< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/05/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

قوله: (ولو صام رمضان ندبًا، أو كان عليه صوم شهر مُقيّد بالسَّفر، فصامه عنه، فظاهر الشَّيخ الجواز، ومنعه الفاضلان)

المعروف بين الأعلام أنَّه لا يقع في شهر رمضان صوم غير الصَّوم الواجب فيه بالأصالة.

قال صاحب المدارك (رحمه الله): وعلى هذا، فلو أراد المسافر صومه ندباً -إنْ سوّغنا له الصَّوم المندوب- أو واجباً بالنَّذر المُقيّد بالحَضَر والسَّفر لم يكن له ذلك، ولا ريب في ذلك؛ لأنَّ العبادة وظيفةٌ مُتلقَّاةٌ من الشَّارع، فيتوقَّف على النَّقل، ولم يثبت التّعبُّد في شهر رمضان بصوم سوى الصَّوم الواجب فيه بالأصالة، فيكون فعله بدعةً مُحرّمةً.

وفي الجواهر: فالمشهور بين الأصحاب نقلاً وتحصيلاً أنَّه لا يقع في شهر رمضان صوم غيره، واجباً أو مندوباً، من المُكلَّف بصومه وغيره، كالمسافر ونحوه، بل هو المعروف في الشَّريعة، بل كاد يكون من قطعيّات أربابها إن لم يكن من ضروريّاتها....

ولكنَّ ظاهر الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط هو الجواز، حيث قال: فأمَّا إذا كان مسافراً سفراً يُوجِب التَّقصير، فإن صام بنيَّة رمضان لم يجزه، وإن صام بنيّة التّطوُّع كان جائزًا، وإن كان عليه صوم نذرٍ مُعيّن، ووافق ذلك شهر رمضان، فصام عن النَّذر، وهو حاضر، وقع عن رمضان، ولا يلزمه القضاء لمكان النَّذر، وإن كان مُسافِراً وقع عن النَّذر، وكان عليه القضاء لرمضان، وكذلك الحكم إن صام وهو حاضر بنيّة صوم واجب عليه غير رمضان وقع عن رمضان، ولم يُجزه عمَّا نواه....

أقول: قدِ استُدلّ للمشهور القائل بالمنع بعدَّة أدلّةٍ:

منها: ما ذكره كثير من الأعلام، منهم صاحب المدارك (رحمه الله)، وهو أنَّ العبادة وظيفةٌ مُتلقَّاةٌ من الشَّارع، فيتوقَّف على النَّقل، ولم يثبت التّعبُّد في شهر رمضان بصوم سوى الصَّوم الواجب فيه بالأصالة....

وفيه: أنَّه يكفي في المشروعيّة إطلاقات مشروعيّة ما قصده.

ومنها: الآية الشَّريفة ﴿وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾

وفيه: أنَّ الآية الشَّريفة ظاهرةٌ في نفي وجوب صوم رمضان على المريض والمسافر، لا أنَّه لا يصحّ منه صوم آخر.

ومنها: مرسلة الحسن بن بسَّام الجمَّال عن رجل قَاْل: كنتُ مع أبي عبد الله (عليه‌السلام) فيما بين مكَّة والمدينة في شعبان، وهو صائم، ثمَّ رأينا هلال شهر رمضان فأفطر، فقلتُ له: جُعلت فداك، أمس كان من شعبان وأنت صائم، واليوم من شهر رمضان وأنت مفطر؟! فقال: إنَّ ذلك تطوّع، ولنا أن نفعل ما شئنا، وهذا فرض فليس لنا أن نفعل إلَّا ما أُمرنا[1]

وقريب منها: مرسلة إسماعيل بن سهل، عن رجل، عن أبي عبد الله ...

وفيهما أوَّلاً: أنَّهما ضعيفتان بالإرسال، وبسهل بن زياد، وبإسماعيل بن سهل، وجهالة الحسن بن بسام الجمَّال، وعدم وثاقة منصور بن العبَّاس، ومُحمَّد بن عبد الله بن رافع (واسع).

وثانياً: أنَّهما لا يدلَّان إلَّا على المنع من صوم رمضان في السَّفر.

ومنها: مكاتبة القاسم بن أبي القاسم الصَّيقل قَاْل: كتبتُ إليه، يا سيدي! رجلٌ نذر أنْ يصوم يوماً من الجُمعة (كلُّ يوم جُمعة) دائماً ما بقي، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطر أو أضحى (أو يوم جمعة)، أو أيام تشريق، أو سفر، أو مرض، هل عليه صوم ذلك اليوم، أو قضاءه، أو كيف يصنع -يا سيدي!-؟ فكتب إليه: قد وضع الله عنك الصِّيام في هذه الأيام كلِّها، ويصوم يوماً بدل يوم -إن شاء الله تعالى-[2]

وجه الاستدلال: أنَّ قوله: أو سفر مطلقٌ يشمل السَّفر في شهر رمضان وغيره.

ولكنَّها ضعيفة بجهالة الكاتب والمكتوب إليه، فالتَّعبير بالصَّحيحة، كما عن السّيِّد الخوئيّ (رحمه الله) في غير محلِّه.

والإنصاف: أنَّ الدَّليل الوحيد على عدم المشروعيّة هو ما ذكره صاحب الجواهر (رحمه الله) من أنَّ ذلك -أي عدم المشروعيّة- كاد يكون من قطعيّات أربابها، إن لم يكن من ضروريّاتها... .

وأمَّا خلاف الشَّيخ (رحمه الله) في المبسوط، فهو لا يضرّ بالتَّسالم بين الأعلام، لاسيَّما أنَّه وافق المشهور في بقيّة كُتبه، والله العالم.

قوله: (ولا يصحّ في السَّفر غيره من الواجبات)

المعروف بين الأعلام أنَّه لا يصحّ في السَّفر غير صوم رمضان أيضًا من الواجبات -إلَّا فيما يأتي استثناؤه-.

وفي المدارك: هو مذهب أكثر الأصحاب، وحكى المُصنِّف في المُعتبر عن المفيد قولاً بجواز صوم ما عدا شهر رمضان من الواجبات في السَّفر، وكأنَّه في غير المقنعة، فإنَّ مذهبه فيها موافق للمشهور...، وفي الجواهر: بلا خلاف معتد به؛ للنُّصوص الَّتي يمكن دعوى تواترها....

والإنصاف: أنَّ الرِّوايات الواردة في المقام، وفي أبواب مُتفرِّقة، متجاوزة حدّ التَّواتر:

منها: صحيحة صفوان بن يحيى عن أبي الحسن (عليه السَّلام) أنَّه سُئِل عَنِ الرَّجل يُسافر في شهرِ رمضان، فيصوم؟ قَاْل: ليس مِنَ البرّ الصَّوم في السَّفر[3]

ثمَّ إنَّه يعجبني نقل ما حكاه النَّجاشيّ (رحمه الله)، عن صفوان بن يحيى، قال: صفوان بن يحيى، أبو مُحمّد البجليّ بيّاع السَّابريّ، كُوفي، ثقةٌ ثقة، عين، روى أبوه عن أبي عبد الله عليه‌السَّلام، وروى هو عن الرِّضا (عليه‌السلام)، وكانت له عنده منزلة شريفة، ذكره الكشيّ في رجال أبي الحسن موسى (عليه‌السلام، وقد توكّل للرِّضا وأبي جعفر (عليهما‌السلام)، وسلم مذهبه من الوقف، وكانت له منزلة من الزُّهد والعبادة، وكان جماعة الواقفة بذلوا له مالاً كثيراً، وكان شريكاً لعبد الله بن جندب، وعليّ بن النُّعمان، وروى أنَّهم تعاقدوا في بيت الله الحرام أنَّه من مات منهم صلَّى من بقي صلاته، وصام عنه صيامه، وزكّى عنه زكاته، فماتا وبقى صفوان، فكان يُصلِّي في كلّ يومٍ مائة وخمسين ركعة، ويصوم في السَّنة ثلاثة أشهر ويُزكّى زكاته ثلاث دفعات، وكلّ ما يتبرّع به عن نفسه ممَّا عدا ما ذكرناه يتبرّع ( تبرّع )، عنهما مثله -إلى أن قال:- مات صفوان بن يحيى رحمه‌الله سنة عشر ومائتين، وذكر نحوه الشَّيخ الطُّوسيّ (رحمه الله).

أقول: هناك رواية صحيحة، وهي صحيحة مُعمّر بن خلَّاد عن أبي الحسن (عليه السَّلام) تمدح صفوان مدحاً عظيماً، بل تدلّ على أنَّه في غاية التَّقوى ما ذئبان ضاريان في غنم قد تفرَّق رعاؤها بأضرّ في دين المسلم من الرِّئاسة، ولكنَّ صفوان لا يحبّ الرئاسة، والمراد بصفوان هو ابن يحيى بيَّاع السَّابريّ.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo