< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/04/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

 

قوله: (نعم، يُمرِّن عليه لسبع، ويُشدّد عليه لتسع)

المعروف بين الأعلام أنَّه يُستحبّ للوليّ أن يُمرّن الصَّبيّ على الصَّوم قبل البلوغ، قال في المدارك: (ويُستحبّ أن يُؤخذ الصُّبيان بالصِّيام إذا أطاقوه، وبلغوا تسع سنين وإن لم يكن ذلك واجباً عليهم).

ولم يتعرَّض الشَّيخ (رحمه الله) لما قبل التِّسع، وظاهره أنَّ مبدأ الأمر لهم بذلك كمال التِّسع.

ونقل عنه العلَّامة (رحمه الله) في المختلف أنَّه قال في المبسوط: (أنَّ مبدأ ذلك بعد تمام سبع سنين)، وقال المُحقِّق (رحمه الله) في المُعتبر: (ويُؤخذ الصَّبيُّ بالصَّوم إذا بلغ ستّ سنين، وأطاق الصَّوم استحباباً...).

وعن الشَّيخ المفيد (رحمه الله) (أنَّه يُؤخذ بالصِّيام إذا بلغ الحلم، أو قدر على صيام ثلاثةٍ أيامٍ متتابعاتٍ قبل أن يبلغ الحلم...).

وعن ابني بابويه رحمهما الله: (يُؤخذ بالصِّيام إذا بلغ تسع سنين على قدر ما يُطيقه، فإن أطاق إلى الظُّهر أو بعده صام إلى ذلك الوقت، وإذا غلب عليه الجُوع والعطش أفطر، وإذا صام ثلاثة أيامٍ ولاءً أُخذ بصوم الشَّهر كلّه...).

أقول: لابُدّ من الرُّجوع إلى النَّبع الصَّافي روايات أهل البيت (عليهم السَّلام) حتَّى نرى ما هو الإنصاف في المسألة.

وهناك جملة من الرِّوايات:

منها: معتبرة السَّكونيّ المُتقدِّمة (إذا أطاق الغُلام صومَ ثلاثة أيامٍ متتابعةٍ، فقد وجب عليه صومُ شهرِ رمضان)[1]

وهي تُعتبر دليلًا لما ذهب إليه الشَّيخ المفيد (رحمه الله).

ولكنَّك عرفت المراد منها سابقاً، وأنَّها محمولةٌ على التَّشديد أمر الصَّوم، كما أنَّ ذكرنا ما يحتمل أن يكون مراد الشَّيخ المفيد (رحمه الله).

ومنها: حسنة الحلبيّ عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (قال: إنَّا نأمر صبياننا بالصِّيام إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم، فإنْ كان إلى نصف النَّهار، أو أكثر من ذلك، أو أقلّ، فإذا غلبهم العطش والغرث أفطروا حتَّى يتعوَّدا الصَّوم ويُطيقوه، فمرّوا صبيانكم إذا كانوا بني تسع سنين بالصَّوم ما أطاقوا من صيام، فاذا غلبهم العطش أفطروا)[2]

الغرث -بالتَّحريك-: الجُوع، وهذه الحسنة هي الدَّليل لما عن النِّهاية من أنَّه يمرّن التِّسع سنين.

ومثلها مرسلة الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في الفقيه (قال الصَّادق عليه‌السلام: الصَّبيّ يُؤخذ بالصِّيام إذا بلغ تسع سنين على قدر ما يطيقه، فإنْ أطاق إلى الظُّهر أو بعده صام إلى ذلك الوقت، فإذا غلب عليه الجُوع والعطش أفطر)[3] ، ولكنَّها ضعيفة بالإرسال.

هذا، وقد روى العلَّامة (رحمه الله) في المُختلف حسنة الحلبيّ بدل التِّسع سنين في قوله (عليه السَّلام): (فمُروا صبيانكم إذا كانوا بني تسع سنين)، هكذا: (فمُروا صبيانكم إذا كانوا بني سبع سنين...)، فتكون دليلًا للشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط، ولجماعة من الأعلام، حيث ذهبوا إلى أنَّه يُمرّن لسبع سنين.

ولكنَّ هذه النِّسخة غير ثابتةٍ، والأصحّ رواية الكُلينيّ المُتقدِّمة (أي التِّسع سنين).

ومنها: صحيحة زُرارة والحلبيّ عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (أنّه سُئِل عن الصَّلاة على الصَّبيّ متى يُصلَّى عليه؟ قَاْل: إذا عقل الصَّلاة، قلتُ: متى تجب الصَّلاة عليه؟ فقال: إذا كان ابن ستِّ سنين، والصِّيام إذا أطاقه)[4]

وهذه الصَّحيحة دليلٌ لما ذهب إليه المُحقِّق (رحمه الله) في المُعتبر من أنَّه يُؤخذ بالصِّيام إذا بلغ ستّ سنين، وأطاق الصَّوم استحباباً.

ومنها: موثَّقة سماعة (أنَّه سأل الصَّادق عن الصَّبيّ متى يصوم؟ قال: إذا قوي على الصِّيام)[5] ، وهذه ليس فيها تحديد.

ومنها: صحيحة مُحمّد بن مسلم في التَّهذيب عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (أنَّه سُئل عن الصَّبي متى يصوم، قال: إذا أطاقه)[6]

وهذه الصَّحيحة لم تُحدّد سنةً مُعيّنةً، بل المناط هو الإطاقة.

إذا عرفت ذلك، فنقول: إنَّ مقتضى الجمع بين هذه الرِّوايات هو البناء على اختلاف مراتب التَّأكيد باختلاف مراتب العمر، وشدَّة التَّخيير والطَّاقة الَّتي هي المدار في التَّمرين.

ويشتدّ باشتدادها، فإنَّ مراتب الأطفال في التَّخيير والطَّاقة متفاوتةٌ باختلاف العمر، فمَنْ كان عمره تسع سنين ليس كمَنْ عمره ستّ سنين من حيث التَّمييز والطَّاقة، وهكذا..

ولا يُنافي ذلك ما ورد في صحيحة معاوية بن وهب (قَاْل: سألتُ أبا عبد الله (عليه‌السلام): في كم يُؤخذ الصَّبيّ بالصِّيام؟ قَاْل: ما بينه وبين خمس عشرة سنة وأربع عشرة سنة، فإن هو صام قبل ذلك فدعه، ولقد صام ابني فلان قبل ذلك فتركته)[7] ؛ لأنَّ أخذ الصَّبيّ بالصَّوم بين الأربع عشرة، والخمس عشرة، لا يُنافي استحباب أمره قبل ذلك.

*ويُحتمل* أن يكون المُراد بأخذ الصَّبيّ ما بينه وبين خمسة عشرة وأربع عشرة هو الأخذ الوجوبيّ الشَّرعيّ، بناءً على ما هو الغالب من ظُهور أمارة البلوغ في طُول هذه المُدّة، فيكون قوله (عليه السَّلام): (فإنَّ هو صام قبل ذلك فدعه)، إشارة إلى التَّمرين ولا تحديد له.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo