< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/03/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

قوله: (ويجب استمرارها حُكْماً)

قد عرفت سابقاً في مبحث الطَّهارة وغيره المُراد من الاستمرار الحُكميّ، وهو عدم إحداث نيَّةٍ مُخالفةٍ للنِّيّة الأُولى.

والمعروف بينهم أنَّه يجب استمرار حُكمها، فيأثم بتركها عند المشهور.

ومهما يكن، فإنَّه ليس للنِّيّة زمانٌ شرعيٌّ، بل يكفي تحقُّق الدَّاعي قبل الفعل، واستمرار حُكمها إلى أن يتحقَّق الفراغ من الفعل.

ومن هنا، قلنا: إنَّه يجوز تقديمها على اللَّيل أيضاً بعد فرض استمرار حُكمها إلى زمان حُصول الفعل.

    

 

قوله: (فلو نوى الإفطار في الأثناء، أو ارتدّ، ثمَّ عاد، فالمشهور الإجزاء، وإنْ أثم)

ذهب المشهور إلى عدم بطلان الصَّوم بنيَّة الإفطار، قال في المدارك: (ذهب إليه الشَّيخ والمُرتضى وأتباعهما، واستدلُّوا عليه بأنَّ النَّواقض محصورة، وليست هذه النِّيّة من جملتها، فمَنِ ادَّعى كونها ناقضةً فعليه الدَّليل،

وبأنَّ نيَّة الإفطار إنَّما تُنافي نيَّة الصَّوم لا حُكمها الثَّابت بالانعقاد الَّذي لا يُنافيه النَّوم والعزوب إجماعاً، وبأنَّ النِّيّة لا يجب تجديدها في كلّ أزمنةٍ الصَّوم إجماعاً، فلا تتحقَّق المُنافاة، ونقل عن أبي الصَّلاح أنَّه جزم بفساد الصَّوم بذلك وجعله موجباً للقضاء والكفَّارة، واستقرب العلَّامة في المُختلف فساد الصَّوم بذلك، وأنَّه موجب للقضاء دون الكفَّارة، واستدلّ على انتفاء الكفَّارة بالأصل السَّليم من المُعارض، وعلى أنَّه مُفسد للصَّوم بأنَّه عبادة مشروطة بالنِّيّة وقد فات شرطها فتبطل، وبأنَّ الأصل اعتبار النِّيّة في جميع أجزاء العبادة، لكن لمَّا كان ذلك مشقّاً اعتبر حُكمها، وهو أن لا يأتي بنيّة تُخالفها ولا ينوي قطعها، فإذا نوى القطع زالت النِّيّة حقيقةً وحُكماً، فكان الصَّوم باطلاً لفوات شرطه، وبأنَّه عمل خلا من النِّيّة حقيقةً وحكماً، فلا يكون مُعتبراً في نظر الشَّرع، وإذا فسد صوم جُزء من النَّهار فسد صوم ذلك اليوم بأجمعه؛ لأنَّ الصَّوم لا‌ يتبعَّض

وفي الأدلَّة من الجانبَيْن نظر، والحقّ أنَّ مرجع الخلاف في هذه المسألة إلى أن استمرار النِّيّة في زمان الصَّوم هل هو شرط أم لا؟ وقد قطع الشَّيخ والمُرتضى والمُصنِّف في المُعتبر بعدم اشتراطه كما في الإحرام، ولا بأس به؛ لأنَّه الأصل وليس له مُعارض يعتدّ به، فالمسألة محلّ تردّد)، انتهى كلام صاحب المدارك (رحمه الله).

وأمَّا صاحب الجواهر (رحمه الله)، فقد قال -بعد أن نقل كلام المدارك بالجملة-: (والتَّحقيق حُصول البُطلان بنيَّة القطع الَّتي هي بمعنى إنشاء رفع اليد عمَّا تلبّس به من الصَّوم على نحو إنشاء الدُّخول فيه؛ ضرورة خلوّ الزَّمان المزبور عن النِّيّة، فيقع باطلاً، ودعوى تأثير النِّيّة الأُولى فيه، وإن كان بهذا الحال، واضحة المنع، وأمَّا نيَّة القطع بمعنى العزم على ما يحصل به ذلك -أي بعد ذلك ينوي القطع- وإن لم يتحقَّق الإنشاء المزبور، وكذا نيَّة القاطع -أي بعد ذلك ينوي القاطع-، فقد يقوى عدم البُطلان بهما، استصحاباً للصِّحّة السَّابقة الَّتي لم يحصل ما يُنافيها، إذِ الواقع عند التَّأمُّل يُؤكدها، ودعوى كون المُعتبر في الصِّحّة العزم في سائر الأزمنة على الامتثال بالصَّوم في سائر أوقات اليوم لا نعرف لها مستنداً، وإن كان مقتضى الاقتصار على المُتيقَّن ذلك).

وحاصل ما ذكره صاحب الجواهر (رحمه الله): هو التَّفصيل بين نيَّة القطع الَّتي هي بمعنى إنشاء رفع اليد عمَّا تلبَّس به من الصَّوم، فيبطل الصَّوم حينئذٍ، سواء جدَّد نيَّة الصَّوم بعد نيَّة القطع أم لم يُجدِّد؛ إذ لا مدخليّة لذلك في صحّة الصَّوم وعدمه.

وأمَّا نيَّة القطع -بمعنى العزم على ما يحصل به ذلك، وإن لم يتحقَّق الإنشاء، وكذا نيَّة القاطع-: فلا يبطل بهما الصَّوم.

والإنصاف بحيث يتَّضح به حقيقة الحال: هو أنَّ معنى نيَّة القطع هو رفع اليد عمَّا تلبَّس به من الصَّوم على نحو إنشاء الدُّخول فيه، أي لا يكون صائماً؛ باعتبار أنَّ الصَّوم أمرٌ قصديّ، فيرفع اليد عن قصده، ومعنى نيَّة القاطع هو قصد بتناول المُفطِّر، وإن لم يتحقَّق المُفطر خارجاً، كأنْ يقصد مثلاً شرب الماء، أو أكل الطَّعام، ونحو ذلك.

هذا هو الفرق المعنويّ بينهما، وأمَّا من حيث الحكم فلا إشكال أنَّ نيّة القطع تضرّ؛ لأنَّ رَفْع اليد عن الصَّوم يُنافي نيّة الإمساك طُول النَّهار، والصَّوم أمر ارتباطيٌّ، فإذا رفع اليد عن الإمساك في جُزء من النَّهار بطل الصَّوم؛ لأنَّه لا يتبعّض.

وأمَّا نيّة القاطع، فإنَّها أيضاً تُنافي نيَّة الصَّوم الَّذي هو الإمساك إلى الغروب؛ إذ كيف يجتمع الصَّوم الَّذي هو عبارة عن الإمساك عن المُفطِّرات، مع قَصْد الأكل والشُّرب الَّذي هو نيّة القاطع، ولو كان ذلك بعد ساعة أو ساعتَيْن، فلا فرق حينئذٍ من حيث الحكم بين نيَّة القطع، ونيَّة القاطع؛ إذ كلٌّ منهما يُنافي حقيقة الصَّوم.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo