< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/03/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

أقول: كلام الأعلام مبنيٌّ على أنَّ النِّيّة هي الإخطار، فلذا أشكل أنَّه كيف تتقدَّم على الفجر الصَّادق، ولابُدّ أن تكون مقارنةً للمنويّ؟!

ومَنْ جوَّز تقديمها من أوَّل ليلة الصَّوم، فعليه أن يجوز تقديمها على تلك اللَّيلة بالزَّمان المُقارِب، كاليومَيْن، والثَّلاثة.

وأجابوا عن ذلك: أنَّ تقديمها من اللَّيل إنَّما هو للنَّصّ والإجماع، بخلاف تقديمها على تلك اللَّيلة بيومَيْن أو ثلاثة.

والمُراد بالنَّصّ: هو النَّبويّ الضَّعيف ©لا صيام لِمَنْ لم يُبيِّتِ الصِّيام مِنَ اللَّيل®(1).

ولكنَّه ضعيفٌ جدّاً، وهو ليس من طُرقنا.

وأمَّا الإجماع المنقول بخبر الواحد، فهو غير حُجّةٍ.

وعليه، فإمَّا أن يجوز التَّقديم في كلٍّ منهما، أو لا يجوز في كلٍّ منهما.

ولكنَّ الَّذي يُهوِّن الخطب: أنَّ ذلك كلّه مبنيٌّ على كون النِّيّة المُعتبرة في العبادات هي الإخطار، فيُشترط حينئذٍ مُقارنة هذه النِّيّة لِوقوع الفعل بداعي التّقرُّب لأوَّل زمان التَّلبُّس بالفعل.

وعليه، فجواز التَّقديم في الصَّوم يكون على خلاف الأصل.

ولكنَّك عرفت فساد المبنى، بل هي عبارة عن الدَّاعي، أي ما يعمّ الإرادة الإجماليّة الارتكازيّة، فإنَّ كلّ مُكلّفٍ لدى الالتفات إلى قُرب الشَّهر ينوي صومه ويشتغل بتهيئة مُقدِّماته، وتبقى هذه النِّيّة مغروسةً في نفسه حقيقةً، أو حُكماً إلى حين حُضوره، ولا يُشترط في صحَّة العبادة أزيد من ذلك.

وبعبارة أخرى: لو فُرِض أنَّه عزم من هذا اليوم الَّذي هو آخر شعبان، مثلاً أن يصوم الغد الَّذي هو أوَّل رمضان، ونام على هذا العزم، ولم ينتبه إلى الغد، أو انتبه، ولم يلتفت تفصيلاً إلى أنَّ الغد كان من رمضان حتَّى يتجدَّد عزمه، ولكن كان بحيث لو سأله سائلٌ عمَّا عليه عزمه في صوم الغد لأخبره ذلك، كما هو من لوازم استدامتها حكماً صحَّ صومُه بلا إشكال.

وعليه، فليس جواز تقديم النِّيّة في الصَّوم بهذا المعنى مُخالِفاً للأصل.

وعليه، فالتَّفكيك بين الجُزء الأوَّل من اللَّيل -حيث حكموا بصحَّة تقديم النِّيّة فيه- وبين الجُزء الآخر من اليوم السَّابق بالمُتَّصل بهذا الجُزء -حيث حكموا فيه بعدم جواز تقديم النِّيّة- في غير محلِّه، بل الحكم فيهما واحدٌ، وهو الجواز، والله العالم بحقائق أحكامه.

_____________

(1) سنن البيهقي: ج4، ص213.

    

 

قوله: (ويُشترط الجزم مع علم اليوم)

إذا علم بالسَّبب والوجه في الواقع، كما لو علم بتعيُّن صوم الغد الشَّهر رمضان، وعلم بالوجوب شرعاً، فلابُدّ من الجزم بالسَّبب والوجه، ولا يمكنه التّردُّد في صومه بين صوم شهر رمضان، والنَّذر، أو بين الوجوب والنَّدب.

وقد عرفت أنَّ النِّيّة ليست مُجرّد التّصوُّر، بل هي عبارة عن القصد والدَّاعي، ومع جزم المُكلَّف بكون الغد من شهر رمضان وقع علمه بوجوب الصَّوم، فكيف يحصل له التردُّد في القصد والنِّيّة؟!

والخُلاصة: أنه لا يُمكنه في هذا الفرض إلَّا الجزم بالسَّبب والوجه.

 

    

 

قوله: (وفي يوم الشَّكّ بالمُتردِّدة قولٌ قويّ)

المُراد بيوم الشَّكّ هو اليوم الَّذي يُشكّ فيه أنَّه آخر شعبان، أو أوَّل شهر رمضان.

ويقع الكلام في ثلاثة صُورٍ:

الأُولى: أن ينوي الصَّوم في هذا اليوم بعنوان الوجوب من شهر رمضان.

الثَّانية: أن ينوي به النَّدب من شعبان.

الثَّالثة: أن يصومه على أنَّه إنْ كان من رمضان كان واجباً، وإنْ كان من شعبان كان ندباً، أو قضاءً مثلاً.

أمَّا الصُّورتان الأُولتان: فسيأتي الكلام عنهما -إن شاء الله تعالى- عند قول المُصنِّف (رحمه الله) ©ويتأدَّى رمضان بنيَّة النَّفل مع عدم علمه...®.

وأمَّا الصُّورة الثَّالثة: فقد ذهب الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف والمبسوط، وابن أبي عقيل العُمانيّ (رحمه الله)، وابن حمزة (رحمه الله)، والعلَّامة (رحمه الله) في المُختلف، والمُصنِّف (رحمه الله) هنا، وفي البيان، إلى أنَّ الصَّوم صحيحٌ في هذه الصُّورة، وأنَّه يُجزي عن رمضان إذا صادفه.

وحُكي عن الشَّيخ (رحمه الله) في باقي كُتبه، وابن إدريس (رحمه الله)، والمُحقِّق في المُعتبر، وأكثر المُتأخِّرين، أنَّه لا يُجزئ عن شهر رمضان إذا صادفه، وعليه الإعادة.

قال صاحب المدارك (رحمه الله): ©هو المُعتمد®، ثمَّ قال: ©لنا: أنَّ صوم يوم الشَّكّ إنَّما يقع على وجه النَّدب، ففعله على خلاف ذلك يكون تشريعاً، فلا يتحقَّق به الامتثال®.

وفيه -كما سيأتي إن شاء الله تعالى-: أنَّه لا يُشترط في صحَّته أن ينوي خُصوص النَّدب، وأنَّه من شعبان.

نعم، لو نوى الوجوب في رمضان يبطل حينئذٍ.

وبالجملة، فالمحذور هو أن ينوي الوجوب من شهر رمضان.

وأمَّا اشتراط خُصوص نيّة النَّدب من شعبان، فلا دليل عليه.

وما يظهر من بعض الرِّوايات الآتية -إن شاء الله تعالى- من حَصْر النِّيّة في نيَّة النَّدب من شعبان، فمحمول هذا الحَصْر على الحَصْر الإضافيّ، أي الحَصْر بلحاظ نفي الصَّوم بعنوان رمضان، لا حصر الصَّوم الصَّحيح بخصوص النَّدب من شعبان.

وقد يستدلّ للبطلان في هذه الصُّورة أيضاً: بأنَّ حقيقة صوم رمضان غير حقيقةٍ غيره، كما يكشف عن ذلك اختلاف أحكامهما، فإذا لم تُعيّن حقيقة أحدهما، فالنِّيّة الَّتي حقيقتها استحضار حقيقة الفعل المأمور به لم تقع عن أحدهما، فتكون النِّيّة مرددة بينهما، والتَّرديد في النِّيّة تُوجب البطلان.

وفيه: أنَّ القصد الَّذي هو الدَّاعي -والَّذي هو النِّيّة- تعلَّق بصوم هذا اليوم الَّذي هو فرد من أحد النَّوعَيْن اللَّذَيْن تعلَّق بأحدهما أمرٌ وجوبيٌّ، وبالآخر ندبيٌّ، فلا ترديد في النِّيّة؛ لأنَّه قصد صوم هذا اليوم على جميع الأحوال، أي سواء كان ندباً أو واجباً.

نعم، التَّرديد في المنويّ لا في النِّيّة؛ إذا لم يتَّضح له صفة هذا اليوم، ولا دليل على بُطلان الصَّوم إذا كان التَّرديد في المنويّ خاصّة.

والخلاصة: أنَّ الصَّوم صحيحٌ في هذه الصُّورة، وأنَّه يُجزئ عن رمضان إذا انكشف مصادفته، والله العالم.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo