس الآتي درس السَّبعين.

وبناءً على ذلك نتكلَّم عنهما بالتَّفصيل هناك -إن شاء الله تعالى-.

 

قوله: (فيُشترط نيَّة الوجوب أو النَّدب)

ذكر المصنِّف (رحمه الله)، وجماعة من الأعلام، أنَّه تُشترط نيَّة الوجوب، أو النَّدب، أي قصد الصَّوم بعنوان الوجوب إن كان واجباً، أو قصد الصَّوم بعنوان الندب إن كان مندوباً.

وقد ذكروا أنَّ الوجه في لزوم التّعرُّض لأحدهما هو صلاحيّة الزَّمان لوقوع فيه على الوجهَيْن.

وعليه، فتميُّز العبادة وتشخُّصها لا يحصل إلَّا بالقصد.

نعم، لو تعيَّن أحدهما بأصل الشَّرع أو بسبب عارض، كشهر رمضان، وما يتعلَّق به النَّذر بخصوصيّة، أو يوم غير أيام الشَّهر لِمَنْ ليس عليه صوم، فلا يجب التّعرُّض لأحدهما.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّه لا تُعتبر نيَّة الوجوب، ولا النَّدب؛ لأنَّهما خُصوصيّتان قائمتان بنفس الأمر، ولا يختلف مُتعلّق أحدهما عن الآخر، فلو تخيّل أنَّ صوم شهر رمضان مُستحبّ، فصام بقصد القربة وامتثال الأمر، فقد تحقَّقت العبادة، كما لو تخيَّل أنَّ صلاة اللَّيل واجبةٌ، فصلَّى بتخيُّل الوجوب، فقد تحقَّقت العبادة.

هذا كلُّه بناءً على ما ذهب إليه المشهور من أنَّ الوجوب والنَّدب خُصوصيّتان قائمتان بنفس الأمر.

وأمَّا على ما هو الصَّحيح عندنا من أنَّ الوجوب يُنتزع عقلاً عند الأمر بالشَّيء مع عدم التَّرخيص بالتَّرك، والاستحباب ينتزع عقلاً عند الأمر بالشَّيء مع التَّرخيص بالتَّرك، فالأمر أوضح؛ لعدم كونهما من خصوصيّات الأمر، ولا من خصوصيّات المأمور به ، فلا مُوجب للزوم التّعرُّض لقصد الوجوب أو الندب، والله العالم.

وأمَّا لزوم التّعرُّض للأداء أو القضاء، فلا بُدّ منه؛ لاختلاف مُتعلَّق أحدهما عن الآخر، فإنَّ الأداء عبارة عن إتيان العمل في الوقت والقضاء عبارة عن إتيانه خارج الوقت بأمر جديد غير الأمر بالأداء السَّاقط.

وعليه، فهما مُتعدِّدان أمرا ومُتغايران مُتعلّقاً، فإذا تعدَّد المأمور به، فلابُدّ من قصده ولو إجمالاً ليمتاز عن غيره.

 

قوله: (والقُربة)

تسالم الأعلام قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار، على كون الصَّوم أمراً عباديّاً، فيُعتبر فيه القُربة لله سبحانه وتعالى بأيِّ نوعٍ من أنواعها، وقد تقدَّمت في مبحث الوضوء والأغسال والصَّلاة والحجّ والزَّكاة، كما أنَّه يُعتبر فيه الإخلاص، كغيره من العبادات.

وممَّا يُؤكِّد كون الصَّوم أمراً عباديّاً: ما ورد في حسنة زرارة عن أبي جعفر (عليه‌السَّلام) -في حديث- قَاْل: ذروةُ الأمر، وسنامه، ومفتاحه، وباب الأشياء، ورضى الرَّحمان، الطَّاعة للإمام بعد معرفته، أمَّا لو أنَّ رجلاً قام ليله، وصام نهاره، وتصدَّق بجميع ماله، وحجَّ جميع دهره، ولم يعرف ولاية وليّ الله فيواليه، ويكون جميع أعماله بدلالته إليه، ما كان له على الله حقّ في ثوابه، ولا كان من أهل الإيمان[1]

إذ من الواضح أنَّ المراد بهذه الأمور المذكورة في الرِّواية هو الإتيان بها على جهة العبادة، فلو أتى بها كذلك بدون الولاية، فلا ينفعه شيء، وتكون هذه الأمور باطلة، فالمراد بالصَّوم الوارد في الحسنة هو الإتيان به لله لا مجرَّد الإمساك عن المُفطِّرات بدون التّقرُّب.

 

قوله: (ليلاً)

المعروف بين الأعلام أنَّ آخر وقت النِّيّة في الواجب المُعيّن، رمضاناً كان، أو غيره من النَّذر المُعيّن، أو المُطلق المُضيّق، أو القضاء المُضيّق -بناءً على أنَّه يتضيّق- هو عند طُلُوع الفجر الصَّادق، أي عند أوَّل جُزء من الصَّوم، كغيره من الأعمال تحصيلاً للمُقارنة المفهوم اعتبارها من حسنة أبي حمزة الثّمالي عن عليّ بن الحُسَين (عليه‌السَّلام) قَاْل: لَاْ عمل إلَّا بنيّة[2] ، وكذا غيرها من الرِّوايات.

وبالجملة، فلا إشكال في إجزاء نيّتها ليلاً، إلَّا أنَّه يُعتبر فيه كونه مُستمرّاً على حُكمها غير ناقضٍ لها بما يُنافيها من نيَّة أخرى، أو غيرها، وهو ما يُعبّر عنه بالاستدامة الحُكميّة.

ومن هنا، لا تبطل النِّيّة بفعل ما يُنافي الصَّوم بعدها قبل طُلُوع الفجر، سواء ذلك الجُماع وغيره؛ لإطلاق دليل الإجزاء، خلافًا للمُصنِّف (رحمه الله) في البيان، حيث جزم بعدم بُطلانها بالتناول.

ثمَّ قال: وفي الجماع، وما يبطل الغُسْل تردُّد من أنَّه مُؤثِّر في صيرورة المُكلَّف غير قابل للصَّوم، فيُزيل حُكم النِّيّة، ومن حصول شرط الصِّحَّة، وزوال المانع بالغُسْل....

وهذا الكلام ليس تامّاً؛ ضرورة أنَّ الصَّوم المنويّ هو من طُلُوع الفجر، فلا مدخليّة لأجزاء اللَّيل الَّتي يقع فيها المُفطر.

وقد تحصَّل ممَّا ذكرناه: أنَّه ليس للنِّيّة في شيءٍ من العبادات، فضلاً عن الصَّوم، محلٌّ شرعيٌّ تعبُّديّ، بل محلُّها عقلاً قبل الفعل بشرط تأثيرها في وقوع الفعل منويّاً.

ويترتَّب على ذلك: جواز تقديمها قبل اللَّيل بعد فرض استمرار حُكمها إلى زمان حُصول الفعل.

وعليه، فليس للَّيل من حيث هو خُصوصيَّة في ذلك، فلو فرض أنَّه عزم من هذا اليوم الَّذي هو آخر شعبان مثلًا أن يصوم الغد الَّذي هو أوَّل رمضان، ونام على هذا العزم، ولم ينتبه إلى الغد، وانتبه ولم يلتفت تفصيلاً إلى أنَّ الغد من رمضان حتَّى يتجدَّد عزمه، ولكن كان بحيث لو سأله سائل عمَّا عليه عزمه في صوم الغد لأخبره بذلك، كما هو من لوازم استدامتها حُكماً، صحَّ صومه بلا إشكال.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo