< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/06/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

ثمَّ إنَّه هل يجب عليه أن يبقى مستيقظاً حتَّى يطلع الفجر لئلا يبطل تيممه أم لا؟

ذهب جماعة من الأعلام إلى الوجوب، منهم صاحب الجواهر (رحمه الله)، حيث قال: (والأحوط، بل الأقوى: وجوب البقاء معه مستيقظًا حتَّى يصبح فيه...).

وقد ذكروا أنَّ الوجه في ذلك هو انتفاء فائدة التيمُّم لو جاز نقضه قبل الفجر، ولأنَّ النوم ناقض للتيمم، كنقض الجنابة للغسل، فكما لا يجوز تعمد البقاء على الجنابة إلى أن يطلع الفجر، فكذا لا يجوز نقض التيمُّم والعود إلى حكم الجنابة قبل، إلَّا أن يتحقق الانتباه قبل الفجر، بحيث يتيمم ثنياً.

وذهب جماعة من الأعلام إلى أنَّه لا يجب أن يبقى مستيقظاً حتَّى يطلع الفجر، بل يجوز له النوم بعد التيمُّم قبل الفجر.

منهم صاحب المدارك (رحمه الله)، حيث قال: (لأنَّ انتقاض التّيمُّم بالنَّوم لا يحصل إلَّا بعد تحقُّقه، وبعده يسقط التَّكليف؛ لاستحالة تكليف الغافل، ولا يخلو من قوَّة)(3).

ويرد عليه: أنَّ كونه غير مكلف في حال النوم لا ينفع بعد أن كان قبله مكلفاً بإزالة أثر الجنابة مقدمة للصوم.

__________________

(1) الوسائل باب15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ح3، وباب 14، ح1.

(2) الوسائل باب14 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ووقت الإمساك ح2.

(3) المدارك للسّيِّد العامليّ: ج6، ص58.

والإنصاف: هو أنَّ الجنب إذا تيمم بدلاً من الغسل، ثمَّ أحدث بالأصغر، فإن قلنا: إنَّ موجبات الوضوء لا توجب انتقاض تيممه الواقع بدلاً من الغسل، بل تؤثر في إيجاب ما تقتضيه من الوضوء أو التيمُّم -كما حكي القول به عن السيد المرتضى، وجملة من متأخري المتأخرين، وهو الإنصاف عندنا، كما بينا ذلك مفصلا في مبث التيمُّم- فلا يضره النوم بعد أن تيمم بدلاً من الغسل.

وإن قلنا: بانتقاضه بمطلق الحدث -كما هو المشهور- فعليه أن يبقى مستيقظاً.

والخلاصة: أنَّه لا يجب عندنا أن يبقى مستيقظاً حتَّى يطلع الفجر.

نعم، الأحوط استحباباً البقاء مستيقظاً؛ لاحتمال بطلان تيممه بالنوم، والله العالم.

    

قوله: (ولو تمكن ليلاً، وتعمّد البقاء، فسد)

المعروف بين الأعلام أنَّه لو تمكن من الغسل ليلاً، وتعمد البقاء على الجنابة حتى طلع الفجر فسد الصوم، وهذا هو الإنصاف.

وذكرنا المسألة مع أدلتها بالتفصيل عند قول المصنف (رحمه الله) سابقاً في أوائل مبحث الصوم (والبقاء على الجنابة مع علمه ليلاً).

وقلنا هناك: إنَّ هذا الحكم مختص بشهر رمضان وقضائه.

وأمَّا باقي أفراد الصَّوم الواجب والصَّوم المندوب، فلا يضره البقاء على الجنابة متعمداً حتَّى يطلع الفجر، فراجع ما ذكرناه، فإنَّه مهم.

    

قوله: (وكذا لو نام غير ناوٍ للغسل)

إذا نام الجنب في شهر رمضان بالليل، واتفق أنَّه استمر نومه إلى أن طلع الفجر، فهناك أربع صور:

الأولى: أن يكون عازماً على ترك الغسل.

الثانية: أن يكون متردّداً في الغسل وعدمه.

الثالثة: أن يكون ذاهلاً وغافلاً عن الغسل.

الرابعة: أن يكون بانياً على الاغتسال حين الاستيقاظ.

إذا عرفت ذلك، فنقول:

أما الصورة الأولى: فالمعروف بينهم هو فساد الصوم، بل نسبه العلَّامة (رحمه الله) في المنتهى إلى علمائنا، وكذا المحقق (رحمه الله) في المعتبر، وفي الرياض للسيد علي الطباطبائي (رحمه الله): ( الاتفاق عليه... ).

أقول: هناك تسالم على الفساد؛ لأنَّه مع العزم على ترك الأغسال يكون متعمداً للبقاء على الجنابة؛ إذ لا فرق في صدق كونه متعمداً للبقاء على الجناية بين كونه مستيقظاً أو نائماً، مع العزم على ترك الغسل حتَّى طلع الفجر.

والخلاصة: أنَّه لا إشكال في هذه الصُّورة.

وأما الصورة الثانية: فالظاهر فساد الصوم فيها أيضاً؛ إذ لا فرق بين العزم على ترك الاغتسال، أو ترك العزم على الاغتسال -الصادق مع التردد في الغسل وعدمه- في اتصاف الترك بكونه اختياريًّا ومندرجاً في موضوع البقاء على الجنابة عمداً حقيقة لو بقي مستيقظاً كذلك حتى طلع الفجر، وحكماً لو نام إلى أن طلع الفجر.

وبالجملة، فإنَّ المراد بـ (تعمد البقاء) في هذا المقام هو ترك الغسل اختياراً، ولا يتوقف ذلك على العزم على ترك الغسل، بل على عدم إرادة فعله.

ومن الواضح صدق العمد في ترك الغسل حقيقة لو بقي على تردده إلى أن طلع الفجر؛ إذ قد عرفت أنَّه لا يعتبر في صدقه القصد إلى الترك، بل يكفي فيه عدم القص إلى الفعل.

وعليه، فيدل على فساد صومه كل ما دل عليه العامد، وهي جملة من الروايات:

منها: صحيحة أحمد بن محمد -يعني ابن أبي نصر- عن أبي الحسن (عليه السَّلام) (قَاْل: سألتُه عن رجلٍ أصابَ من أهلِه في شهر رمضان، أو أصابته جنابةٌ، ثم ينام حتَّى يُصبح مُتعمِّداً؟ قَاْل: يتمّ ذلك اليوم، وعليه قضاؤه)(1).

ومنها: صحيحة الحلبي عن أبي عبد الله (عليه السَّلام) (أنَّه قَاْل في رجلٍ احتلم أوَّل اللَّيل، أو أصاب من أهله، ثمَّ نام مُتعمِّداً في شهر رمضان حتَّى أصبح، قَاْل: يتمّ صومه ذلك ثمَّ يقضيه إذا أفطر من شهر رمضان ويستغفر ربَّه)(2).

فإنَّ مناط الحكم تركه للغسل اختياراً -الصَّادق مع التردد في الغسل وعدمه- الَّذي هو ملازم للنوم إلى الصبح متعمداً.

ومنها: صحيحة مُحمّد بن مسلم عن أحدهما (عليه السَّلام) (قَاْل: سألتُه عَنِ الرَّجل تُصيبه الجنابة في رمضان، ثمَّ ينام قبل أن يغتسل؟ قَاْل: يتمُّ صومه، ويقضي ذلك اليوم، إلَّا أن يستيقظَ قبل أنْ يطلعَ الفجر...)(3).

    

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo