< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/03/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

قوله: (ويُشترط فيما عدا شهر رمضان: تعيين سبب الصَّوم، وإن كان نذراً، وشبهه، على الأقوى، وفي المبسوط فسَّر نيَّة القربة: بأن ينوي صوم شهر رمضان، ولا ريب أنَّه أفضل، وكذا الأفضل أن ينوي الأداء)

هل يُشترط تعيين سبب الصَّوم، من قضاء أو نذر أو كفَّارة أو حاجة أو استسقاء، ونحوها، أم لا؟

أقول: يقع الكلام في أربعة أُمورٍ:

الأوَّل: في الواجب غير المُعيّن.

الثَّاني: في النَّذر المُعيّن، كما لو نذر أن يصوم يومًا مُعيّنًا، وكذا شبه النَّذر من العهد واليمين.

الثَّالث: في الصَّوم المندوب المُعيّن، كأيام البيض، ونحوها، أو المندوب مطلقًا، كصوم أيام السَّنة.

الرَّابع: في صوم شهر رمضان المبارك.

أمَّا الأمر الأوَّل: فالمعروف بين الأعلام أنَّه لابُدّ من تعيين سبب الصَّوم فيه، كأن يقصد الصَّوم المخصوص، كالكفَّارة، والنَّذر المُطلق، ونحوها.

وفي الجواهر: بلا خلاف، كما عن التَّنقيح الاعتراف به، بل عن المُعتبر نسبته إلى فتوى الأصحاب، مُشعرًا بدعوى الإجماع، بل في التَّحرير دعواه صريحًا....

وقد ذكر الأعلام أنَّه لوِ اقتصر على نيَّة القُربة، وذُهِل عن تعيينه، لم يصحَّ؛ لعدم تميُّز المنويّ، وتشخُّصه، مع صُلوحه لوجوه مُتعدِّدة، فلا يقع حينئذٍ الشَّيء منها، ولا أمر بالصَّوم المُطلق حتَّى يصحَّ له، فليس حينئذٍ إلَّا الفساد.

أقول: نيَّة القُربة في اصطلاح الأعلام تُقابل نيَّة التَّعيين.

قال الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط في الصَّوم المُتعيّن بزمان لا يمكن أن يقع فيه غيره: وما هذه حاله لا يحتاج في انعقاده إلى نيَّة التَّعيين، ويكفى فيه نيَّة القُربة، ومعنى نيَّة القُربة أن ينوي أنَّه صائمٌ فقط مُتقرِّباً به إلى الله تعالى، ونيَّة التَّعيين أن ينوي أنَّه صائم شهر رمضان، فإن جمع بينهما كان أفضل، فإنِ اقتصر على نيَّة القُربة أجزأه.....

ولا يخفى عليك أنَّ ما نقله المُصنِّف (رحمه الله) عن المبسوط في تفسير نيَّة القُربة ليس تامًّا؛ لأنَّ نيَّة صوم شهر رمضان هي نيَّة التَّعيين، لا نيَّة القُربة.

ولعلَّ السَّبب الَّذي أوقع المُصنِّف (رحمه الله) في هذا الاشتباه هو قول ابن إدريس (رحمه الله) في السَّرائر، حيث قال: ©قال شيخنا أبو جعفر في مبسوطه: ومعنى نيَّة القُربة أن ينويَ أنَّه صائمٌ شهر رمضان....

ومهما يكن، فإنَّ أحسن دليل لوجوب نيَّة التَّعيين في الواجب غير المُعيّن، كصوم الكفارة، والنَّذر المُطلق، وقضاء شهر رمضان، ونحوها، هو أنَّ هذه العناوين أُخِذت موضوعًا للتَّكليف بالصَّوم على نحو الجهة التَّقييديّة.

فمثلًا: صوم الكفَّارة بعنوان كونه كفَّارةً أُخِذ موضوعاً للأمر بالصَّوم، فلابُدّ حينئذٍ من قَصْد صوم الكفاَّرة حتَّى يصحَّ ذلك، وكذا لو نذر الصَّوم، وأطلق، فالصَّوم المنذور بعنوان كونه كذلك أُخِذ موضوعًا للأمر به، كما في كلِّ عنوانٍ أُخِذ على نحو الجهة التَّقييديّة موضوعاً للتَّكليف، كصلاة الظُّهر، وصلاة العصر، فلو صلَّى أربع ركعات، ولم يقصد بها صلاة الظُّهر، لم تقع لصلاة الظُّهر، وكذا لو لم يقصد بها صلاة العصر، فإنَّها لا تقع لها.

وعليه، فلو كان على المُكلَّف صومُ يومٍ قضاءً، وصومُ يومٍ كفَّارةً، وصومُ يومٍ للنَّذر المُطلق، فقد وجب عليه صومُ ثلاثة أيامِ، فلو صام يومًا واحدًا، ولم يقصد به القضاء، ولا الكفَّارة، ولا النَّذر، فلا يسقط عنه شيءٌ من ذلك، وتبقى هذه الأيام الثَّلاثة في ذمّته؛ لأنَّه لم يأتِ بالمأمور به على وجهه؛ لأنَّ الموضوع للتَّكليف هو صوم الكفَّارة بعنوان كونه كفَّارةً، ولم يأتِ به كذلك.

وهكذا حال بقيَّة أفراد الصَّوم الواجب غير المُعيّن.

الأمر الثَّاني: في النَّذر المُعيّن وأخوَيْه من العهد واليمين، وما يُشبههما.

والمعروف بين الأعلام أنَّه يحتاج إلى نيَّة التَّعيين، منهم المُصنِّف في كُتبه الثَّلاثة، والشَّهيد الثَّاني، والعلَّامة في جُملةٍ من كُتبه، والفاضل المقداد (قُدِّس سرُّهم)، بل ذكر الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في المسالك أنَّه المشهور.

وبالمقابل، حُكي عن السّيِّد المُرتضى وابن إدريس (رحمهما الله) عدم الحاجة إلى نيَّة التَّعيين، وقوَّاه العلَّامة (رحمه الله) في المُنتهى.

وفي المدارك: وهو المُعتمد؛ لأنَّه زمان تعيُّن بالنَّذر للصَّوم، فكان كشهر رمضان، واختلافهما بأصالة التَّعيين وعرضيَّته لا يقتضي اختلافهما في هذا الحُكم.

وأمَّا مَنْ ذهب إلى اشتراط نيَّة التَّعيين، فقد يُستدلّ له: بأنَّه زمان لم يُعيّنه الشَّارع في الأصل للصَّوم، فافتقر إلى التَّعيين، كالنَّذر المُطلق، وبأنَّ الأصل وجوب التَّعيين؛ إذِ الأفعال إنَّما تقع على الوجوه المقصودة، تُرك ذلك في شهر رمضان؛ لأنَّه زمان لا يقع فيه غيره، فيبقى الباقي على أصالته.

قال صاحب المدارك (رحمه الله): وضعف الدَّليلَيْن ظاهر، أمَّا الأوَّل: فلأنَّه مُصادرة على المطلوب، وإلحاقه بالنَّذر المُطلق قياسٌ مع الفارق،

وأمَّا الثَّاني: فلِمنع أصالة الوجوب، ولأنَّ الوجه الذي لأجله ترك العمل بالأصل الذي ذكره في صوم شهر رمضان آتٍ في النَّذر المُعيَّن، فإنَّه إن أُريد‌ بعدم وقوع غيره فيه استحالته عقلًا كان منفيّاً فيهما، وإنْ أُريد امتناعه شرعاً كان ثابتاً كذلك....

وقد يستدلُّ أيضًا لوجوب نيَّة التَّعيين: بأنَّ الزَّمان في النَّذر المُعيّن صالحٌ في حدِّ ذاته لسائر أنحاء الصَّوم، فلو غفل عن نذره، ونوى قسماً آخر من الصَّوم، فلا إشكال في صحَّته مع الغفلة عن نذره؛ لأنَّ تعلُّق النَّذر بصوم ذلك اليوم لا يصلح مانعاً عن صحَّة صومه تطوُّعاً، أو نيابةً عن الميِّت، أو نحو ذلك لدى الغفلة عن نذره.

وبالجملة، فلا ينحصر الصَّوم بالنِّسبة إليه في خُصوص صوم النَّذر.

وعليه، فلابُدّ من التَّعيين.

وهذا بخلاف شهر رمضان الَّذي يتعيَّن فيه صومه، ولا يقع فيه صوم آخر، فلا يحتاج إلى نيَّة التَّعيين.

ولكنَّ الإنصاف: أنَّه لا يحتاج إلى نيَّة التَّعيين؛ وذلك لأنَّ الواجب ليس هو عنوان الوفاء بالنَّذر حتَّى يتوقَّف وجوده على قصده، بل ليس الواجب إلَّا فعل المنذور لا غير.

وبعبارة أخرى: عنوان الوفاء بالنذر لم يؤخذ في متعلق التكليف على نحو الجهة التَّقييديّة؛ إذ لا دليل عليه.

وأقصى ما يمكن توهَّمه: هو أنَّ الوجوب الآتي من قِبل النَّذر إنَّما تعلَّق بعنوان الوفاء، فيجب قصد الوفاء في سُقوط أمر النَّذر، كما هو الحال في الأمر بالكفَّارة والقضاء.

ولكن فيه أوّلاً: أنَّ الأمر بالوفاء بالنُّذور ليس مولويًّا، بل هو إرشاديٌّ إلى صحَّة النَّذر، نظير الأمر بالعُقود.

وثانياً: لو سلَّمنا كونه مولويًّا، إلَّا أنَّ الأمر النَّذريّ توصُّليٌّ لا تعبُّديٌّ، فلا يتوقَّف سُقوطه على قصد امتثاله، بل يكفي في سُقوطه الإتيان بمُتعلَّقه، وهو فعل نفس المنذور.

ولعلَّ مَنْ ذهب إلى اشتراط نيَّة التَّعيين اعتقد أنَّ الواجب هو عنوان الوفاء بالنَّذر، بحيث يكون عنوان الوفاء جهةً تقييديّةً، نظير صلاة الظُّهر والعصر، ولذا لا يكفي قصد القُربة في صلاة الفريضة في وقتها المُختصّ -إذا لم ينوِ صلاة الظُّهر، أو صلاة العصر- وإن قلنا: بأنَّه لا يصحّ فيه غيرها مطلقًا.

ولكنَّك عرفت ما هو الإنصاف في المقام، والله العالم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo