< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/06/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

إن قلت: إنَّ صحيحة معاوية بن عمار، وكذا صحيحة العيص بن القاسم، الدالتين على أنَّه لا شيء عليه فيما إذا لم يستيقظ حتَّى طلع الفجر هما مطلقتان، أي لا شيء عليه، وإن لم يكن بانيا على الغسل.

قلت: يتعين صرفهما لو لم نقل بانصرافهما في حد ذاتهما إلى صورة البناء على الاغتسال جمعاً بينهما، والروايات المُتقدِّمة الدالة على القضاء بترك الغسل اختيارا حتَّى طلع الفجر.

وقد استدل أيضاً على صحة الصَّوم في النومة الأولى: بما عن الفقه الرضوي أنَّه قال: وإن أصابتك جنابةٌ في أوَّل اللَّيل، فلا بأس بأنْ تنام مُتعمِّداً وفي نيتك أن تقوم وتغتسل قبل الفجر، فإن غلبك النَّوم حتَّى تُصبح فليس عليك شيءٌ، إلَّا أن تكون انتبهت في بعض اللَّيل ثمَّ نمت، وتوانيت، ولم تغتسل وكسلت، فعليك صومُ ذلك اليوم، وإعادةُ يومٍ آخر مكانه: وإنْ تعمَّدت النَّوم إلى أن تُصبح فعليك قضاء ذلك اليوم، والكفَّارة، وهو صوم شهرَيْن متتابعَيْن، أو عِتْق رقبة، أو إطعام ستِّين مسكيناً[1]

ودلالته، وإن كانت واضحةً جدًّا، إلَّا أنك قد عرفت في أكثر من مناسبة أنَّ فقه الرضا لم تثبت نسبته للإمام (عليه السَّلام)، بل ذكرنا أنَّه فتاوى لعلي بن بابويه، إلَّا ما كان بعنوان (قال(ع)) أو (روي)، ونحو ذلك، فتكون روايةً مرسلةً.

هذا كله بالنسبة لحكم النومة الأولى، وأمَّا حكم النومة الثانية، فسيأتي الكلام عنها -إن شاء الله تعالى- عند تعرض المُصنِّف (رحمه الله) لها.

قوله: (أو عاود النوم بعد انتباهه فصاعدا)

المعروف بين الأعلام أنَّه إذا كان في النومة الثانية -بأن نام بعد العلم بالجنابة، ثمَّ انتبه، ونام ثانياً- مع احتمال الانتباه فاتفق استمراره وجب عليه القضاء.

وفي المدارك: هذا مذهب الأصحاب لا أعلم فيه مخالفاً....

أقول: قد استدل لذلك بصحيحة معاوية بن عمار المُتقدِّمة قَاْل: قلتُ لبي عبد الله عليه‌السلام: الرَّجل يُجنب في أوَّل اللَّيل، ثمَّ ينام حتَّى يُصبح في شهر رمضان؟ قَاْل: ليس عليه شيءٌ، قلتُ: فإنَّه استيقظ، ثمَّ نام حتَّى أصبح؟ قَاْل: فَلْيقضِ ذلك اليوم عقوبةً

الشاهد: هو قوله: فإنَّه استيقظ، ثمَّ نام حتَّى أصبح؟ قَاْل: فَلْيقضِ ذلك اليوم عقوبةً، وكذا يقضي لو كان في النومة الثالثة، وهكذا.

ثمَّ إنَّه هل يحرم النوم ثانياً، أم لا؟

ذهب الشهيد الثاني (رحمه الله) في المسالك إلى الحرمة، حيث قال: قد تقدَّم أنَّ النَّومة الأُولى إنَّما تصحُّ مع العزم على الغسل، وإمكان الانتباه أو اعتياده، فإذا نام بالشَّرط، ثمَّ انتبه ليلاً حرم عليه النَّوم ثانياً، وإن عزم على الغسل واعتاد الانتباه، لكن لو خالف وأثم، فأصبح نائماً وجب عليه القضاء خاصَّة.

وقد اعترض عليه صاحب المدارك (رحمه الله)، حيث قال: ويمكن المناقشة في تحريم النَّومة الثَّانية؛ لعدم وضوح مأخذه، وربّما استدلّ عليه بقوله عليه‌السلام: فَلْيقضِ ذلك اليوم عقوبةً، والعقوبة إنَّما تثبت على فعل المُحرَّم، وهو استدلال ضعيف، فإن ترتَّب هذه العقوبة على فعل لا يقتضي تحريمه، والأصحّ إباحة النَّومة الثَّانية، بل والثَّالثة أيضاً وإن ترتَّب عليهما القضاء، كما اختاره العلَّامة في المنتهى، تمسُّكاً بمقتضى الأصل السَّليم من المعارض.

وهو في غاية الجودة؛ إذ لا دليل على الحرمة، ومقتضى أصل البراءة هو عدمها.

وأمَّا الاستدلال على الحرمة بما ورد في ذيل صحيحة معاوية بن عمار فليقضِ ذلك اليوم عقوبةً.

فجوابه: هو ما ذكره صاحب المدارك (رحمه الله).

ويشهد لذلك: ورود نظيره فيما لا حرمة فيه جزماً، كما في موثَّقة سماعة الواردة في ناسي النجاسة قَاْل: سألتُ أبا عبد الله ( عليه السلام ) عَنِ الرَّجل يرى بثوبه الدَّم، فينسى أن يغسله حتَّى يُصلِّي؟ قَاْل: يُعيد صلاته كي يهتمّ بالشَّيء إذا كان في ثوبه، عقوبةً لنسيانه...

فإنَّ الناسي مرفوع عنه التكليف رفعاً واقعيًّا، ومع ذلك أوجب الإعادة عليه عقوبةً؛ لنسيانه.

وعليه، فإن ترتب العقوبة لا يقتضي تحريمه.

نعم، العقوبة الأخروية هي المستلزمة للحرمة دون العقوبة الدنيوية، كما في مقامنا هذا.

إن قلت: يمكن الاستدلال لحرمة النوم مطلقاً ما لم يغتسل بمرسلة إبراهيم بن عباد الحميد، عن بعض مواليه قَاْل: سألتُه عَنِ احتلام الصَّائم؟ قَاْل: فقال: إذا احتلم نهارًا في شهر رمضان (فلا ينم) حتَّى يغتسل، وإن أجنب ليلاً في شهر رمضان فلا ينام إلَّا ساعةً حتَّى يغتسل، فمَنْ أجنب في شهر رمضان فنام حتَّى يُصبح فعليه عِتْقُ رقبةٍ، أو إطعامُ ستِّين مسكيناً، وقضاءُ ذلك اليوم، ويتمّ صيامه، ولن يدركه أبداً[2]

قلت أوَّلاً: إنها ضعيفة سنداً بالإرسال، والإضمار.

وثانياً: أنَّ ظاهرها مخالفٌ لظواهر غيرها من الرِّوايات والفتاوى، حيث إنَّه يجوز له النوم بعد الاحتلام نهاراً، ولا يجب عليه المبادرة إلى الغسل.

والخلاصة: أنَّه يجوز النوم الأول والثاني مع احتمال الاستيقاظ احتمالاً معتدًّا به، بحيث يخرجه عن كونه ملحقاً بالترك الاختياري، وأمَّا النوم الثالث فالأولى تركه مطلقاً.


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo