< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/06/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

 

ثمَّ إنَّه يبقى الكلام في الإنسان الَّذي يخشى المرض بالصِّيام، هل يُباح له الفطر؟

قال العلَّامة (رحمه الله) في المنتهى: (فيه تردُّد، ينشأ من وجوب الصَّوم بالعموم، وسلامته عن معارضته المرض، ومن كون المرض إنَّما يبح له الفطر لأجل الضَّرر به، وهو حاصل هنا؛ لأنَّ الخوف من تجدُّد المرض في معنى الخوف من زيادته وتطاوله)(1).

*والإنصاف:* هو الوجه الثَّاني الَّذي ذكره العلَّامة (رحمه الله)، حيث يُفهم من الأدلَّة أنَّ المناط في الإفطار هو خوف الضَّرر، ولا مدخليَّة للمريض من حيث كونه مريضاً، وإلَّا لأُبيح للمريض الإفطار مع عدم الضَّرر، وهو معلوم البطلان نصًّا وفتوًى.

وعليه، فالظَّاهر من الرِّوايات هو أنَّ المانع حُدوث مرتبةٍ من المرض يتضرَّر بها، سواء أكانت قبلها مرتبةً أخرى، أم لم يكن.

وتدلُّ على ذلك أيضاً: صحيحة حريز المُتقدِّمة، حيث ظاهرها خوف حُدوث الرَّمد، لا الخوف من شدَّته، أو بُطء بُرئه.

*ويُؤيِّده* أيضاً: مرسلة الصَّدوق السَّابقة (كلّ ما أضرَّ به الصَّوم فالإفطار واجب).

ولولا ضعفها بالإرسال لكانت دليلاً في المقام.

ويُؤيِّده أيضاً: سهولة الملّة وسماحتها، وقوله تعالى: {یُرِیدُ ٱللَّهُ بِكُمُ ٱلۡیُسۡرَ وَلَا یُرِیدُ بِكُمُ ٱلۡعُسۡرَ}.

    

 

*قوله: (ولو كان جاهلاً على إشكال لرواية عقبة من إجزاء صيام المريض، فتحمل على الجاهل، أو على من لا يضره)*

المعروف بين الأعلام أنَّه لو صام المريض الَّذي يضرُّه الصَّوم بطل صومه، سواء كان عالماً أو جاهلاً بالحكم، أي لا يعلم بسقوط الصَّوم عن المريض؛ وذلك لإطلاق الأدلَّة.

ولكن قال المُصنِّف (رحمه الله): (لم يُجزئه، ولو كان جاهلاً، على إشكالٍ؛ لرواية عقبة...)(2).

ولكنَّ الإنصاف: أنَّه لا إشكال في البطلان، ورواية عقبة محمولةٌ على مَنْ لا يضرُّه الصَّوم.

كما أنَّها ضعيفة السَّند، كما تقدّم.

نعم، على ما احتمله المُصنِّف (رحمه الله) من الحَمْل على الجهل يلزم الحُكم بالإجزاء عن الجاهل.

ثمَّ لا يخفى عليك أنَّ ما ذكرناه من عدم الإجزاء لو صام جاهلاً بالحكم إنَّما يختصُّ بالمريض.

وأمَّا المسافر الجاهل بالحكم، فيصحُّ منه الصَّوم بلا إشكال؛ للرِّوايات الكثيرة:

الَّتي منها: صحيحة ابن أبي شعبة -يعني عبيد الله بن عليّ الحلبيّ- *(قَاْل: قلتُ لأبي عبد الله (عليه‌السلام): رجلٌ صام في السَّفر؟ فقال: إنْ كان بلغه أنَّ رسولَ اللهِ (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم) نهى عن ذلك، فعليه القضاءُ، وإن لم يكن بلغه فلا شيءَ عليه)(3).*

ونحوها صحيحة عبد الرَّحمان بن أبي عبد الله(4).

ومنها*: صحيحة عِيص* بن القاسم عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) *(قَاْل: مَنْ صام في السَّفر بجهالة لم يقضِه)(5).*

*ومنها:* صححية ليث المراديّ عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) *( قَاْل: إذا سافر الرَّجلُ في شهر رمضان أفطر، وإنْ صامه بجهالةٍ لم يقضِه)(6).*

ولا يمكن إلحاق المريض بالمسافر؛ لحرمة القياس.

ثمَّ إنَّه يبقى الكلام في الصِّحّة بزعم عدم الضَّرر، فظهر خلافه.

*والإنصاف:* عدم صحَّة الصَّوم؛ لعدم الأمر بالصَّوم في الواقع، وإن تخيَّل الأمر، فهو كالحائض الَّتي لم تعلم بحيضها، والمسافر الَّذي لم يعلم بسفره.

*وبالجملة،* فبما أنَّه مريضٌ واقعاً، ومتضرِّرٌ بالصَّوم، فيكون خارجاً عن موضوع الأمر بالصَّوم، فلا أمر بالصَّوم حتَّى نثبت صحَّة العمل.

كما أنَّه لا علم بالملاك حتَّى نصحِّح العبادة بقَصْد الملاك؛ لأنَّه مع عدم الأمر لا كاشف لنا حينئذٍ عن الملاك، وليست المسألة من باب تزاحم وجوب الصَّوم، وحِفْظ النفس عن الهلاك، فيما لو صام، حتى يُقال: إنَّ الملاك موجودٌ في كلٍّ من مُتعلَّق الأمرَيْن، فإذا كان حِفْظ النَّفس أهمَّ فيسقط الأمر بالصَّوم؛ لعدم القُدرة على امتثاله، ويبقى الملاك، فيمكن تصحيح الصَّوم بقصد الملاك.

ثمَّ إنَّه لو سلَّمنا أنَّ المسألة من باب التَّزاحم، إلَّا أنَّه مع سُقوط الأمر كما يحتمل بقاء الملاك يحتمل سقوطه أيضاً.

*وبالجملة،* فلا دليل على بقاء الملاك بعد أن كان الكاشف عنه هو الأمر، وقد سقط.

*وممَّا يُؤيِّد* ما قلناه من عدم الصِّحّة: رواية الزُّهريّ عن عليِّ بن الحسين (عليه السَّلام) -في حديث- حيث قال: *(قَاْل: وأمَّا صوم السَّفر والمرض، فإنَّ العامَّة قدِ اختلفت في ذلك، فقال قوم: يصوم، وقال آخرون: لا يصوم، وقال قوم: إن شاء صام وإن شاء أفطر، وأمَّا نحن فنقول: يفطر في الحالَيْن جميعاً، فإن صام في حال السَّفر أو في حال المرض فعليه القضاء، فإنَّ الله عزَّوجلّ يقول: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ ٱلشَّهۡرَ فَلۡیَصُمۡهُۖ وَمَن كَانَ مَرِیضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرࣲ فَعِدَّةࣱ مِّنۡ أَیَّامٍ أُخَرَۗ}، فهذا تفسير الصِّيام)(7).*

وإنَّما جعلناها مُؤيِّدةً -مع أنَّ دلالتها تامَّةٌ؛ لضعفها سنداً بجهالة جملةٍ من رجالها، وبعضم من العامَّة.

وقوله (عليه السَّلام) : (فإن صام في حال السَّفر، أو في حال المرض...)، مطلقٌ، يشمل ما لو كان عالماً بالمرض، وما لو كان مُعتقداً بعدمه، ولا مُوجب لحَمْله على خُصوص ما لو كان عالماً.

______________
______________

(1) المنتهى -ط قديمة-: ج2، ص597.

(2) الدُّروس: ج1، ص271.

(3)و(4)و(5)و(6) الوسائل باب2 من أبواب من يصح منه الصَّوم ح3و2و5و6.

* في لسان العرب: العِيصُ: مَنْبِتُ خيار الشَّجر، والعِيصُ: الأَصلُ، وفي المثل عِيصُكَ مِنْكَ وإِن كان أَشِباً؛ معناه أَصْلُك منك وإِن كان غير صحيح.

(7) الوسائل باب1 من أبواب من يصح منه الصَّوم ح2.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo