< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/03/16

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

 

(أو نهاراً للنَّاسي إلى زوال الشَّمس، وكذا الجاهل بوجوب ذلك اليوم)

المعروف بين الأعلام أنَّه لو نسي كون يوم الغد رمضان، أو نسي أنَّه يجب عليه صومه، أو كان جاهلاً بكونه رمضان، أو جاهلاً بالحُكم إذا كان معذوراً.

وكذا الواجب المُعيّن غير رمضان، فإنَّه يجدِّد النِّيّة، أي يُوقعها نهاراً متى تذكَّر إلى ما قبل الزَّوال إذا لم يأتِ بمُفطِّر.

ومعنى يُجدِّدها نهاراً إلى ما قبل الزَّوال: أي يُجدِّدها حالة الذِّكر على الفور لئلَّا يخلو جُزء من النَّهار من النِّيّة اختياراً، لا أنَّ له أن يتراخى بها إلى الزَّوال، فإن فعل بطل حينئذٍ، وإنْ جدَّدها قبل الزَّوال.

 

وقدِ استُدلّ لذلك بجملة من الأدلَّة:

منها: الإجماع، كما عن جماعة كثيرة من الأعلام، ولم يُنسب الخِلاف إلَّا إلى ابن أبي عقيل العُمانيّ (رحمه الله)، حيث ألحق النَّاسي بالعامد في البُطلان مع الإخلال بالنِّيّة من اللَّيل.

والإنصاف: أنَّه لم تثبت مخالفته بشكل واضح في المقام.

وعليه، فيمكن القول: إنَّ المسألة متسالمٌ عليها بينهم، لاسيَّما النَّاسي، فعن ظاهر المعتبر والتذكرة والمنتهى أنَّه موضع وفاق.

وبالجملة، فإنَّ مخالفة ابن أبي عقيل (رحمه الله) -لو تمَّت- فتكون على مقتضى القاعدة، إلَّا أنَّك عرفت تسالم الأعلام قديماً وحديثاً على الصِّحّة، ولا يُعتدّ بخلاف مَنْ خالف على فرض ثبوت المُخالفة، وهذا الدَّليل هو العُمدة في المقام.

ومنها: ما ذكره بعض الأعلام، حيث استدلّ على الصِّحّة بفحوى ما دلّ على انعقاد الصَّوم من المُسافر والمريض إذا زال عُذرهما قبل الزَّوال.

وفيه: أنَّ الدَّليل ورد في المُسافر إذا حضر قبل الزَّوال والتّعدِّي عنه إلى ما نحن فيه يحتاج إلى إحراز المناط، وهو غير مُحرَز.

وأمَّا المريض، فلم يرد فيه نصٌّ بذلك، كما سيأتي بيانه في محلِّه -إن شاء الله تعالى-، وإنَّما ذكره الأعلام واستدلُّوا عليه ببعض الأدلَّة الَّتي سنذكرها إن شاء الله تعالى-.

ومع ذلك، لا يمكن إلحاق ما نحن فيه بتلك المسألة؛ لعدم إحراز المناط.

ومنها: ما رُوي (أنَّ ليلة الشَّكّ أصبح النَّاس فجاء أعرابيٌّ فشهد برؤية الهلال، فأمر (صلى‌الله‌عليه‌وآله) مُنادياً يُنادي: مَنْ لم يأكل فَلْيصُم، ومَنْ أكل فَلْيُمسِك)[1]

 

وجه الاستدلال: أنَّه إذا جاز مع العُذْر -وهو الجهل بالهلال- جاز مع النِّسيان.

وفيه أوَّلاً: أنَّ الرِّواية عاميّةٌ ضعيفةٌ بالإرسال.

وثانياً: أنَّها متضمِّنة لقبول شهادة الواحد في الهِلال، لاسيَّما أنَّه من الأعراب، وهو مجهول أيضاً.

وثالثاً: أنَّها مختصَّةٌ بالجاهل، وبشهر رمضان، فالتّعدِّي منهما إلى النِّسيان، والصَّوم المُعيَّن، يحتاج إلى إحراز المناط، وهو غيرُ حاصلٍ.

أضف إلى ذلك: أنَّها لا تدلُّ على بقاء الوقت إلى الزَّوال.

والغريب أنَّ المُحقِّق الهمدانيّ (رحمه الله) ذكر أنَّ ضعف الحديث مجبورٌ باشتهاره بين الأصحاب واعتمادهم عليه.

وفيه: أنَّه لم يثبت عملهم به، ولعلهم استندوا إلى الأدلَّة الأُخرى المذكورة في المقام.

مُضافاً إلى أنَّ عمل المشهور لا يجبر ضعف السَّند.

ومنها: حديث الرَّفع، أي صحيحة حريز عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) (قَاْل: قَاْل رسولُ الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله): رُفِع عن أُمَّتي تسعةٌ: الخَطَأُ والنِّسيَانُ، وما أُكْرهُوا عليه، وما لا يَعْلمُون...)

وهي صحيحة، فإنَّ أحمد بن محمَّد بن يحيى العطَّار شيخُ الصَّدوق (رحمه الله) الوارد في السَّند، وإن لم يُوثَّق بالخُصوص، إلا أنَّه من المعاريف الكاشف ذلك عن وثاقته.

وجه الاستدلال بهذا الحديث: هو أنَّ إيجاب القضاء يقتضي عدم رفع النِّسيان.

وفيه: أنَّ حديث الرَّفع شأنه الرَّفع لا الوضع، فلا يصلح لتصحيح النَّاقص وإثبات التَّكليف، بالإضافة إلى باقي الوقت من اليوم.

وأمَّا الرِّوايات الَّتي سنذكرها للواجب غير المُعيَّن، فهي لا تشمل شهر رمضان جزماً، ولا الواجب المُعيَّن، فإنَّها قاصرة عن شمول ذلك، كما سيتضح -إن شاء الله تعالى-.

والخلاصة: أنَّ العُمدة في المقام هو التَّسالم بينهم، كما أنَّ الدَّليل على انتهاء وقت النِّيّة عند الزَّوال هو التَّسالم أيضاً، والله العالم.


[1] سُنن البيهقيّ، ج4، ص212، باختلاف يسير.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo