< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/05/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

 

وأمَّا الرِّوايات الضَّعيفة، فكثيرةٌ أيضاً:

منها: رواية القاسم بن أبي القاسم الصَّيقل المُتقدِّمة ©قَاْل: كتبتُ إليه، يا سيدي! رجلٌ نذر أنْ يصوم يوماً من الجُمعة (كلُّ يوم جُمعة) دائماً ما بقي، فوافق ذلك اليوم يوم عيد فطرٍ أو أضحى (أو يوم جمعة)، أو أيام تشريقٍ، أو سفرٍ، أو مرضٍ، هل عليه صوم ذلك اليوم، أو قضاءه، أو كيف يصنع -يا سيدي!-؟ فكتب إليه: قد وضع الله عنك الصِّيام في هذه الأيام كلِّها، ويصوم يوماً بدل يوم -إن شاء الله تعالى-®(1)، وهي ضعيفة بجهالة الكاتب، والمكتوب إليه.

ومنها: رواية مسعدة بن صدقة، عن أبي عبد الله (عليه السَّلام)، عن آبائه (عليهم السَّلام) ©في الرَّجل يجعل على نفسه أياماً معدودةً مُسمَّاة في كلِّ شهرٍ، ثمَّ يسافر، فتمرّ به الشُّهور أنَّه لا يصوم في السَّفر، ولا يقضيها إذا شهد®(2)، وهي ضعيفة بعدم وثاقة مسعدة بن صدقة، وكذا غيرها.

_______________

(1)و(2) الوسائل باب10 من أبواب مَنْ يصحّ منه الصَّوم ح2و10.

    

 

>> من مستثنيات حُرمة الصَّوم في السفر

*قوله: (وابنا بابويه جزاء الصَّيد)*

ذهب إليه الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في المُقنع، حيث قال: ©فإنْ لم يقدر عليها -أي البدنة الَّتي هي جزاء صيد قتل النَّعامة- أطعم ستِّين مسكيناً، فإن لم يقدر على ما يتصدَّق به، فَلْيصم ثمانية عشر يوماً...®، وقاله والده في رسالته.

وقال العلَّامة (رحمه الله) في المختلف: ©واحتجّ على هذا القول بالأصل، وبأنَّه بدلٌ عن جزاءٍ، وجب في الحرم، فجاز صومه في السَّفر، كالثَّلاثة في بدل الهدي®.

وفيه: أنَّه لا موقع الأصل مع وجود الدَّليل على المنع، وقد عرفته.

والجواب عن الدَّليل الثَّاني: أنَّه قياسٌ لا نقول به.

    

 

*قوله: (والمفيد: ما عدا رمضان، في فحوى كلامه)*

وهذا القول منه، وهو جواز مطلق الصَّوم الواجب -عدا شهر رمضان- في السَّفر، في غير مُقنعته، ومخالفٌ لما فيها، واحتجَّ عليه بإطلاق ما دلّ على وجوبه.

وفيه: أنَّه يُجاب عنه بما تقدَّم.

    

 

*قوله: (والكلُّ متروك)*

أي قول السّيِّد المُرتضى، وابني بابويه، والمفيد (قدُّس سرُّهم)، وقد عرفت الوجه في ذلك.

    

 

*قوله: (والأقرب: كراهة النَّدب سفراً)*

اِختلف الأعلام في صيام التّطوُّع في السَّفر على ثلاثة أقوالٍ:

الأوَّل: هو الحرمة، ذهب إليه الصَّدوقان وابن البرّاج وابن إدريس(قدِّس سرُّهم)، بل نسبة ابن إدريس إلى الفقهاء المُحصّلين من أصحابنا، بل عن الشَّيخ المفيد (رحمه الله) نسبته إلى المشهور عند القدماء.

أقول: ذهب إلى هذا القول كثير من العلماء المُتقدِّمين والمتأخِّرين، ومتأخِّري المتأخِّرين.

وممَّنْ ذهب إلى هذا القول السّيِّد محسن الحكيم (رحمه الله) في المستمسك، والسّيِّد أبو القاسم الخُوئيّ (رحمهما الله)، وهو الصَّحيح عندنا، كما سيتضح لك.

القول الثَّاني: هو الجواز بلا كراهة، حُكي هذا القول عن ابن حمزة (رحمه الله).

القول الثَّالث: هو الجواز على الكراهة، نُسِب هذا القول إلى الأكثر، وهو الأشبه عند المُحقِّق (رحمه الله) في الشَّرائع، والمراد بالكراهة هنا أقليّة الثَّواب.

وقد استدلّ للقول الأوَّل القائل بالحرمة بجملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة البزنطيّ ©قَاْل: سألتُ أبا الحسن (عليه‌السلام) عَنِ الصِّيام بمكَّة والمدينة، ونحن في سفر؟ قَاْل: أفريضة؟ فقلتُ: لا، ولكنَّه تطوُّعٌ كما يتطوَّع بالصَّلاة، فقال: تقول: اليوم وغداً؟ قلتُ: نعم، فقال: لا تصم®(1).

وكأنَّه (عليه السَّلام) أراد بقوله: ©تقول اليوم وغداً؟®، أن يعلم هل له العزم على إقامة ثلاثة أيامٍ حتَّى يأمره بالصَّوم في المدينة أم لا.

ومنها: موثَّقة عمَّار السَّاباطيّ المُتقدِّمة ©قَاْل: سألتُ أبا عبد الله (عليه‌السلام) عَنِ الرَّجل يقول: للهِ عليَّ أن أصوم شهراً، أو أكثر من ذلك، أو أقلّ، فيعرض له أمر لابُدّ له أن يُسافر، يصوم وهو مسافر؟ قَاْل: إذا سافر فَلْيُفطِر؛ لأنَّه لا يحلّ له الصَّوم في السَّفر، فريضةً كان أو غيره، والصَّوم في السَّفر معصية®(2).

ومنها: رواية مُحمّد بن مسلم في تفسير العيَّاشيّ عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) ©قال: لم يكن رسولُ الله (صلى الله عليه وآله) يصوم في السَّفر تطوّعًا، ولا فريضةً®(3)، وهي ضعيفة بالإرسال، وبالرَّفع.

ويعضد هذه الرِّوايات جملةٌ من الرِّوايات دلَّت على المنع بالإطلاق أو العموم:

منها: صحيحة زُرارة عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) ©قَاْل: لم يكن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) يصوم في السَّفر في شهر رمضان، ولا غيره، وكان يوم بدر في شهر رمضان، وكان الفتح في شهر رمضان®(4).

ومنها: مرسلة الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله) في الفقيه ©قال: قال الصَّادق (عليه السَّلام): ليس مِنَ البرّ الصِّيام في السَّفر®(5)، وهي ضعيفة بالإرسال.

وأمَّا القول الثَّاني القائل بالجواز من دون كراهة: فقدِ استُدلّ له بجملة من الرِّوايات:

منها: مرسلة إسماعيل بن سهل عن رجل ©قَاْل: خرج أبو عبد الله (عليه‌السلام) من المدينة في أيام بقين من شهر شعبان، فكان يصوم، ثمَّ دخل عليه شهر رمضان، وهو في السَّفر، فأفطر، فقيل له: تصوم شعبان، وتفطر شهر رمضان؟! فقال: نعم، شعبان إليَّ إن شئت صمت، وإن شئت لا، وشهر رمضان عزم من الله عزَّوجلّ عليَّ الإفطار®(6).

ولكنَّها ضعيفة، كما تقدّم، فإنَّ سهل بن زياد أمره صعب، وليس سهلاً، فهو ضعيف، ومنصور بن العباس ضعيف، أو مجهول الحال، كما أنَّ مُحمّد بن عبد الله بن رافع غير موثّقٍ، وإسماعيل بن سهل ضعيف.

أضف إلى ذلك: أنَّها مرسلة.

___________________________

(1) الوسائل باب12 من أبواب مَنْ يصحّ منه الصَّوم ح2.

(2) الوسائل باب10 من أبواب مَنْ يصحّ منه الصَّوم ح8.

(3) الوسائل باب12 من أبواب مَنْ يصحّ منه الصَّوم ح6.

(4) الوسائل باب11 من أبواب مَنْ يصحّ منه الصَّوم ح4.

(5) الوسائل باب1 من أبواب مَنْ يصحّ منه الصَّوم ح11.

(6) الوسائل باب12 من أبواب مَنْ يصحّ منه الصَّوم ح5.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo