< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/06/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

ومنها: موثَّقة سماعة بن مهران قَاْل: سألتُه عن رجلٍ أصابتُه جنابةٌ في جوف اللَّيل في رمضان، فنامَ وقد علمَ بها، ولم يستيقظَ حتَّى يدركَه الفجر؟ فقال: عليه أنْ يتمَّ صومه، ويقضي يوماً آخر...(4).

ومضمرات سماعة مقبولة.

ومنها: رواية سليمان بن حفص المروزي عن الفقيه (عليه السَّلام) ©قَاْل: إذا أجنبَ الرَّجل في شهر رمضان بليلٍ، ولا يغتسل حتَّى يصبحَ، فعليه صوم شهرَيْن متتابعين مع صوم ذلك اليوم، ولا يدرك فضل يومه(5).

ولكنَّها ضعيفة؛ لجهالة سليمان المروزي، ووجوده في كامل الزيارات لا ينفع؛ لعدم كونه من المشايخ المباشرين.

ومنها: رواية إبراهيم بن عبد الحميد عن بعض مواليه قَاْل: سألتُه عَنِ احتلامِ الصَّائم؟ قَاْل: فقال: إذا احتلم نهاراً في شهر رمضان (فلا ينم) حتَّى يغتسل، وإنْ أجنب ليلاً في شهر رمضان فلا ينام إلَّا ساعة حتَّى يغتسل، فمَنْ أجنبَ في شهر رمضان فنام حتَّى يصبحَ فعليه عِتْقُ رقبةٍ، أو إطعام ستِّين مسكيناً، وقضاء ذلك اليوم، ويتمُّ صيامه، ولن يدركه أبداً(6).

وهي ضعيفة بالإرسال، وبالإضمار، وكذا غيرها من الرِّوايات.

ويدل أيضاً على فساد الصَّوم في صورة التردد في الغسل وعدمه: هو أن التردد في الغسل ينافي نية الصَّوم؛ لأنَّ الصَّوم عبارة عن قصد الإمساك عن المفطرات، والتي منها تعمد البقاء على الجنابة، أي لابُدّ أن لا يتعمد البقاء على الجنابة في صحة الصَّوم، ومع التردّد في الغسل يكون مترددا في البقاء على الجنابة العمدية.

وهذا معناه أنَّه متردد في الصَّوم، وهو ينافي نية الصَّوم، كما لا يخفى.

وأمَّا الصُّورة الثالثة: فقد ذهب جماعة من الأعلام إلى صحة الصَّوم مع الغفلة والذهول عن الغسل؛ لأنَّ الرِّوايات المُتقدِّمة لا تشمل هذه الصُّورة، فلا يصدق عليه ترك الغسل متعمداً، كما أنَّ الذهول والغفلة لا ينافي نية الصَّوم لإمكان ارتكاز نية الصَّوم المأمور به شرعاً في ذهنه مع الغفلة عن مفطر بعينه.

_______________

(1) الوسائل باب15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح4.

(2) الوسائل باب16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح1.

(3)و(4) الوسائل باب15 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح3و5.

(5)و(6) الوسائل باب16 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح3و4.

ولكن الإنصاف: هو فساد الصَّوم مع الذهول والغفلة عن الغسل، ولابد حينئذٍ من القضاء، وذلك لصدق نسيان الغسل على تركه ذاهلاً وغافلاً، فتشمله الرِّوايات الآتية -إن شاء الله تعالى- الدالة على وجوب القضاء على من نسي الغسل.

وأمَّا الصُّورة الرابعة -وهي ما لو كان بانياً على الاغتسال حين الاستيقاظ، إلَّا أنَّه لم ينتبه اتفاقاً حتَّى طلع الفجر-: فإن كان في النومة الأولى -أي النوم بعد العلم بالجنابة، ولا يخفى عليك أنَّه لا يُعدّ النوم الَّذي احتلم فيه من النوم الأول- فالمعروف بينهم صحة الصَّوم في النومة الأولى إذا كان بانياً على الاغتسال.

وفي المدارك: ©هذا مذهب الأصحاب، لا أعلم فيه مخالفاً®، وفي الجواهر: ©بل لا خلاف أجده فيه، بل عن الخلاف الإجماع...®.

أقول: يدل على الصحة -مضافاً للتسالم بينهم- جملة من الرِّوايات:

منها: صحيحة العيص بن القاسم ©أنَّه سأل أبا عبد الله (عليه السَّلام) عن الرجل ينام في شهر رمضان، فيحتلم، ثمَّ يستيقظ، ثمَّ ينام قبل أن يغتسل؟ قال: لا بأس(1).

ومنها: صحيحة معاوية بن عمار ©قَاْل: قلتُ لأبي عبد الله عليه‌السلام: الرَّجل يُجنب في أوَّل اللَّيل، ثمَّ ينام حتَّى يُصبح في شهر رمضان؟ قَاْل: ليس عليه شيءٌ، قلتُ: فإنَّه استيقظَ ثمَّ نامَ حتَّى أصبحَ؟ قَاْل: فَلْيقضِ ذلك اليوم عقوبةً®(2).

ولا يخفى عليك أنَّ هذه الصَّحيحة صريحةٌ في أنَّه ليس عليه شيءٌ لو لم يستيقظ إلى الصبح، أي لا شيء عليه في النومة الأولى، وهي صريحة أيضاً في أنَّ القضاء إنَّما يجب عليه فيما لو استيقظ، ثمَّ نام، أي في النومة الثانية.

وعليه، فهذه الصَّحيحة أخصُّ مطلقاً من صحيحة مُحمّد بن مسلم، وموثقة سماعة المتقدمتين الدالتين بظاهرهما على وجوب القضاء عليه مطلقاً، أي في النومة الأولى، والثانية، وتُقيَّدان بهذه الصَّحيحة.

وتكون النتيجة: أنَّه في النومة الأولى لا يقضي، وفي النومة الثانية يقضي، وليست صحيحة مُحمّد بن مسلم، ولا موثَّقة سماعة نصّاً في إرادة استمرار نومته الأولى حتَّى يمتنع تقييدهما بهذه الصَّحيحة؛ لإمكان أن يكون المراد بقوله (عليه السَّلام) في الموثقةلم يستيقظ حتَّى أدركه الفجر، أنَّه لم يستيقظ في الوقت الَّذي كان من شأنه الغسل فيه، لا أنَّه لم يستيقظ أصلاً حتَّى في ابتداء نومه.

وكذا المراد بقوله في صحيحة ابن مسلم ثمَّ ينام قبل أن يغتسل، أي أنَّه أخر الغسل عن النوم.

ثمَّ إنَّه لو سلم صراحتها في إرادة استمرار نومته الأولى حتَّى يمتنع تقييدهما بصحيحة معاوية بن عمار، فيتعين حينئذٍ حملهما على ما إذا لم يكن بانياً على الغسل.

ومن هنا، استدل بهما على فساد الصَّوم في الصُّورة الثانية.

_______________

(1) الوسائل باب13 من أبواب ما يمسك عنه الصائم ح2.

(2) الوسائل باب15 من أبواب ما يمسك عن الصائم ح1.

    

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo