< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/04/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

ومنها: موثَّقة عبد الكريم بن عمرو (ولا العيدَيْن، ولا أيام التَّشريق، ولا اليوم الَّذي يشك فيه)[1]

قال في الوسائل، ورواه الكُلينيّ عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن كرام (قال: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السَّلام)...)، وذكر مثله، إلَّا أنَّه قال: (ولا اليوم الَّذي يشكّ فيه من رمضان)

قال النَّجاشيّ: (عبد الكريم بن عمرو بن صالح الخثعميّ مولاهم، كوفيّ، روى عن أبي عبد الله، وأبي الحسن (عليه السَّلام)، ثمَّ وقف على أبي الحسن (عليه السَّلام)، كان ثقةً عيناً، يُلقّب كرام...).

وذكره الشَّيخ (رحمه الله) في رجاله في أصحاب الكاظم (عليه السَّلام) قائلاً: (عبد الكريم بن عَمْرو الخثعميّ -لقَّبه كرَّام- كوفيّ واقفيّ خبيثٌ)، وما ذكر من الأدلَّة على أنَّه إماميّ ليس تامّاً.

ودلالتها كسابقتها، وتحمل على ما حملنا عليه الرِّوايات المُطلقة، وكذا غيرها من الرِّوايات.

والخلاصة: أنَّ المراد من هذه الرِّوايات المُطلقة هو النَّهي عن صومه على أنَّه من شهر رمضان؛ إذ صوم يوم الشَّكّ لا بهذه النِّيّة -بل نية أنَّه من شعبان، كما سيأتي إن شاء الله- مُستحبّ، بلا خلاف فيه بيننا، إلَّا من الشَّيخ المفيد (رحمه الله) فيما حُكي، فكرهه على بعض الوجوه -كما سيأتي إن شاء الله تعالى-، ولكنَّه شاذّ، بل على خلافه الرِّوايات الكثيرة جدّاً.

وما ذكرناه من حَمْل هذه الرِّوايات المُطلقة على صومه على أنَّه من شهر رمضان، هو الأقرب إلى الواقع.

وإن أبيت عن هذا الحمل، فتُحمل على التَّقيّة؛ لأنَّه مذهب جماعةٍ من العامَّة؛ لأنَّهم يزعمون أنَّ مَنْ صام يوم الشَّكّ هو بمنزلة مَنْ أفطر في شهر رمضان.

وأمَّا ما ذهب إليه ابن الجنيد، وابن عقيل (رحمهما الله) من الاجتزاء به عن شهر رمضان لو صادف، وكذا الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف، فقدِ استدلّ له الشَّيخ (رحمه الله) (بإجماع الفرقة، وأخبارهم، على أنَّه مَنْ صام يوم الشَّكّ أجزأه عن صيام شهر رمضان).

وفيه: أنَّ الإجماع غير مُتحقّقٍ، كما هو واضح.

مضافاً لكون الإجماع المنقول بخبر الواحد غير حُجّةٍ، وبالأخصّ على طريقة الشَّيخ (رحمه الله) في تحصيل الإجماع.

وأمَّا الأخبار المُشار إليها، فقد عرفت المراد منها.

نعم، يمكن الاستدلال لهذا القول بروايتَيْن:

الأُولى: موثَّقة سماعة (قَاْل: سألتُه عَنِ اليومِ الَّذي يُشكّ فيه من شهرِ رمضان، لا يدرى: أهو من شعبان، أو من شهر رمضان، فصامه من شهرِ رمضان؟ قَاْل: هو يومٌ وُفِّقَ له، لا قضاء عليه)[2]

هكذا في التَّهذيب، وظاهرها: أنَّه صامه بقصد أنَّه من شهر رمضان، فتكون دالةً على ما ذهب إليه هؤلاء الأعلام من الصِّحّة فيما لو قصد كونه من شهر رمضان، وتكون منافيةً للرِّوايات السَّابقة.

ولكن عن الكافي نقلها هكذا: (فصامه فكان من شهر رمضان)، وهو أضبط في التَّهذيب، وأوثق، فتعيَّن الاعتماد عليه.

خُصوصاً في هذا المورد، حيث إنَّ الشَّيخ (رحمه الله) -على ما يظهر من الحدائق- نقلها عن الكافي، فلا عِبْرة بنقله بعد مخالفته لما في الكافي.

ثمَّ إنَّك قد عرفت في أكثر من مناسبة أنَّ مضمرات سماعة مقبولةٌ.

الثَّانية: حسنة معاوية بن وهب (قَاْل: قلتُ لأبي عبدالله عليه‌السلام: الرَّجلُ يصوم اليوم الَّذي يشكّ فيه من شهر رمضان، فيكون كذلك؟ فقال: هو شيء وُفِّق له)[3]

والاستدلال لهذا القول مبنيٌّ على تعلُّق (من شهر رمضان)، بقوله: (يوم...).

ولكنَّ الظَّاهر تعلُّق (من شهر رمضان)، بقوله: (يشكّ)؛ لأنَّه أقرب، بل تعلُّقه بقوله: (يشكّ)، وذلك للرِّوايات المُتقدِّمة جمعاً بينها.

الصُّورة الثَّانية: إذا صام يوم الشَّكّ ندباً من شعبان.

والمعروف بين الأعلام أنَّه يصحّ صومه، ويُجزِئ عن رمضان إذا انكشف أنَّه منه.

وفي الجواهر: (بلا خلاف أجده فيه، بل ربّما ظهر من المُصنِّف، والفاضل نفسه بين المسلمين، بل الإجماع بقسمَيْه عليه، بل المحكيّ منهما مستفيض حدّ الاستفاضة إن لم يكن متواتراً، كالنُّصوص الَّتي فيها الصَّحيح وغيره المُتضمنّة لبيان وجه الإجزاء من أنَّه يوم وُفِّق له...)

أقول: تسالم الأعلام قديماً وحديثاً على مشروعيّة صومه في الجملة.

ويشهد له -مضافاً للتَّسالم-: الرِّوايات المستفيضة جدّاً، بل لا يبعد تواترها، وقد تقدَّم جملة منها في الصُّورة الأُولى، مثل موثَّقة سُماعة، ورواية الزُّهريّ، ورواية سهل بن سعد، وحسنة معاوية بن وهب، وموثَّقة سُماعة المُضمرة.

وتدلّ عليه أيضاً: جملة من الرِّوايات لم نذكرها:

منها: صحيحة سعيد الأعرج (قَاْل: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السَّلام): إنِّي صمتُ اليوم الَّذي يُشكّ فيه، فكان من شهر رمضان، أفأقضيه؟ قَاْل: لا، هو يومٌ وُفِّقتَ له)[4]

وابن أبي الصَّهبان الموجود في السَّند هو مُحمّد بن أبي الصّهبان عبد الجبَّار، ومن المعلوم أنَّ مُحمّد بن عبد الجبَّار ثقةٌ، وثَّقه الشَّيخ (رحمه الله) في رجاله.

ومنها: رواية بشير النّبَّال عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال: سألتُه عن صوم يوم الشَّكّ؟ فقال: صُمه، فإنْ يكُ من شعبان كان تطوُّعاً، وإن يكُ في شهر رمضان فيومٌ وُفِّقتَ له)[5]

وهي ضعيفة بعدم وثاقة بشير النّبَّال، ورواه الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في الفقيه بإسناده عن بشير النَّبّال، وإسناده إليه ضعيف بمحمَّد بن سنان، ورواها في المُقنع مرسلة.

ومنها: رواية مُحمّد بن حكيم (قال: سألتُ أبا الحسن (عليه السَّلام) عن اليوم الَّذي يُشكّ فيه، فإنَّ النَّاس يزعمون أنَّ مَنْ صامه بمنزلة مَنْ أفطر في شهر رمضان، فقال: كذبوا، إنْ كان من شهر رمضان فهو يومٌ وُفِّق له، وإن كان من غيره فهو بمنزلة ما مضى من الأيام)[6]

وهي ضعيفة بعدم وثاقة الخُضر بن عبد الملك، وأمَّا عُبيس بن هشام الواقع في السَّند فقد قال النَّجاسيّ: (العبَّاس بن هشام أو الفضل النَّاشري الأسديّ، عربي ثقة جليل في أصحابنا، كثير الرِّواية، كُسِر اسمه، فقيل: عُبيس، له كتب...)، وأمَّا مُحمّد بن حكيم فهو ممدوح.

ومنها: حسنة الكاهليّ (قال: سألتُ أبا عبد الله (عليه السَّلام) عن اليوم الَّذي يُشكّ فيه من شعبان؟ قال: لإنْ أصوم يوماً من شعبان أحبُّ إليَّ من أنْ أُفطر يومًا من شهر رمضان)[7]

ومعنى هذه الرِّواية: هو أنَّ صيام هذا اليوم من شعبان أحبُّ إليَّ من أن أُفطر فيظهر كونه من شهر رمضان، فيكون بمنزلة من أفطر في شهر رمضان، ووجب عليه القضاء.

والرِّواية حسنة بعبد الله بن يحيى الكاهليّ، فإنَّه ممدوحٌ جدّاً.

قال النَّجاشيّ: (عبد الله بن يحيى أبو مُحمّد الكاهليّ عربيّ أخو إسحاق، رويا عن أبي عبد الله وأبي الحسن (عليه السَّلام)، وكان عبد الله وجهاً عند أبي الحسن (عليه السَّلام)، ووصَّى به عليّ بن يقطين، فقال له: اِضمن لي الكاهليّ وعياله أضمن لك الجنَّة...)

وروى أخطل الكاهليّ عن عبد الله بن يحيى الكاهليّ (قَاْل: حججتُ، فدخلتُ عليه، فقال لي: اِعمل خيراً في سنتك هذه فقد دنا أجلك، فبكيتُ، فقال: ما يبكيك؟

قلتُ: جُعلت فداك، نُعيت إليَّ نفسي، فقال لي: أبشر، فإنَّك من شيعتنا، وإنَّك إلى خير، قال الأخطل: فما لبث عبد الله بعد ذلك إلَّا يسيراً حتَّى مات)، والرِّواية ضعيفة.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo