< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/05/30

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

 

وأمَّا إذا قدم قبل الزَّوال، وقد تناول المُفطر في الطَّريق، فيُستحبّ له الإمساك تأدُّباً.

*ويدلّ عليه* بعض الرِّوايات:

*منها*: موثَّقة سُماعة *(قَاْل: سألتُه عن مسافرٍ دخل أهله قبل زوال الشَّمس، وقد أكل؟ قَاْل: لا ينبغي له أن يأكل يومه ذلك شيئاً، ولا يُواقع في شهر رمضان إن كان له أهل)(1)،* ومضمرات سُماعة مقبولة.

 

*ومنها:* حسنة يونس *(قَاْل: قَاْل في المسافر الَّذي يدخل أهله في شهر رمضان وقد أكل قبل دخوله، قَاْل: يكفّ عَنِ الأكل بقيّة يومه وعليه القضاء...)(2)،* ومضمرات يونس مقبولة.

 

والتَّعبير باستحباب الإمساك إنَّما هو من باب المجاز، وإلَّا فالواقع هو كراهة المواقعة، وكراهة التّخلِّي من الطَّعام والشَّراب، كما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.

وأمَّا إذا قدم بعد الزَّوال، ولم يتناول المُفطر، فيدلّ على عدم وجوب الصَّوم عليه موثَّقة مُحمّد بن مسلم *(قَاْل: سألتُ أبا عبد الله (عليه‌السلام) عَنِ الرَّجل يقدم من سفرٍ بعد العصر في شهرِ رمضان، فيُصيب امرأته حين طهرت مِنَ الحيض، أيُواقعها؟ قَاْل: لا بأس به)(3).*

 

وهذه المُوثَّقة دلَّت على جواز ذلك، وهذا لا يُنافي الكراهة المُستفادة من موثَّقة سُماعة وحسنة يُونس المُتقدّمتَيْن، وهما، وإن كان موردهما ما لو قدم قبل الزَّوال، إلَّا أنَّه لا فرق في ذلك من هذه الجهة، كما هو المعروف بين الأعلام، وتُستفاد الكراهة من أدلَّة أخرى أيضاً تأتي في محلِّها.

    

 

*قوله: (ولو علم القدوم قبل الزَّوال تخير في الإفطار والإمساك، وهو أفضل لرواية رفاعة، وهو تخيير في صوم رمضان تابع لسببه، كما يتخيّر المسافر بين نيّة المقام وعدمه فيتبعه الصّوم)*

المعروف بين الأعلام أنَّ من علم أنَّه يصل البلد قبل الظُّهر فهو بالخيار إن شاء أفطر قبل الدُّخول، وإن شاء أمسك، حتَّى يدخل، فيجب عليه الصِّيام.

ويدلّ على ذلك جملةٌ من الرِّوايات:

*منها:* صحيحة رفاعة بن موسى *( قال سألتُ: أبا عبد الله (عليه‌السلام) عن الرجل يُقبِل في شهر رمضان من سفرٍ حتَّى يرى أنَّه سيدخل أهله ضحوه، أو ارتفاع النَّهار؟ قَاْل: إذا طلع الفجر، وهو خارج لم يدخل، فهو بالخيار، إن شاء صام، وإن شاء أفطر)(4).*

 

*ومنها:* صحيحة مُحمّد بن مسلم *(قَاْل: سألتُ أبا جعفر (عليه‌السلام) عَنِ الرَّجل يقدم من سفر في شهر رمضان، فيدخل أهله حين يُصبح، أو ارتفاع النَّهار؟ قَاْل: إذا طلع الفجر، وهو خارج، ولم يدخل أهله، فهو بالخيار، إن شاء صام، وإن شاء أفطر)(5).*

 

*ومنها:* صحيحة ابن مسلم عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) -في حديث- *(قَاْل: فإذا دخل أرضاً قبل طُلُوع الفجر، وهو يريد الإقامة بها، فعليه صوم ذلك اليوم، وإن دخل بعد طُلُوع الفجر فلا صيام وإن شاء صام)(6).*

لكنَّها ظاهرةٌ جدّاً أنَّه بالخيار بعد الدُّخول.

ولكنَّها محمولةٌ على أنَّه بالخيار في حال كونه خارجاً، ولم يدخل، وذلك بحمل قوله: (وإن دخل بعد طُلُوع الفجر)، على معنى أنَّه أراد الدُّخول بعد طُلُوع الفجر، لا أنَّه دخل فعلاً، وإن لم يمكن ذلك الحمل، فَلْتردّ إلى أهلها، وهم أدرى بها؛ إذ لا يُوجد قائل من الأعلام بأنَّه إذا دخل البلد بعد طُلُوع الفجر بالخيار بين الصَّوم وعدمه.

 

____________________

(1)و(2) الوسائل باب7 من أبواب مَنْ يصحّ منه الصَّوم ح1و2.
(3) الوسائل باب7 من أبواب مَنْ يصحّ منه الصَّوم ح4.

(4)و(5) الوسائل باب6 من أبواب مَنْ يصحّ منه الصَّوم ح2و3.

    

 

*قوله: (والقدوم يحصل برُؤية الجدار أو سماع الأذان)*

كما هو المشهور بين الأعلام، فلا فرق من هذه الجهة بين صلاة المسافر والصَّائم.

*ولكنَّ الإنصاف:* أنَّ القدوم في باب الصَّوم يختلف عن القدوم في صلاة المسافر، فإنَّ المناط هنا -أي في باب الصَّوم- هو دُخُول البلد، أو قدوم الأهل، أو أرضاً يريد الإقامة فيها؛ لأنَّ هذا هو المذكور في الرِّوايات.

وعليه، فلو قدم من سفر، ووصل إلى حدّ الترخص قبل زوال الشَّمس، ولكن دخوله للبلد كان بعد الزَّوال، فعليه الإفطار في هذه الحالة، والقضاء بعد ذلك.

    

 

*قوله: (ولا يحرم الجُماع على المسافر، خلافاً للنِّهاية، وحرّمه الحلبيّ على كلّ مُفطرٍ، إلَّا مع الضَّرورة، وكذا التّملِّي من الطَّعام والشَّراب، والوجه الكراهة)*

قال في المدارك: ©وقد قطع الأصحاب بكراهة التَّملِّي من الطَّعام والشّراب للجميع -أي المريض والمسافر والحائض والشَّيخ والشَّيخة الَّذين يسوغ لهم الإفطار- واستدلُّوا عليه بأنَّ فيه تشبيهاً بالصَّائمين، وامتناعاً من الملاذ طاعة لله تعالى®.

وقال صاحب الحدائق (رحمه الله): ©اختلف الأصحاب (رضوان الله عليهم) في حكم الجُماع لِمَنْ ساغ له الإفطار في نهار شهر رمضان، فالمشهور بين الأصحاب هو الجواز على كراهة، وذهب الشَّيخ إلى التَّحريم...®.

 

وممَّنْ ذهب إلى التَّحريم أبو الصَّلاح الحلبيّ (رحمه الله) -على ما نقل ذلك عنه العلَّامة في المُختلف، قال العلَّامة: قال أبو الصَّلاح: لا يجوز لمَنْ سقط عنه فرض الصَّوم ببعض الأعذار أن يتملأ من الطَّعام والشَّراب، بل يقتصر على ما يمسك الرَّمق، ولا يجوز له الجُماع مختاراً ما لم يخف فساداً في الدِّين...®.

 

*أقول:* ما ذهب إليه الأعلام من الجواز على كراهة هو الصَّحيح، وذلك جمعاً بين الرِّوايات المُجوِّزة والرِّوايات النَّاهية.

____________________

(1) الوسائل باب6 من أبواب مَنْ يصحّ منه الصَّوم ح1.

(2)و(3) الوسائل باب13 من أبوبا مَنْ يصحّ منه الصَّوم ح1و3.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo