< قائمة الدروس

الأستاذ الشيخ حسن الرميتي

بحث الفقه

45/06/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الصَّوم

 

وأمَّا الأمر الثالث: وهو فيما لو فعل المخالف الفعل حال خلافه موافقاً لمذهبنا على وجه تأتي منه قصد القربة، كما لو جهل بشيء، فسأل المفتي عندهم فأرشده إلى ما يوافق الحق فعمل به بقصد التقرب ثمَّ استبصر، فهل يسقطه القضاء؟

والإنصاف: هو السقوط لإطلاق الأدلة، بل شمولها للصحيح عندنا أقرب من شمولها للصحيح عند العامل، ولأولويّته من الفعل على وفق مذهبه.

    

قوله: (ولو أغمي عليه فعله قضى)

ذكرنا المسألة بالتفصيل عند المصنف (رحمه الله) سابقاً ©ولا يجب على المجنون -إلى أن قال:- ولا المغمى عليه...®.

وقلنا هنا: يقع الكلام في أربعة أمور، وقلنا في الأمر الثالث: هل يجب القضاء على المغمى عليه ما فاته أيام إغمائه أم لا؟

_______________

(1)و(2)و(3) الوسائل باب3 من أبواب المستحقين للزكاة ح1و3و2.

وقلنا في الأمر الرابع: هل أنَّ عدم القضاء مختصٌّ بما إذا كان الإغماء مستنداً إلى غلبة الله تعالى وخارجاً عن اختيار المكلف أم يشمله ، وما استند إلى اختياره.

وكانت النتيجة: أنَّه لا يجب عليه القضاء، سواء كان الإغماء مستنداً إلى غلبة الله تعالى، أم كان مستنداً إلى فعله، واختياره فراجع ما ذكرناه، فإنَّه مهم، وقد بحثنا المسألة بالتفصيل.

    

قوله: (كالسكران)

ذكرنا سابقاً عند قول المصنف (رحمه الله) : ©ولا يصح من السكران وإن وجب عليه...®، أنَّه لا يجب القضاء على السكران، سواء كان السُّكر باختياره أم بدون الاختيار، فراجع ما ذكرناه، فإنَّه مهم.

    

قوله: (ولو لم يعلم فأدّاه التناول إلى الإغماء فلا قضاء)

قد عرفت أنَّه لا يجب القضاء مطلقاً.

ثمَّ إنه يستفاد وجوب القضاء لكل تارك الصوم -عدا من استثنى- بمجموع ما ورد في وجوب القضاء على من أفطر متعمداً، وعلى المريض والحائض والنفساء والمسافر وناسي الجنابة، وغيرهم من المعذورين في الإفطار، والله العالم بحقائق أحكامه.

    

 

قوله: (ولابُدّ من قبول الزَّمان للصَّوم)

من المعلوم أنَّ الزَّمان الَّذي يصحّ فيه الصَّوم هو النَّهار دون اللَّيل.

وفي المدارك: ©أمَّا اختصاص الصَّوم بالنَّهار دون اللَّيل، فقال في المنتهى: أنَّه لا خلاف فيه بين المسلمين...®(1)، وفي الجواهر: ©إجماعاً، بل ضرورة من المذهب، بل الدِّين...®(2).

وبالجملة، فلا إشكال في ذلك بين المسلمين قاطبةً، ولا حاجة للإطناب في المسألة.

    

 

قوله: (فلا يصحّ صومُ العيدَيْن مُطلقاً)

المعروف بين الأعلام أنَّه لا يصحّ ولا يجوز صوم العيدَيْن الفطر والأضحى مطلقاً لِمَنْ كان بمنى أو مكّة، أو غيرهما، ناسكاً أو غيره.

قال العلَّامة (رحمه‌الله) في المُنتهى: ©ولا يصحُّ يوم العيدَيْن، وهو قول أهل العلم كافّةً®، وقال فيها أيضاً: ©ولا خلاف في تحريم صوم العيدَيْن بين المسلمين كافَّةً...®(2).

وقال المُحقِّق (رحمه الله) في المُعتبر على تحريم صومها اتِّفاق فقهاء الإسلام...®.

أقول: تدلّ على تحريم صوم العيدَيْن -مضافاً للتَّسالم بين كلّ المسلمين- جملةٌ من الرِّوايات بلغت حدّ الاستفاضة، سنذكر بعضها -إن شاء الله تعالى- في ضمن الأبحاث الآتية.

نعم، أشرنا في بعض المناسبات أنَّ حرمة صوم العيدَيْن حرمة تشريعيّة، أي لا أمر بالصَّوم في يومي العيدَيْن، فإذا صام بقصد الأمر، فيكون تشريعاً مُحرّماً، وليست حرمة الصَّوم فيهما ذاتيّةً.

ومعنى الحُرمة الذَّاتيّة فيهما: أي يحرم الإمساك فيهما بعنوان الصَّوم، وإن لم يقصد الأمر.

وعليه، فإذا كانت الحرمة تشريعيّة، فلو صام في الصَّوم الَّذي يُشكّ فيه أنَّه عيدٌ أم لا، وتبيّن أنَّه عيدٌ، لا يكون فاعلاً للمُحرَّم، فلا حاجة لما يفعله بعض المؤمنين من السَّفر في اليوم الَّذي يُشكّ فيه أنَّه عيدٌ.

ثمَّ إنَّه ينبغي التَّنبيه على أمر، وحاصله: أنَّ القائل في أشهر الحرم -وهي رجب وذو القعدة وذو الحِجّة ومُحرّم- عليه دية وثُلث، ويصوم شهرَيْن متتابعَيْن في أشهر الحرم.

وذكر جماعة من الأعلام أنَّه يصوم الشّهرَيْن -وإنِ استلزم ذلك صوم العيد، وأيام التَّشريق- منهم الشَّيخ الصَّدوق (رحمه الله)، والشَّيخ (رحمه الله) في النِّهاية، وابن حمزة -وهو الصَّحيح عندنا- خلافاً لجماعة من الأعلام، حيث لم يجوّزوا له صوم يوم العيد، وأيام التَّشريق منهم المُحقِّق (رحمه الله)، وصاحب الجواهر (رحمه الله).

قال المُحقِّق (رحمه الله) في المعتبر: ©والرِّواية المذكورة -أي رواية زُرارة الدَّالّة على جواز صوم يوم العيد للقائل في أشهر الحرم الَّذي يصوم الشَّهرَيْن- نادرةٌ، مخالفة لعموم الأحاديث المجمع عليها، ومخصصة لها، ولا يقوى الخبر الشَّاذّ على تخصيص العموم المعلوم، على أنَّه ليس فيه صريح لصوم العيد، والأمر المطلق بالصَّوم في الأشهر الحرم، وليس بصريح في صوم عيدها، وأمَّا أيام التَّشريق، فلعلَّه لم يكن بمنى، ونحن لا نحرّمها إلَّا على مَنْ كان بمنى...®(2).

وفي التَّذكرة: ©في طريقه سهل بن زياد، وهو ضعيف، ومع ذلك فهو مخالف للإجماع...®، وذكر نحوه في المنتهى.

______________________

(1) المدارك: ج6، ص134.

(2) الجواهر: ج16، ص324.

(1) المنتهى: ج2، ص587.

(2) المعتبر: ج2، ص714.

أقول: لكي يتَّضح الحال لابُدّ من ذِكْر الرِّوايات الواردة في المقام:

منها: رواية زُرارة عن أبي جعفر (عليه‌السَّلام) ©قَاْل: سألتُه عن رجلٍ قتل رجلاً خطأ في الشَّهر الحرام؟ قَاْل: تغلّظ عليه الدِّية، وعليه عتق رقبة أو صيام شهرَيْن متتابعَيْن من أشهر الحرم، قلتُ: فإنَّه يدخل في هذا شيء! قَاْل: ما هو؟ قلتُ: يوم العيد وأيام التَّشريق، قَاْل: يصومه، فإنَّه حقٌّ يلزمه®(1).

وهي ضعيفة بسهل بن زياد.

ومنها: رواية أُخرى لزُرارة ©قَاْل: قلتُ لأبي جعفر (عليه‌السلام): رجلٌ قتل رجلاً في الحرم؟ قَاْل: عليه ديةٌ وثُلث، ويصوم شهرَيْن متتابعَيْن من أشهر الحرم، ويعتق رقبةً، ويُطعم ستِّين مسكيناً، قَاْل: قلتُ: يدخل في هذا شيء؟ قَاْل: وما يدخل؟ قلتُ: العيدان، وأيام التَّشريق، قَاْل: يصوم، فإنَّه حقٌّ لزمه®(2).

وهذه الرِّواية رواها الكُلينيّ، عن عليّ بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن أبان بن تغلب، عن زُرارة.

وهي ضعيفة؛ لأنَّ مُحمّد بن أبي عمير لا يروي عن أبان بن تغلب بلا واسطة، وبما أنَّ الواسطة مجهولة، فتكون الرِّواية مرسلةً.

وقد ذكر النَّجاشيّ (رحمه‌الله) أنَّ أبان بن تغلب: ©عظيم المنزلة في أصحابنا، لقي عليَّ بن الحسين، وأبا جعفر، وأبا عبد الله عليهم‌السلام، روى عنهم، وكانت له عندهم منزلة وقدم -إلى أن قال أخيرًا:- مات أبان في حياة أبي عبد الله (عليه‌السَّلام) سنة إحدى وأربعين ومائة®(3).

وأمَّا مُحمّد بن أبي عمير، فقد ذكر النَّجاشيّ ©لقى أبا الحسن موسى (عليه‌السلام)، وسمع منه أحاديث كنَّاه في بعضها، فقال: يا أبا أحمد، وروى عن الرِّضا عليه‌السلام، جليل القدر عظيم المنزلة فينا وعند المخالفين -إلى أن قال:- مات سنة سبع عشرة مائتين®(4)

وذكر الشَّيخ (رحمه الله) في الفهرست: ©وأدرك من الأئمَّة عليهم السَّلام ثلاثة: أبا إبراهيم موسى عليه السلام، ولم يروِ عنه، وأدرك الرِّضا عليه السلام (وروى عنه خ ل) والجواد عليه السلام...®(5).

ومن هنا، تعرف أنَّ ابن أبي عمير لا يروي عن أبان بن تغلب بلا واسطة؛ لأنَّه كان صغير السِّنّ عند وفاة أبان بن تغلب، بل لعلَّه لم يكن قد ولد؛ إذ لا نعلم السَّنة الَّتي وُلد فيها ابن أبي عمير.

وقد أشكل صاحب الجواهر (رحمه الله) على دلالة هذه الرِّواية: © ليس في هذه الأشهر إلَّا الأضحى، إلَّا أن يريد بالآخر -أي العيد الآخر؛ لأنَّ المذكور في الرِّواية العيدان- يوم الغدير وإن لم يحرم صومه®(6).

_________________

(1)و(2) الوسائل باب8 من أبواب بقية الصوم الواجب ح1و2.

(3) رجال النجاشي: ص10.

(4) رجال النَّجاشيّ: ص10.

(5) الفهرست: ص218.

(6) الجواهر: ج17، ص89.

 

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo