< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/05/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

*ومن جملة الأدلة* المُستدلّ بها على كون عبادة الصَّبيّ شرعيّة: هي أنَّ الأمر بالأمر بالشَّيء أمر بذلك الشَّيء، كما عرفت في مبحث علم الأُصول.

وقد أمر الأولياء بأمر الصُّبيان، كما في حسنة الحلبيّ المُتقدِّمة (فمُروا صبيانكم إذا كانوا بني تسع سنين بالصَّوم ما أطاقوا من صيام...)، وكذا غيرها من الرِّوايات.

*وأمَّا حُجّة* العلَّامة (رحمه الله) في المُختلف بأنَّ عبادة الصَّبيّ تمرينيّة: (هي أنَّ التَّكليف مشروط بالبلوغ، ومع انتفاء الشَّرط ينتفي المشروط...).

*وفيه:* أنَّ هذا الشَّرط ليس على إطلاقه؛ لأنَّ العقل لا يمنع من توجيه الخطاب إلى الصَّبيّ المُميّز، والمعلوم من الشَّرع أنَّ التَّكليف المُتوقِّف على البلوغ إنَّما هو التَّكليف بالوجوب والتَّحريم.

وأمَّا التَّكليف المندوب، فلا مانع منه عقلًا ولا شرعًا، وقد ذكرنا أيضًا في بعض المناسبات أنَّ فعل الصَّبيّ ليس مُلحقاً بفعل البهائم والمجانين شرعًا.

ومن هنا، صحَّت حيازته وصحّ التقاطه واتّهابه وقبضه للعين الموهوبة وصحَّة وصيّته إذا بلغ عشرًا، وكان قد عقل، وكانت وصيّته في وجوه الخير، والمعروف لأرحامه، وصحّ إطلاقه أيضاً إذا بلغ عشرًا، والله العالم.

    

 

*قوله: (ولو أطاق بعض النَّهار فعل)*

كما مرّ في حسنة الحلبيّ وغيرها، ففي الحسنة المُتقدِّمة (فمُروا صبيانَكم إذا كانوا بني تسع سنين بالصَّوم ما أطاقوا من صيام، فإذا غلبهم العطشُ أفطروا).

    

 

*قوله: (وقيل: إنَّما يُؤمر إذا أطاق ثلاثة أيام تباعاً)*

القائل بذلك هو الشَّيخ المفيد، والله العالم.

وقد ذكرنا سابقاً مُعتبرة السَّكونيّ الدَّالّة على ذلك، وشرحنا المراد منها، ومن قول الشَّيخ المفيد (رحمه الله)، فراجع.

    

 

*قوله: (ولو بلغ في أثناء النَّهار أمسك مُستحبّاً إن كان لم يتناول، وفي الخلاف: يجب، وتأديبًا إن تناول)*

المعروف بين الأعلام أنَّه إذا بلغ الصَّبيّ بعد الفجر، فلا يجب عليه صوم هذا اليوم، وإن لم يأتِ بالمُفطّر.

وفي المدارك: (هو قول أكثر الأصحاب، واستدلّ عليه في المُعتبر بأنَّ الصَّبيّ والمجنون ليسا من أهل الخطاب، وإذا لم يصحَّ خطابه في أوَّل النَّهار لم يصحَّ خطابه في باقيه؛ لأنَّ صوم بعض اليوم لا يصحّ).

وفي الجواهر: (لم يجب الصَّوم على الأظهر الأشهر، بل المشهور شهرةً عظيمةً كادت تكون إجماعاً، بل هي كذلك عند ابن إدريس فإنَّه -بعد أن حكى ما في الخلاف للشَّيخ من أنَّ الصَّبيّ إن نوى الصَّوم أوَّل النَّهار، ولم يفطر، فبلغ وجب عليه الإتمام الَّذي يرجع إلى ما عن المبسوط إذا بلغ حال الصَّوم جدَّد النِّيّة، وكان صومًا صحيحًا- قال: إنَّه خلاف إجماع أصحابنا، وأنَّه من فروع المُخالفين فلا يلتفت إليه)، انتهى ما في الجواهر.

*أقول:* حُكي عن الشَّيخ (رحمه الله) في كتابي الصَّلاة من المبسوط والخلاف إطلاق أنَّ عليه الإمساك بقيَّة النَّهار تأديباً لا وجوباً من غير تقييدٍ بتناول المُفطّر وغيره.

وبالمقابل، حُكي عن ابن حمزة (رحمه الله) في الوسيلة أنَّه أطلق وجوب الصَّوم عليه إن بلغ في الأثناء، ولم يفطر من غير تقييدٍ بالنِّيّة، وعن المُحقِّق (رحمه الله) في المُعتبر أنَّه (قوَّاه تمسُّكاً بأنَّ الصَّوم ممكنٌ في حقِّه ووقت النِّيّة باقٍ...)، ومال إليه في المدارك.

*أقول:* عندنا ثلاث صُوَر:

*الأُولى:* ما لو تناول المُفطِّر قبل البلوغ.

*الثَّانية:* ما لم يتناول المُفطِّر قبل البلوغ، ولكنَّه لم يكن ناوياً للصَّوم النَّدبيّ قبل طُلُوع الفجر.

*الثَّالثة:* نفس الصُّورة الثَّانية، لكنَّه كان ناوياً للصَّوم النَّدبيّ، ثمَّ بلغ في أثناء النَّهار.

*أمَّا الصُّورة الأُولى:* فواضحة؛ إذ لا معنى لوجوب الصَّوم عليه إذا بلغ في أثناء النَّهار، وقد تناول المُفطِّر، بل لا يجب عليه الإمساك تأديباً؛ إذ لا دليل عليه.

*وما ورد* في وجوب الإمساك تأديباً في بعض الموارد، *لا تشمل* ما نحن فيه.

*وأمَّا الصُّورة الثَّانية: فالإنصاف:* أنَّه لا يجب عليه الصَّوم أيضاً؛ لأنَّه لم ينوِ الصَّوم أصلاً قبل البلوغ، والاجتزاء بالنِّيّة من حين البلوغ يحتاج إلى دليل، وهو مفقود.

والقاعدة تقتضي أن تكون النِّيّة في صوم شهر رمضان، والواجب المُعيَّن غيره قبل الفجر، أو من حينه؛ إذِ المفروض أنَّها ليست موجودةً.

وما ورد من الاكتفاء بها قبل الزَّوال، إنَّما هو في بعض الصُّور لأدلَّة خاصَّة، كما لو وصل المسافر إلى وطنه قبل الزَّوال، ولم يتناول المُفطِّر في الطَّريق، فإنَّه يُجدِّد النِّيّة، ويُكمِل بقيَّة النَّهار.

وبالجملة، ما نحن فيه ليس من هذه الصُّور المُستثناة.

*بقي الكلام في الصُّورة الثَّالثة،* وهي ما لو نوى الصَّبيّ الصَّوم النَّدبيّ قبل الفجر، ثمَّ بلغ أثناء النَّهار، ولم يكن تناول المُفطِّر.

*قد يُقال:* بوجوب الصَّوم عليه، كما عن ابن حمزة، والمُحقِّق في المُعتبر، وصاحب المدارك(قدِّس سرُّهم)، ومَنْ وافقهم؛ بدليل أنَّ عبادة الصَّبيّ شرعيَّة -كما عرفت-، فإذا نوى الصَّوم قبل الفجر فصام، ثمَّ بلغ في أثناء النَّهار اختصّ رفع الإلزام -المدلول عليه بحديث رفع القلم الصَّبيّ حتَّى يحتلم- بما قبل البلوغ، وأمَّا بعده فدليل اللُّزوم بحاله.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo