< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/05/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

قوله: (وجوَّز المرتضى صحَّة صوم المُعيّن إذا وافق السَّفر، وبه روايتان)

ذهب السّيِّد المُرتضى (رحمه الله) إلى صحَّة صوم المُعيّن إذا وافق السَّفر، وإن لم يُقيّد النَّذر بالسَّفر.

قال صاحب المدارك (رحمه الله): (ونقل عن المُرتضى -رضي الله عنه- أنَّه استُثني من المنع من صوم الواجب سفراً مطلق الصَّوم المنذور إذا علّق بوقت مُعيّن، فحضر وهو مسافر...).

أقول: قدِ يُستدلّ للسّيِّد المُرتضى (رحمه الله) بدليلَيْن:

الأوَّل: عموم الوفاء بالنَّذر.

وفيه: أنَّ عموم الوفاء مُختصٌّ بصورة رُجحان المنذور، وروايات المنع الَّتي سنذكرها -إن شاء الله تعالى- رافعةٌ لموضوعه لكون الصَّوم في السَّفر مرجوحًا.

الدَّليل الثَّاني: رواية إبراهيم بن عبد الحميد، عن أبي الحسن (عليه السَّلام) (قَاْل: سألتُه عَنِ الرَّجل يجعل الله عليه صوم يوم مُسمَّى، قَاْل: يصوم أبداً في السَّفر والحضر)(1).

وفيه أوَّلاً: أنَّه ضعيف بطريق الشَّيخ بعدم وثاقة جعفر بن مُحمّد بن أبي الصَّباح.

كما أنَّه بطريق الكُلينيّ ضعيفٌ بجهالة مُحمّد بن إسماعيل البُندقيّ النَّيشابوريّ.

وليس المراد بمُحمّد بن إسماعيل الَّذي يروي عنه الكُلينيّ ابن بزيع الثِّقة؛ لأنَّ الكُلينيّ لا يروي عنه، وليس هو في طبقته.

وثانياً: مع قطع النَّظر عن ضعف السَّند هو مُقيّد بصحيحة ابن مهزيار المُتقدِّمة، حيث فصَّلت بين نية السَّفر بخصوصه عند النَّذر، فيجوز حينئذٍ، وبين الإطلاق وعدم النِّيّة بالخُصوص، فلا يجوز.

وثالثاً: مع قطع النَّظر عن ضعف السَّند أيضاً، فإنَّ رواية إبراهيم بن عبد الحميد مُعارَضةٌ بجملة من الرِّوايات بعضها معتبر السَّند، وأوضح دلالة:

منها: موثَّقة كرام المُتقدِّمة (قَاْل: قلتُ لأبي عبد الله (عليه السَّلام): إنِّي جعلتُ على نفسي أنْ أصوم حتَّى يقوم القائم، فقال: صُمْ، ولا تصم في السَّفر...((2).

ومنها: موثَّقة زُرارة (قَاْل: قلتُ لأبي جعفر (عليه‌السّلام): إنَّ أُمّي كانت جُعلت عليها نذراً إنِ الله ردّ عليها بعض ولدها من شيءٍ كانت تخاف عليه أن تصوم ذلك اليوم الَّذي يقدّم فيه ما بقيت، فخرجت معنا مسافرةً إلى مكَّة، فأشكل علينا (لمكان النَّذر)، تصوم أو تُفطر؟ فقال: لا تصوم، قد وضع الله عنها حقّه وتصوم هي ما جعلت على نفسها، قلتُ: فما ترى إذا هي رجعت إلى المنزل، أتقضيه؟ قَاْل: لا، قلتُ: فتترك ذلك؟ قَاْل: لا، لأنِّي أخاف أن ترى في الَّذي نذرت فيه ما تكره)(3).

وقوله (عليه السَّلام): (وضع الله عنها حقّه)، أي صيام شهر رمضان الواجب بالأصالة، فكيف تصوم يوماً جعلت هي على نفسها بالنَّذر، مع أنَّ ما أوجبه الله تعالى بالأصالة أهمّ بالمُراعاة، وأليق بعدم السُّقوط.

وقوله: (أفتترك ذلك)، يعني تنقض أصل النَّذر، وتترك صيامه بعد رُجوعها إلى المنزل.

ومنها: موثَّقة عمَّار السَّاباطيّ (قَاْل: سألتُ أبا عبد الله (عليه‌السّلام) عَنِ الرَّجل يقول: للهِ عليَّ أن أصوم شهراً، أو أكثر من ذلك، أو أقلّ، فيعرض له أمر لابُدّ له أن يسافر، يصوم -وهو مسافر-؟ قَاْل: إذا سافر فَلْيُفطر لأنَّه لا يحلّ له الصَّوم في السَّفر، فريضةً كان أو غيره، والصَّوم في السَّفر معصيةٌ)(4).

ومنها: موثَّقة عبد الله بن سنان (قَاْل: سألتُ أبا عبد الله (عليه‌السّلام) عن الرَّجل يصوم صوماً وقد وقّته على نفسه، أو يصوم من أشهر الحرم، فيمرّ به الشَّهر والشَّهران لا يقضيه؟ قَاْل: فقال: لا يصوم في السَّفر، ولا يقضي شيئاً من صوم التّطوُّع إلَّا الثَّلاثة الأيام الَّتي كان يصومها في كلّ شهرٍ، ولا يجعلها بمنزلة الواجب إلَّا أنِّي أحبّ لك أن تدوم على العمل الصَّالح، قَاْل: وصاحب الحرم الَّذي كان يصومها يُجزيه أن يصوم مكان كلّ شهرٍ من أشهر الحرم ثلاثة أيامٍ)(5).

وهي، وإن كانت ضعيفةً بطريق الكُلينيّ بسهل بن زياد، إلَّا أنَّها موثَّقة بطريق الشَّيخ، وطريق الشَّيخ إلى ابن فضَّال معتبرٌ؛ لأنَّ ابن الزُّبير القُرشيّ الواقع في الطَّريق من المعاريف.

وقوله (عليه السَّلام): (يُجزيه أنْ يصوم مكان كلّ شهرٍ من أشهر الحرم ثلاثة أيامٍ)، أي يُجزيه في إدراك الفضيلة أنْ يصوم بدل كلّ شهرٍ فاته منها ثلاثة أيامٍ بحُكم مَنْ جاء بالحسنة فله عشراً أمثالها، وهذا أيضاً نوع استثناء من قوله: (ولا تقضي شيئاً من صوم التَّطوُّع).

____________________

(1) الوسائل باب10 من أبواب مَنْ يصحّ منه الصَّوم ح7.

(2)و(3)و(4)و(5) الوسائل باب10 من أبواب مَنْ يصحّ منه الصَّوم ح9و3و8و6.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo