< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/04/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

الأمر الثَّالث: المعروف بين الأعلام أنَّه لا يجب القضاء على المُغمى عليه بعد الإفاقة.

وفي الجواهر: (على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل عن ظاهر فِقه القرآن للرَّوانديّ الإجماع، حيث قال: لا قضاء عليه عندنا...).

وقال صاحب المدارك: (واختلف الأصحاب في وجوب القضاء على المُغمى عليه بعد الإفاقة، فقال الشَّيخ في الخلاف والمُفيد والمُرتضى: لا يقضي‌ إن سبقت منه النِّية، ويقتضي إنْ لم ينوِ،

وقال في النِّهاية والمبسوط : لا قضاء عليه مطلقاً، وبه قطع ابن إدريس، وعامَّة المُتأخِّرين، وهو المُعتمد...).

أقول: ما نقله المصنف (رحمه الله) عن المبسوط هو الصَّحيح، لا كما نقله صاحب المدارك (رحمه الله)؛ لأنَّ الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط فصَّل في القضاء، حيث قال: (وأمَّا إذا زال عقله بفعل الله، مثل الإغماء والجنون، وغير ذلك، فإنَّه لا يلزمه قضاء ما يفوته في تلك الأحوال، فعلى هذا إذا دخل عليه شهر رمضان، وهو مغمى عليه أو مجنون أو نائم، وبقي كذلك يوماً أو أياماً كثيرة، ثمَّ أفاق في بعضها أو لم يفق لم يلزمه قضاء شيء ممَّا مرّ به إلَّا ما أفطر فيه، أو طرح في حلقه على وجه المداواة له، فإنَّه يلزمه حينئذٍ القضاء؛ لأنَّ ذلك لمصلحته ومنفعته، وسواء أفاق في بعض النَّهار أو لم يفق فإنَّ الحال لا يختلف فيه...).

أقول: ما ذهب إليه المشهور من عدم القضاء عليه، سواء سبقت منه النِّيّة -كما لو نوى الصَّوم من اللَّيل- أم لا -كما لو أغمى عليه من اللَّيل، ولم يكن ناوياً للصَّوم، واستمرّ إلى النَّهار- وسواء أفطر فيه أو طرح في حلقه على وجه المداوة، أم لا، هو الصَّحيح؛ وذلك للروِّايات الكثيرة الدَّالّة عليه:

منها: صحيحة أيوب بن نوح (أنّه كتب إلى أبي الحسن الثَّالث (عليه السلام) يسأله عن المُغمى عليه يوماً أو أكثر، هل يقضي ما فاته من الصَّلوات أو لا؟ فكتب: لا يقضي الصَّوم، ولا يقضي الصَّلاة)(1).

ومنها: صحيحة عليّ بن مهزيار (قال: سألته عن المُغمى عليه يوماً أو أكثر، هل يقضي ما فاته من الصَّلاة أم لا؟ فكتب: لا يقضي الصَّوم، ولا يقضي الصَّلاة)(2).

والمكتوب إليه هو أبو الحسن الثَّالث (عليه السَّلام)، وكذا غيرها من الرِّوايات.

وأمَّا الرِّوايات الدَّالّة على القضاء، فهي محمولةٌ على الاستحباب جمعاً بينها، وهو جمع عرفيّ.

وأمَّا ما حُكي عن الشَّيخ المُفيد والمُرتضى (رحمهما الله)، والشَّيخ (رحمه الله) في الخلاف، من أنَّه يقضي إن لم تسبق منه النِّية، وإن سبقت منه، لم يقضِ، فلا دليل لهم.

نعم، عن العلَّامة (رحمه الله) في المُختلف الاستدلال لهم بما دلّ على قضاء المريض، وبما دلّ على وجوب قضاء الصَّلاة.

وفيه أوَّلاً: أنَّه لا يصدق المريض على المُغمى عليه.

ولو فرضنا صِدْقه عليه، فإنَّه مُخصّص بالرِّوايات المُتقدِّمة.

وأمَّا بالنِّسبة للدَّليل الثَّاني، فهو أوَّلاً: لا يجب قضاء الصَّلاة على المُغمى عليه بعد الإفاقة، كما ذكرنا ذلك في مبحث الصَّلاة.

وثانياً: أنَّه لا يُقاس الصَّوم بالصَّلاة؛ لحرمته القياس.

أضف إلى ذلك: أنَّه مع الفارق؛ لأنَّ الصَّلاة أهمّ وآكد، فهي عمود الدِّين إن قبلت قبل ما سواها، فإن رُدّت ما سواها، كما في الرِّواية.

وأمَّا ما ذكره في المبسوط من أنَّه يقضي إذا أفطر فيه أو طرح في حلقه على وجه المداواة، وتعليله ذلك: بأنَّه لمصلحته ومنفعته.

فيرد عليه: أنَّ كون المداواة لمصلحته لا يقتضي الحكم بلزوم القضاء عليه بعدما تقدَّم من الرِّوايات الدَّالّة على سُقوطه عنه، والله العالم.

الأمر الرَّابع: قد يُقال: إنَّ عدم القضاء مختصّ بما إذا كان الإغماء مستندًا إلى غلبة الله تعالى وخارجاً عن اختيار المُكلّف؛ وذلك لجملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة عليّ بن مهزيار (أنَّه سأله -يعني أبا الحسن الثَّالث: (عليه السَّلام) عن هذه المسألة، فقال: لا يقضي الصَّوم، ولا يقضي الصَّلاة، وكلّ ما غلب الله عليه، فالله أولى بالعذر)(3).

وكذا غيرها من الرِّوايات الَّتي ذكرناها مُفصّلًا في كتاب الصَّلاة مبحث قضاء الصَّلاة، وقلنا هنا: إنَّ هذه الرِّوايات الوارد هذا التَّعليل -مع قطع النَّظر عن ضعف السَّند في بعضها أو ضعف الدَّلالة في البعض الآخر، فإنَّ أقصى ما يُستفاد منها هو قضيّة كُليّة، أي نفي القضاء وغيره من المُؤاخذات المُترتّبة على ترك الواجبات في وقتها إذا كان ذلك بإغماء ونحوه من الأسباب الخارجة عن اختيار المُكلّف.

ولا يُستفاد منها العليّة الانحصاريّة الَّتي هي المناط في المفهوم.

وبالجملة، فإنَّ ما تدلّ عليه هذه الرِّوايات هو أنَّ علَّة نفس القضاء كون الإغماء ممَّا غلب الله عليه، وأمَّا انحصار العلّة بذلك فلا، بل لعلَّه هناك علَّة أخرى تُوجب نفي القضاء، وإن كان الإغماء بفعله.

والخُلاصة: أنَّ عدم القضاء لا يختصّ بما إذا كان الإغماء مُستنداً إلى غلبة الله تعالى، بل يشمل ما استند إلى اختياره، كما هو الحال في الجنون، فراجع ما ذكرناه في مبحث قضاء الصَّلاة(4).

__________________

(1) الوسائل -ط آل البيت (ع)-:ج8 ص259.

(2) الوسائل -ط آل البيت (ع)-: ج8، ص262.

(3) الوسائل باب3 من أبواب قضاء الصَّلوات ح3.

(4) مدارك الدُّروس، كتاب الصَّلاة، المجلد الأوَّل، ص408.

 

    

 

قوله: (ولا يصحّ من السّكران)

لا يصحّ من السّكران، كما لا يصحّ من المُغمى عليه، وقد ذكرنا ذلك في الأمر الثَّاني من الأمور الأربعة المُتقدِّمة، فراجع.

    

 

قوله: (وإن وجب عليه)

فيترتّب عليه العقاب على هذا الإفساد، ويجب عليه الإمساك تأدُّباً لو أفاق في أثناء النَّهار.

والمعروف بين جماعة من الأعلام أنَّ عليه القضاء؛ إذ لا يدخل تحت اسم المجنون والمُغمى عليه.

وممَّنْ ذهب إلى وجوب القضاء عليه الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط، وابن إدريس (رحمه الله) ، والفاضلان والمُصنِّف هنا (رحمهما الله) -فيما سيأتي-.

وقدِ استدلّ لذلك: بعموم قوله (صلى الله عليه وآله) (مَنْ فاتته فريضةً فَلْيقضها كما فاتته)، بل ذكر بعضهم أنَّ المُتّجه عدم الفرق بين كون ذلك منه على جهة الحرمة وعدمها، كالغافل والمُكره والمضطر، ونحوهم؛ وذلك لأنَّ الدَّليل عام، ولا معارض له والإثم وعدمه لا مدخليّة له في القضاء وعدمه.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo