< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/05/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

قوله: (وثمانية عشر البدنة للمُفيض من عرفات)

هذا هو الموضع الثَّاني، ولمَّا كان الوقوف بعرفات واجباً إلى الغروب، فلو أفاض قبله عمداً وجب عليه كفَّارة بدنة، فإنْ لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً؛ وذلك لصحيحة ضريس عن أبي جعفر (عليه السَّلام) (قَاْل: سألتُه عن رجلٍ أفاض من عرفات قبل أن تغيب الشَّمس! قَاْل: عليه بدنة ينحرها يوم النَّحر، فإنْ لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً بمكَّة، أو في الطَّريق، أو في أهله)(1).

وهي ظاهرة في جواز الصَّوم في السفر؛ باعتبار أنَّ الغالب أنَّ الحاج لا يقيم بمكَّة عشرة أيام بعد رُجوعه من عرفات، كما أنَّ الغالب عدم الإقامة عشرة أيام في الطَّريق.

وقدِ استدلّ أيضاً: بمرسلة الحسن بن محبوب عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (في رجلٍ أفاضَ مِنْ عرفات قبل أن تغربَ الشَّمس؟ قَاْل: عليه بدنة، فإنْ لم يقدر على بدنةٍ صام ثمانية عشر يومًا)(2)، وهي ضعيفة بالإرسال، وإن كان المُرسِل ابن محبوب، وهو من أصحاب الإجماع.

 

    

 

قوله: (والنَّذر المُقيّد بالسَّفر)

هذا هو الموضع الثَّالث، وهو فيما لو نذر صوم يومٍ مُعيّنٍ، وشرط في نذره صومه في السَّفر خاصَّة، أو شرط في نذره صومه سفراً وحضراً.

قال العلَّامة (رحمه الله) في المُنتهى: (مَنْ نذر صوم يومٍ مُعيّنٍ، وشرط في نذر صومه سفر أو حضر، فإنَّه يجب عليه صومه وإن كان مسافراً، اختاره الشَّيخان وأتباعها؛ لعموم قوله تعالى: {يوفون بالنذر}، وقوله تعالى: {والموفون بعهدهم إذا عاهدوا}؛ لأنَّ الأصل صحَّة النَّذر، وإذا صحّ لزم -إلى أن قال:- ولا نعلم مُخالفاً لهما من غير علمائنا، فوجب المصير إليه).

وفي الجواهر: (وأمَّا النَّذر المُقيّد به -أي بالسَّفر- فقد تشعر عبارة المتن بوجود الخلاف فيه، إلَّا أنِّي لم أجده لأحد من أصحابنا، كما اعترف به بعضهم...).

أقول: إنَّ المسألة متسالمٌ عليها بينهم.

وما في الشَّرائع من نسبة هذا القول إلى المشهور، ليس لأجل وجود الخلاف فيه، بل لضعف الرِّواية في نظره المُستدلّ بها على المطلب، وإلَّا فلا خلاف في المسألة.

وهذه الرِّواية المُستدلّ بها -مضافاً للتَّسالم بينهم- هي صحيحة عليّ بن مهزيار (قَاْل: كتب بندار مولى إدريس: يا سيدي! نذرتُ أنْ أصوم كلَّ يوم سبتٍ، فإنْ أنا لم أصمه ما يلزمني من الكفَّارة؟ فكتب (عليه‌السلام) -وقرأتُه-: لا تتركه إلَّا من علَّة، وليس عليك صومه في سفرٍ ولا مرضٍ، إلَّا أن تكون نويت ذلك، وإن كنت أفطرت منه من غير علّةٍ، فتصدَّق بقدر كلّ يومٍ على سبعة مساكين، نسأل الله التَّوفيق لما يحبّ ويرضى)(3).

 

والكلام في هذه الرِّواية من جهتَيْن:

الأُولى: من جهة السَّند.

والثَّانية: من جهة الدَّلالة.

أمَّا من جهة السَّند، فقد يُقال: بأنَّ الرِّواية ضعيفةٌ لجهالة الكاتب، وهو بندار مولى إدريس، وجهالة المكتوب إليه.

وفيه: أمَّا جهالة الكاتب فلا تضرّ بعد قرأته عليّ بن مهزيار للجواب، حيث قال عليّ بن مهزيار: (فكتب (عليه السَّلام) وقرأته...).

وأمَّا إضمار المكتوب إليه، فلا يضرّ أيضاً بعد العلم بكونه الإمام (عليه السَّلام) -أي الإمام الهادي (عليه السَّلام)-.

وبالجملة، لا إشكال من حيث السَّند.

وأمَّا من جهة الدلالة، فقد يستشكل من جهتَيْن:

الأُولى: ظُهورها في جواز الصَّوم حال المرض إذا نوى ذلك، كما هو الحال في السَّفر (حيث قال (عليه السَّلام): وليس عليك صومه في سفر، ولا مرض، إلَّا أن تكون نويت ذلك...).

مع أنَّ جواز صوم المريض وعدمه لا ربط له بذلك، بل هو متوقف على الضرر وعدمه.

وفيه: أنَّه يمكن إرجاع الاستثناء إلى السَّفر فقط، وذلك برفع كلمة (مرض).

الجهة الثَّانية: اشتمال الصَّحيحة على كون كفَّارة النَّذر إطعام سبعة مساكين، مع أنَّ المشهور أنَّ كفَّارة النَّذر حتَّى نذر صوم مُعيّن، مثل كفَّارة اليمين، اجتمع فيها التَّخيير والتَّرتيب، وهي عِتق رقبةٍ، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، فإن عجز صام ثلاثة أيام متواليات.

ولكن عندنا الأحوط وجوباً في كفارة النَّذر: أن تكون ككفارة إفطار شهر رمضان.

وفيه: أنَّنا نلتزم بسُقوط هذه الفقرة، وهي قوله: (تصدق بقدر كلّ يومٍ على سبعة مساكين...)، عن الحُجِّيّة، وهذا لا يُوجب سُقوط الجميع عنها، كما عرفت في أكثر من مناسبة، فإنَّه لا مانع من التَّفكيك في فقرات الرِّواية من حيث الحُجِّيّة إذا اقتضى الحال ذلك، مع أنَّه ورد في نسخة المُقنع بدل السَّبعة مساكين عشرة مساكين.

ومهما يكن، فإنَّه لا إشكال في الاستدلال بهذه الصَّحيحة.

مضافاً: للتَّسالم بين الأعلام، وكفى به حُجّة.

____________________

(1)و(2) الوسائل باب23 من أبواب إحرام الحجّ والوقوف بعرفة ح3و2.

(3) الوسائل باب10 من أبواب مَنْ يصحّ منه الصَّوم ح1.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo