< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/04/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

وفيه: أنَّ موضوع اللُّزوم والوجوب على البالغ هو تمام اليوم -من الفجر- لا بعضه؛ إذ لا دليل على وجوب الصَّوم عليه في بعض أوقات النَّهار، بل القاعدة في صيام شهر رمضان تقتضي أن يكون ذلك من الفجر، إلَّا في بعض الموارد -كالمسافر إذا وصل إلى بلده قبل الزَّوال، ولم يتناول المُفطِّر، وهناك مورد آخر- وما نحن فيه ليس من تلك الموارد، فلا دليل على وجوب الصَّوم عليه في بقيَّة النَّهار.

*لا يُقال:* كيف حكمتم في باب الصَّلاة فيما لو بلغ المُصلِّي آخر الوقت أثناء الصَّلاة بوجوب الإتمام، ولم تقولوا بذلك هنا؟

*فإنَّا نقول:* الفرق بينهما واضح، فإنَّ باب الصَّلاة المأمور بها، والمطلوب هو كلِّي الصَّلاة، أي طبيعة الصَّلاة والمحدودة ما بين المبدأ والمنتهى.

نعم، الأمر بها قد يكون وجوبيّاً، كما في حقِّ البالغين، وقد يكون استحبابيّاً، كما في الصَّبيّ المميز والشَّرائط، فلا معنى لإعادتها؛ لأنَّ المطلوب حصولها، وقد حصلت، سواء كان الآتي بها بالغاً طُول الوقت، أم بلغ في الأثناء.

وهذا بخلاف ما نحن فيه من صيام شهر رمضان، فإنَّ المطلوب فيه حِصَّة خاصَّة من طُلُوع الفجر إلى اللَّيل مستجمعةٌ لجملة من الشَّرائط، منها البلوغ حين الفجر، فإذا لم يكن بالغاً حين الفجر، وقد بلغ في أثناء النَّهار، فلا دليل على إجزاء ما أتى به في بقيَّة النَّهار بالغاً عن الكُلّ.

*وبالجملة،* فهذه الحِصَّة من الصَّوم المطلوبة، أي من الفجر إلى اللَّيل، لم يأتِ بها كاملة، وإنَّما أتى ببعضها أثناء النَّهار، ولا دليل على إجزاء ما أتى به عن الكُلّ.

*والخُلاصة إلى هنا:* أنَّه لا يجب الصَّوم إذا بلغ في أثناء النَّهار، والله العالم.

    

 

*قوله: (وتأديباً إن تناول)*

هذا معطوف على قوله: (مُستحبّاً)، والإنصاف: أنَّه لا دليل على الإمساك تأدُّباً هنا.

وأمَّا ما ورد في بعض الرِّوايات من إمساك بقيَّة النَّهار تأدُّباً في بعض الموارد الَّتي سنذكرها، فلا تشمل هذا المورد.

وأمَّا الاستدلال للإمساك تأدُّباً هنا بأنَّ شهر رمضان له حرمة، وأيضاً ليتشبّه بالصَّائمين، ونحو ذلك، ففي غير محلِّه؛ إذ لا تعدو كونها أموراً استحسانيّةً.

    

 

قوله: (ولو شكّ في البلوغ فلا وجوب)*

للأصل، ولاستصحاب عدم بُلوغه.

    

*قوله: (ولو ظنّ أنَّه يمنيّ بالجُماع لم يجب التعرُّض له)*

لعدم ظُهور أمارة البُلوغ الذي هو مناط الوجوب.

    

 

*قوله: (فالأقرب: البُلوغ مع إمكانه)*

للاطمئنان بأنَّه منه سبب الاختصاص والاطمئنان، وإن كان ظنّاً، إلَّا أنَّه ظنٌّ مُتاخمٌ للعلم، وهو حجَّة؛ لإمضاء الشَّارع المُقدَّس العقلاء على عملهم به.

ومن المعلوم، أنَّ البلوغ بخُروج المنيّ هو مذهب علماء الإسلام كافّةً، كما في التَّذكرة.

وأمَّا اعتبار إمكان كونه منه، فهو بحسب سنِّه، وحاله، كما لا يخفى.

    

 

*قوله: (ولو كان مُشتركاً فلا)*

وذلك لعدم حُصول الاطمئنان بأنَّه منه، ومجرَّد الظَّنّ غير كافٍ.

    

 

*قوله: (ولو اشترك بين صبيَيْن، فأحدهما بالغ، فالأَولى تقيُّدهما)*

حكم المُصنِّف (رحمه الله) في هذه الصُّورة بأولويّة تعبُّدهما؛ وذلك لحصول الظَّنّ القويّ ببلوغ أحدهما، ولا يمكن الحكم به على واحد بخصوص، فالاحتياط في تعبُّدهما.

*ولكنَّ الإنصاف:* أنَّ كلّاً منهما يستصحب عدم بلوغه، والعلم الإجماليّ ببلوغ أحدهما غير مُؤثّرٍ لخروج أحد طرفَيْه، وهو بلوغ الآخر عن محلّ الابتلاء.

وبالجملة، فإنَّ العلم الإجماليّ إنَّما يمنع من إجراء الأُصول النَّافية إذا كان مُؤثّراً في تنجيز التَّكليف على كلّ تقديرٍ، وبما أنَّه لا يجب على أحدهما ترتيب آثار البلوغ على فرض كون الصَّبيّ الآخر هو البالغ، فلا يمنع علمه الإجماليّ من استصحاب عدم بلوغه.

    

 

*قوله: (ولا يجب على المجنون)*

المعروف بين الأعلام أنَّه لا يجب الصَّوم على المجنون، بل هو متَّفق عليه بين الكُلّ؛ لأنَّ التَّكليف يسقط مع عدم العقل.

وبالجملة، فإنَّ المجنون ليس محلًّا للتَّكليف، ولا يتوجّه إليه الخطاب؛ لزوال عقله، فلا يجب عليه الأداء ولا القضاء.

وقدِ استُدلّ أيضاً: بحديث رفع القلم، وقد عرفت ما فيه.

ولا فرق في ذلك بين كون الجُنون إدواريّاً أو إطباقيّاً، مُستغرقًا للوقت، أو بعضه.

ونقل عن العلَّامة (رحمه الله) وغيره أنَّ الجنون إذا عرض في أثناء النَّهار لحظةً واحدةً أبطل صوم ذلك اليوم.

وقال الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط: (إن أصبح صائمًا، ثمَّ جُنّ في بقيَّة يومه، أو أُغمي، فالحكم فيه سواء، في أنَّ صومه صحيحٌ...).

ونقل عن الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف أيضاً أنَّه ساوى بينه وبين الإغماء في الصِّحّة، مع سبق النِّيّة، قال في المدارك: (ولا يخلو من قرب).

*أقول:* ما ذكرناه هو الصَّحيح؛ لما عرفت من منافاة الجُنون للصِّيام.

    

 

*قوله: (ويسقط بعروضه، وإن كان بسبب المُكلَّف)*

لخروجه بذلك عن حدّ التَّكليف، وقد عرفت كلام العلَّامة (رحمه الله) وغيره من أنَّه إذا عرض الجُنون في أثناء النَّهار لحظةً واحدةً أبطل صوم ذلك اليوم.

ثمَّ إنَّ المشهور بين الأعلام أنَّه لا فرق بين أن يكون ذلك بسببه، أو بغير سببه.

ولكن عن الأسكافيّ (رحمه الله) وجوب القضاء إذا كان الجُنون بفعله.

ولا دليل له بعد كون مقتضى الأصل هو العدم، والقضاء إنَّما هو بأمر جديد، ولا أمر في المقام.

وقدِ اتَّضح بذلك عدم صحَّة ما ذكره الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في شرح الإرشاد، حيث قال في بحث سقوط القضاء عن المجنون: (ويجب تقييده بكون سبب الجُنون ليس من فعله، وإلَّا وجب عليه القضاء كالسُّكران)

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo