< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/03/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

قوله: (أو مَنْ تجدَّد له على العزم على صوم غير مُعيَّن زمانه، كالقضاء أو النَّقل، والأقرب: امتداد النَّفل بامتداد النَّهار لا الفرض، خلافاً لابن الجنيد، وفي التَّهذيب: روايتان بجواز نيَّة القضاء بعد الزَّوال)

يقع الكلام في أمرَيْن:

الأوَّل: في الصَّوم الواجب غير المُعيَّن، كالقضاء، والنَّذر المُطلق، وصوم الكفَّارة، ونحوها.

الثَّاني: في الصَّوم المندوب.

أمَّا الأمر الأوَّل: فالمعروف بين الأعلام أنَّ وقت النِّيّة فيه يمتدّ من أوَّل اللَّيل إلى الزَّوال.

قال في المدارك: (وقد قطع الأصحاب بأنَّ وقت النِّيّة فيه يستمرّ من اللَّيل إلى الزَّوال إذا لم يفعل المنافي نهاراً...).

وفي الحدائق: (المشهور بين الأصحاب (رضوان الله عليهم) أنَّ منتهى وقت النِّيّة في القضاء والنَّذر المُطلق هو زوال الشَّمس، فبعد زوالها يفوت الوقت، وظاهر كلام ابن الجنيد المُتقدِّم استمرار وقت النِّيّة ما بقي من النَّهار شيء، واختاره الفاضل الخُراسانيّ في الذَّخيرة...).

وفي الجواهر: (وهو -أي قول ابن الجنيد بجواز تجديد النِّيّة بعد الزَّوال- لولا نُدرته لكان في غاية القوَّة...).

أقول: وهو الإنصاف عندنا، كما سيتضح لك -إن شاء الله تعالى-.

إذا عرفت ذلك، فقدِ استُدلّ للقول المشهور بامتداد وقت النِّيّة إلى الزَّوال بجملة من الرِّوايات بلغت حدَّ الاستفاضة:

منها: صحيحة عبد الرَّحمان بن الحجَّاج عن أبي الحسن (عليه‌السَّلام) (في الرَّجل يبدو له -بعد ما يُصبح ويرتفع النَّهار- في صوم ذلك اليوم ليقضيه من شهر رمضان، ولم يكن نوى ذلك من اللَّيل، قَاْل: نعم، ليصمه وليعتدّ به إذا لم يكن أحدث شيئاً)(1).

ومنها: حسنة الحلبيّ عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) -في حديث- (قَاْل: قلتُ له: إنَّ رجلاً أراد أنْ يصوم ارتفاع النَّهار، أيصوم؟ قَاْل: نعم)(2)، وهي مطلقة تشمل الصَّوم المندوب والواجب غير المُعيَّن.

ومنها: صحيحة محمَّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه‌السَّلام) (قَاْل: قَاْل عليٌّ (عليه‌السلام): إذا لم يفرض الرَّجل على نفسه صياماً، ثمَّ ذكر الصِّيام قبل أن يُطعم طعاماً، أو يشرب شراباً، ولم يفطر فهو بالخيار إنْ شاء صام وإنْ شاء أفطر)(3).

ويوسف بن عقيل الموجود في السَّند ثقة، قال النَّجاشيّ (رحمه الله) (يوسف بن عقيل البجليّ كُوفيّ ثقة، قليل الحديث، يقول القميُّون: إنَّ له كتاباً، وعندي أنَّ الكتاب لمحمَّد بن قيس...).

وقوله (عليه‌السَّلام): (إذا لم يفرض الرَّجل على نفسه صياماً)، أي لم ينوِ ذلك من اللَّيل، وهي مطلقة تشمل المندوب والواجب غير المُعيَّن.

ومنها: صحيحة عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) (قَاْل -في حديث-: إنْ بدا له أنْ يصوم بعدما ارتفع النَّهارُ فَلْيصُمْ، فإنَّه يُحسب له من السَّاعة الَّتي نوى فيها)(4).

ومنها: رواية صالح بن عبد الله عن أبي إبراهيم (عليه‌السَّلام) (قَاْل: قلتُ له: رجلٌ جعل لله عليه الصَّيام شهراً، فيُصبح وهو ينوي الصَّوم، ثمَّ يبدو له فيُفطر، ويصبح وهو لا ينوي الصَّوم، فيبدو له فيصوم؟ فقال: هذا كلُّه جائزٌ)(5).

ولكنَّها ضعيفة بعدم وثاقة صالح بن عبد الله، وإن كانت واضحة الدلالة.

ومنها: موثَّقة عمَّار السَّاباطيّ عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) (عَنِ الرَّجل يكون عليه أيام من شهر رمضان، ويريد أن يقضيها، متى يُريد أن ينوي الصِّيام؟ قَاْل: هو بالخيار إلى أن تزول الشَّمس، فاذا زالتِ الشَّمس فإنْ كان نوى الصَّوم فَلْيصُم، وإن كان ينوي الإفطار فَلْيفطر، سُئِل فإنْ كان نوى الإفطار يستقيم أن يُنوى الصَّوم بعدما زالتِ الشَّمس؟ قَاْل: لا...)(6).

وهي موثَّقة، فإنَّ عليَّ بن محمَّد بن الزُّبير القرشيّ الواقع في إسناد الشَّيخ إلى عليِّ بن الحسن بن فضَّال، وإن كان غير موثَّق بالخُصوص، إلَّا أنَّه من المعاريف الكاشف ذلك عن وثاقته.

وأمَّا القول الآخر المحكيّ عن ابن الجنيد (رحمه الله)، وهو جواز تجديد النِّيّة بعد الزَّوال، فقدِ استدلّ به.

مضافاً لإطلاق بعض الرِّوايات المتقدِّمة، كصحيحة محمَّد بن قيس، فإنَّها مطلقة تشمل بإطلاقها ما بعد الزَّوال بجملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة عبد الرَّحمان بن الحجَّاج (قَاْل: سألتُ أبا الحسن موسى (عليه‌السلام) عن الرَّجل يُصبح، ولم يطعم، ولم يشرب، ولم ينوِ صوماً، وكان عليه يوم من شهر رمضان، أله أن يصوم ذلك اليوم، وقد ذهب عامَّة النَّهار؟ فقال: نعم، له أن يصومه ويعتدّ به من شهر رمضان)(7).

وهذه الرِّواية رواها الشَّيخ (رحمه الله) في التَّهذيب بطرقَيْن:

أحدهما: ضعيفة بعليّ بن السَّنديّ، فإنَّه غير موثَّقٍ.

نعم، وثَّقه نصر بن الصّباح.

ولكنّ توثيقات نصر بن الصُّباح غير مُعتبرةٍ؛ لأنَّه بنفسه غير موثَّق، فكيف يوثِّق الآخرين؟!

وثانيهما: صحيح، حيث رواها بإسناده عن محمَّد بن عليّ بن محبوب، عن معاوية بن حكيم، عن صفوان، عن عبد الرَّحمان بن الحجَّاج.

كما أنَّها واضحة الدَّلالة، فإنَّ قوله: (وقد ذهب عامَّة النَّهار...)، أي أكثره فيصدق على ما بعد الزَّوال حتماً.

وأمَّا قول العلَّامة (رحمه الله) في المختلف: (بأنَّه يحتمل أن يكون قد نوى قبل الزَّوال، ويصدق عليه أنَّه ذهب عامَّة النَّهار على سبيل المجاز).

فيرد عليه: أنَّ هذا الاحتمال بعيد جدّاً مُخالف لظاهر الصَّحيحة، بل لا يخطر بالبال.

أُنظر إلى قوله: (أله أنْ يَصُومَ ذلك، وقد ذهب عامَّةُ النَّهار).

والخُلاصة: أنَّه لا إشكال في دلالة الصَّحيحة على أنَّه نوى الصَّوم بعد الزَّوال.

ومنها: مرسلة أحمد بن محمَّد بن أبي نصر عمَّنْ ذكره عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) (قَاْل: قلتُ له: الرَّجلُ يكون عليه القضاءُ من شهرِ رمضانَ، ويُصبح فلا يأكلُ إلى العَصْرِ، أيجوز أن يجعله قضاءً من شهر رمضان؟ قَاْل: نعم)(8)، وهي واضحة جدّاً، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.

ومنها: صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) (قَاْل: قلتُ له: الرَّجلُ يُصبحْ، ولا ينوي الصَّوم، فإذا تعالى النَّهار حدث له رأي في الصَّوم؟ فقال: إنْ هو نوى الصَّوم قبل أن تزول الشَّمس حُسِب له يومه، وإن نواه بعد الزَّوال حُسِب له من الوقت الَّذي نوى)(9).

وهي مطلقة تشمل الصَّوم المندوب والواجب غير المُعيَّن، ولا مُوجب لاختصاصها بالصَّوم المندوب.

_______________

(1)و(2)و(3)و(4)و(5) الوسائل باب2 من أبواب وجوب الصَّوم ونيته ح2و1و5و3و4.

(6) الوسائل باب2 من أبواب وجوب الصَّوم ونيَّته ح10.

(7)و(8)و(9) الوسائل باب2 من أبواب وجوب الصَّوم ونيَّته ح6و9و8.

 

والمراد من قوله (عليه‌السَّلام): (وإنْ نواه بعد الزَّوال حُسب له من الوقت الَّذي نواه) هو عدم استحقاقه الأجر إلَّا بهذا المقدار، وإلَّا فالصَّوم صحيح.

كما أشار بذلك الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في المسالك، حيث قال: (إن أوقع النِّيّة قبل الزَّوال أُثيب على الصَّوم لجميع النَّهار، وإن نوى بعده حُسِب له من الوقت الَّذي نوى فيه إلى آخر النَّهار، والصَّوم صحيح على التَّقديرَيْن).

ولا يُوجد معارض لهذه الرِّوايات، إلَّا موثَّقة عمَّار المُتقدِّمة.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo