< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/04/28

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: الصَّوم

 

قوله: (ويسقط بعروضه، وإن كان بسبب المُكلَّف)

لخروجه بذلك عن حدّ التَّكليف، وقد عرفت كلام العلَّامة (رحمه الله) وغيره من أنَّه إذا عرض الجُنون في أثناء النَّهار لحظةً واحدةً أبطل صوم ذلك اليوم.

ثمَّ إنَّ المشهور بين الأعلام أنَّه لا فرق بين أن يكون ذلك بسببه، أو بغير سببه.

ولكن عن الأسكافيّ (رحمه الله) وجوب القضاء إذا كان الجُنون بفعله.

ولا دليل له بعد كون مقتضى الأصل هو العدم، والقضاء إنَّما هو بأمر جديد، ولا أمر في المقام.

وقدِ اتَّضح بذلك عدم صحَّة ما ذكره الشَّهيد الثَّاني (رحمه الله) في شرح الإرشاد، حيث قال في بحث سقوط القضاء عن المجنون: (ويجب تقييده بكون سبب الجُنون ليس من فعله، وإلَّا وجب عليه القضاء كالسُّكران).

قوله: (ولا تمرين في حقِّه)

قال العلَّامة (رحمه الله) في المنتهى: (ولا يُؤمر بالصَّوم، كما يُؤمر الصَّبيّ به، بلا خلاف؛ لأنَّه غير مُميّز، بخلاف الصَّبيّ، فإنَّه مميِّز، وقال الشَّهيد الثَّاني: بعد نقل هذا التَّعليل في الرَّوضة، ويشكل ذلك في بعض المجانين لوجود التّميُّز فيهم...).

أقول: قد عرفت سابقاً أنَّ استحباب تمرين الصَّبيّ إنَّما ثبت بالدَّليل، ولا دليل هنا على تمرين المجنون، وإن كان يوجد فيه تمييز، وقياسه على الصَّبيّ في غير محلِّه.

قوله: (ولا المغمى عليه، ولا يقتضي بسبق النِّيّة، وإفطاره، ومداواته بالمُفطِّر، خلافاً للمبسوط، وقال المفيد (رحمه الله) يقضي ما لم ينوِ قبل الإغماء فتجري)

يقع الكلام في أربعة أُمورٍ:

الأوَّل: هل يُشترط في وجوب الصَّوم عدم الإغماء، أم لا؟

الثَّاني: هل يصحّ صومه مع سَبْق النِّيّة، أم أنَّه يفسد بحصول الإغماء في جُزء من أجزاء النَّهار، كالجنون؟

الثَّالث: هل يجب القضاء على المُغمى عليه ما فاته أيام إغمائه، أم لا؟

الرَّابع: هل أنَّ عدم القضاء -بناءً على عدم وجوب القضاء عليه، كما هو الصَّحيح عندنا، وعند المشهور- مختصٌّ بما إذا كان الإغماء مُستندًا إلى غلبة الله تعالى، وخارجًا عن اختيار المُكلَّف، أو يعمّه، وما استند إلى اختياره.

ثمَّ لا يخفى عليك أنَّه بناءً على عدم وجوب القضاء عليه يصبح البحث عن صحَّة صومه مع سَبْق النِّيّة، وعدم الصِّحة، قليل الفائدة، كما سيتضح لك.

إذا عرفت ذلك، فنقول:

أمَّا الأمر الأوَّل: فالمعروف بين الأعلام قاطبةً قديماً وحديثاً، وفي جميع الأعصار والأمصار أنَّه لا يجب الصَّوم على المُغمى عليه؛ ضرورة كونه كالمجنون لخروجه بذلك عن أهليّة التَّكليف.

ومن هنا، ذكر العلَّامة (رحمه الله) في المُنتهى: (أنَّه بزوال عقله سقط التَّكليف عنه وجوباً وندباً...).

والخُلاصة: أنَّه لا إشكال في ذلك، ولا حاجة لإطالة الكلام حولها.

وأمَّا الأمر الثَّاني: ذهب كثير من الأعلام إلى عدم صحَّة صوم المُغمى عليه، وأنَّه يفسد بحصول الإغماء في جُزء من أجزاء النَّهار، كالجُنون.

وبالمقابل، قال الشَّيخ المُفيد (رحمه الله) في المُقنعة: (فإنِ استهلّ عليه الشَّهر، وهو يعقل، فنوى صيامه، وعزم عليه، ثمَّ أغمي عليه، وقد صام شيئاً منه، أو لم يصم ثمَّ أفاق بعد ذلك فلا قضاء عليه؛ لأنَّه في حكم الصَّائم بالنِّيّة والعزيمة على أداء الفرض...)، ونحوه قال الشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف.

بل في المدارك: (أنَّه نقل عن ظاهر الشَّيخ في الخِلاف أيضاً أنَّه ساوى بين الجُنون، وبين الإغماء، في الصِّحة مع سَبْق النِّيّة)، ثمَّ قال صاحب المدارك (رحمه الله): (ولا يخلو من قُرب).

وممَّنْ ذهب إلى الصِّحّة أيضاً السّيِّد محسن الحكيم (رحمه الله) في المُستمسك والسّيِّد أبو القاسم الخوئيّ (رحمه الله)، وذكر السّيِّد الحكيم (رحمه الله) (أنَّه لا مانع من دعوى صحَّة صومهما -أي المُغمى عليه والسّكران- إذا سبقت منهما النِّيّة، ولا مجال لدعوى مُنافاة السُّكر، والإغماء للنِّيّة الفاعليّة؛ إذِ الظَّاهر كونهما كالنَّوم).

وقال السّيِّد أبو القاسم الخُوئيّ (رحمه الله): (وعلى الجملة: فحال السّكران والمُغمى عليه حال النَّائم من هذه النَّاحية، فإن تمّ إجماع على بطلان صومهما ولم يتمّ فهو، وإلّا فمُقتضى الإطلاقات شمول التَّكليف لهما، وصحّة العمل منهما، كمَنْ غلب عليه النَّوم...).

والإنصاف: أنَّ المُغمى عليه مُلحقٌ بالمجنون من هذه النَّاحية لا بالنَّائم؛ إذِ الفرق واضح بين النَّوم والغفلة وبين الجُنون والإغماء، ولو تمَّت دعوى صحَّة صوم السَّكران والمغمى عليه إذا سبقت منهما النِّيّة، لتمَّ ذلك في المجنون أيضاً؛ ضرورة معلوميّة عدم الاكتفاء في الصَّوم بالنِّية، واتِّفاق الإمساك، ولو مع عدم أهليّة القصد، وإلَّا لزم صحّته من الميِّت، ونحوه؛ إذ لا فرق بينه وبين الجُنون في رفع التَّكليف.

وأيضًا لا ريب في عدم صدق الصَّائم على المجنون، والمُغمى عليه، والسّكران، بخلاف النَّائم، ونحوه.

والخلاصة: أنَّ الأقوى ما ذهب إليه المشهور من عدم صحَّة صوم المُغمى عليه، والسّكران، وأنَّه يفسد الصَّوم بحصول الإغماء والسُّكر في جُزء من أجزاء النَّهار، كالجُنون.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo