< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/04/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

 

ثمَّ إنَّه ينبغي التَّنبيه على أمر، وحاصله: أنَّ مورد الرِّوايات المُتقدِّمة إنَّما هو الصَّبيّ خاصّة.

ولكنَّ الأعلام قالوا: لا فرق في استحباب التَّمرين بين الصَّبيّ والصَّبيّة؛ لأجل اشتراكهما في حكمته؛ باعتبار أنَّ المقتضى في الصَّبيّ موجودٌ في الصَّبيّة.

وقال في المدارك: (قطع الأصحاب باستحباب تمرين الصَّبية قبل البلوغ والتَّشديد عليها للسَّبع، ولا ريب في استحباب التَّمرين، إلَّا أنَّ تعيين مبدأه يتوقَّف على ورود النَّقل).

أقول: لا دليل على تعيين مبدئه في الأُنثى، والتَّعدي من الرِّوايات الواردة في الصَّبيّ إلى الصَّبيّة يحتاج إلى قرينة، وهي مفقودة.

هذا، وقد ذكر بعض الأعلام أنَّه يتخيّر حين التَّمرين على الصِّيام بين نيّة الوجوب والنَّدب، فالوجوب لأنَّ الغرض التَّمرين على الفعل الواجب والنَّدب؛ لعدم وجوبه عليه.

وفي الرَّوضة: أنَّه (قد ذكر ذلك المُصنِّف وغيره).

أقول: رجّح المُصنِّف (رحمه الله) في البيان الوجوب، حيث قال: (وينوي الصَّبيّ الوجوب، ولو نوى النَّدب جاز).

وقال في الذِّكرى في مبحث النِّيّة في الوضوء: (وهل ينوي الوجوب أو النَّدب؟ الأجود الأوَّل ليقع التَّمرين موقعه) ثمَّ قال: (ويكون المراد بالوجوب في حقِّه ما لابُدّ منه -يعني ولو تمرينًا-، أو المراد به الواجب على المُكلِّف، ويمكن الثَّاني؛ لعدم وجه الوجوب)، وفي الرَّوضة: (أنَّ النَّدب أولى).

أقول: كون الغرض هو التَّمرين على فعل الواجب لا يُوجب نيّة الوجوب؛ لأنَّ التَّمرين عليه لا يستلزم التَّمرين على إيقاعه لوجهه.

على أنَّ الغرض من التَّمرين تسهيل التَّكليف عليه لتعوُّده به، ولا صعوبة في النِّيّة ليمرّن عليها.

والإنصاف: أنَّه لا حاجة لنيّة الوجه، سواء كان ذلك نيّة الوجوب أو النَّدب؛ لما عرفت أنَّه لا يجب ذلك في البالغين فضلًا عن غيرهم.

وعليه، فينوي القُربة فقط.

    

 

قوله: (ويكون صومًا شرعيّاً، بمعنى استحقاق الثَّواب، ودُخوله في اسم الصَّائم)

اِختلف الأعلام في أنَّ عبادة الصَّبيّ، هل هي شرعيّة يستحقّ عليها الثَّواب، وتدخل تحت اسم الصَّائم شرعًا، أم لا، بل هي لمجرّد التَّمرين من دون توجيه خطابٍ شرعيٍّ إليه، وطلب منه؟

ذهب كثير من الأعلام إلى أنَّ عبادة الصَّبيّ شرعيَّة يستحقّ عليها الثَّواب، منهم المُصنِّف (رحمه الله) هنا، والمُحقِّق (رحمه الله) في الشَّرائع، والشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط، حيث قال: (والصَّبيّ إذا نوى صحّ ذلك منه، وكان صوماً شرعيّاً...).

وقال المُحقِّق (رحمه الله) في الشَّرائع: (نيَّة الصَّبيّ المُميِّز صحيحة، وصومه شرعيّ، وقال في المُعتبر، ويصحّ من الصَّبيّ المُميِّز لقوله (عليه السَّلام): مروهم بالصَّلاة لسبع...).

وبالمقابل، ذهب جماعة من الأعلام إلى أنَّ عبادة الصَّبيّ تمرينيّةٌ، وليست شرعيّةً، ولا خطاب من الشَّارع للصَّبيّ، منهم العلَّامة (رحمه الله) في المُختلف، والشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في المسالك.

قال في المختلف -بعد نقل قول الشَّيخ (رحمه الله)-: (وعندي في ذلك إشكال، والأقرب: أنَّه على سبيل التَّمرين، وأمَّا أنَّه تكليف مندوب إليه، فالأقرب: المنع...).

وقال الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في المسالك: (أمَّا صحَّة نيّته وصومه، فلا إشكال فيها؛ لأنَّها من باب خطاب الوضع، وهو غير مُتوقّفٍ على التَّكليف، وأمَّا كون صومه شرعيّاً ففيه نظر؛ لاختصاص خطاب الشَّرع بالمُكلّفين، والأصحّ: أنَّه تمرينيّ لا شرعيّ...).

أقول: ذكرنا في أكثر من مناسبة أنَّ عبادة الصَّبيّ شرعيّة، ويستحقّ عليها الثَّواب، وتدخل تحت اسم المُصلِّي، والصَّائم، والحاجّ، ونحوها؛ وذلك لجملة من الأدلَّة:

منها: إطلاق أدلَّة مشروعيّة العبادات، فإنَّها تشمل البالغ والصَّبيّ المُميّز.

وأمَّا حديث (رُفِع القلم عن الصَّبيّ حتَّى يحتلم...) -مع قطع النَّظر عن ضعفه سندًا – فهو امتنانيٌّ لا يرفع نفس المشروعيّة والاستحباب؛ إذ ليس في رفعها امتنانٌ، بل هو خلاف الامتنان؛ لأنَّ في رفعها حرمانه من الثَّواب على فعلها، وإنَّما يرفع الإلزام؛ لأنَّ في رفعه امتنانًا، كما هو واضح.

ويمكن توجيه حديث رفع القلم ببيان آخر، وحاصله: أنَّ المراد برفع القلم عنه إمَّا قلم المُؤاخذة، بمعنى أنَّ ما يصدر منه من مخالفة الأحكام الشَّرعيّة من ترك الواجبات وفعل المُحرّمات لا يُكتب عليه، ومعنى ذلك أنَّه مشمول لأدلَّة التَّكاليف.

ولكنَّه لا يُؤاخذ بمُخالفتها، فهو غير ملزمٍ بها، بل يجوز له مُخالفتها.

وعليه، فتكون الواجبات مُستحبّة في حقِّه.

أو أنَّ المراد برفع القلم عنه قلم التَّكاليف الَّتي يترتَّب على مُخالفتها المُؤاخذة، فمعنى رفع القلم عنه أنَّ التَّكاليف خُصّصت بما عداه، ولم تُوضع على الصَّبيّ، وإطلاق الرَّفع عليه بلحاظ ما فيها من شأنيّة الوضع على الجميع.

فعلى هذا، يكون الصَّبيّ خارجًا عن موضوع أدلَّة التَّكاليف الَّتي يترتَّب على مُخالفتها المُؤاخذة.

وأمَّا التَّكاليف المُستحبّة، فهي شاملة له بمُقتضى إطلاق أدلَّة مُشروعيّة العبادات الشَّاملة للبالغ والصَّبيّ المُميّز.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo